في جلسة مع صديق مثقف متابع ، دار حديث بيننا عن ماليزيا وعن ( فارسها ) وباني مجدها الحديث الدكتور ( ( مهاتير محمد ) .. ولم أكن اعرف الكثير عن ماليزيا وقائد نهضتها ، لكن حديث صديقي الممتع دفعني بأصرار الى البحث والتقصّي عن هذا الرجل الذي يستحق كل الاحترام … بحثتُ وقرأتُ وسألتُ وجمعتُ المعلومات بدافع ( الفضول المشروع ) واذا بي أمام رجل دولة وطني مخلص غيور على وطنه وشعبه …. رجل سطع نجمه في تاريخ ماليزيا الحديث … رجل دخل التاريخ من أوسع الأبواب .. وصدق من قال : ان لكل وطن فرسانه ورجاله الذين يصنعون الحياة ويدفعون الغالي والرخيص من اجل النهوض بالوطن مهما كلف الامر من تضحيات …
الدكتور مهاتير محمد اشتغل ( بائعا للموز ) ومن هنا بدأ الكفاح .. ودخل كلية الطب في سنغافورة المجاورة
بعدها عمل طبيبا جراحا حتى استقلال ماليزيا عام 1957 .. وتقلد منصب رئيس وزراء ماليزيا من عام 1981 لغاية 2003 … استطاع هذا الرجل ان يحلّق ببلده من بلد متخلّف الى بلد يتربع على قمة الدول الناهضة التي يُشار لها بالبنان .. اعتمد مهاتير محمد على ارادته ووطنيته وعزيمته وصدقه وراهن على شعبه وعقول ابنائه ليضع بلده على ( الخارطة العالمية ) . تفوّق الطبيب الجراح والسياسي المحنك بمهاراته وحبه الحقيقي لوطنه واستطاع ان ينقل ماليزيا نقلة نوعية لتصبح ( نمرا ) آسيويا يُحسب له ألف حساب ، اذ كان دخل الفرد عام 1981 ألف دولار سنويا حتى اصبح ستة عشر الف دولار سنويا وان يصل الاحتياط النقدي من ثلاثة مليارات دولار الى ثمانية وتسعين مليار دولار … لم يتمسّك بالكرسي حتى آخر نفس ولم يطمع لتوريثه لأبنائه ……..
اعتمد مهاتير محمد على ركائز مهمة في ادارته للبلد وكان بحق رجل دولة ، الركيزة الأولى عمل على توحيد البلاد وتجنب الصراعات الداخلية بين المجموعات العرقية فقد عمل على الوحدة بين فئات الشعب مع اختلاف دياناتهم ( الأسلامية / الهندوسية / البوذية ) .. اما الركيزة الثانية فهي الأعتماد على دولة داعمة لماليزيا في تجربتها .. والثالثة جذب الأستثمار نحو ماليزيا وقام بأدخال التكنولوجيا الحديثة والتدريب عليها ….
ركّز مهاتير محمد على ثلاثة محاور كان في مقدمتها ( محور التعليم ) ويوازيه محور التصنيع ثم المحور الأجتماعي ، اضافة لما تقدم كان هناك عاملان لنجاحه أولهما ( القدوة ) والبحث عن تجارب الدول الناجحة والتعرف على سلوكها والمشاكل التي مرّت بها واستقر بعد ذلك على ان تكون ( اليابان ) هي القدوة .. اما العامل الثاني فهو ( الأدارة الجيدة ) فبعدما توفرت ارادة النجاح لدى المجتمع الماليزي بجانب تكوين قاعدة من تعليم جيد بقي دور القائد الماهر الذي يستطيع ادارة هذه العوامل ويجيد استخدامها ليصل الى النجاح المنشود ، ولم يكن هذا الأمر سهلا فقد استطاع ان يستنهض همم شعبه الى جانب ذلك حرصه على تنفيذ سياسة خارجية متميزة جعلت له مكانة في المحافل الدولية كمفكر وصاحب رأي … يقول مهاتير محمد عن اسباب نجاح التجربة الماليزية : ( ان ماليزيا لم تحقق معجزة بل طبّقت ماطالبنا به القرآن الكريم في اول آية نزلت على الرسول الكريم ( اقرأ باسم ربك …… ) فأولينا التعليم كل جهدنا ووفرناه لكل فئات الشعب بسهولة ) .في عام 2003 وبعد احدى وعشرين سنة قرر بارادته ان يترك الجمل بما حمل رغم كل المناشدات ليستريح تاركا لمن يخلفه خارطة طريق وخطة عمل اسمها ( عشرين … عشرين ) اي شكل ماليزيا عام 2020 … ولم ينتظر معونات امريكية او مساعدات اوربية . وبعد اعتزاله العمل السياسي كما أسلفنا اعلن عن خوضه الأنتخابات من جديد ليفوز باغلبية المقاعد ويعلن عن تشكيل الوزارة وبعمر 92 سنة …. وهكذا تفوق الطبيب الجراح بمهاراته وحبه الحقيقي لبلده .. ان التاريخ سجل وسيبقى يسجل لهذا الرجل صفحات مشرقة مكتوبة بحروف من نور وستبقى بصماته تحكي قصة كفاح ماليزيا من اجل المستقبل الزاهر الذي وضع أسسه هذا الرجل … وأخيرا أسأل : لماذا لانتعلم من تجارب الآخرين وننقلها لننهض ببلدنا ؟؟… لماذا لم نستفد من ادارة هذا الرجل ( القدوة ) ؟؟ الذي أنحني اليه احتراما واجلالا وأرفع قبّعتي اليه … ماأحوجنا الى مهاتير محمد ( عراقي ) ..