كثُر الهجوم على الدين الإسلامي في العراق، بشكل منظم وممنهج، ونالت العمامة الحوزوية الشيعية، القسط الأكبر من هذا التسقيط، من خلال منهج تصاعدي في الخطاب التسقيطي، تُشم منه رائحة الحرفية الإعلامية التضليلية، لدى كل مختص او صاحب معرفة في هذا المجال .
جاء تسقيط شخصية السيد علاء الموسوي رئيس ديوان الوقف الشيعي، بشكل علني وواضح وصريح (بخلاف أنماط التسقيط والتشويه الأخرى، التي كانت تتبنى العمومية والإطلاق دون التخصيص), وذلك لأنه تسنم سدة منصب يعد في جزء من أدبيات تعريفه كمنصب حكومي، خاصة وأنه كان دقيقا جدا في تعاملاته وإدارته لهذه المؤسسة، بطريقة لم يجد أعداءه وأعداء الدين منفذا لتسقيطه، سوى الإدعاء بمعاداته للآخر.
أخذت فلسفة العلاقة مع الآخر (المختلف دينيا أو عرقيا- وعادة الآخر هو الغربي)، حيزا كبيرا جدا في أدبيات الوعي النهضوي العربي والإسلامي، إلا أن ما لفت انتباهي أن انقسام النخب الفكرية في علاقتها مع الآخر، ينطلق من انقسام في مفهوم الآخر ما بين مفهومي (الآخر الاستعماري، والآخر الحضاري)، فالعداء مع الآخر الاستعماري، كان يمثل عداءا شريفا صحيحا، والآخر الإستعماري قد يكون مستعمرا بقوة السلاح الكولونيالي، أو قد يكون مستعمرا بأدوات التغريب الثقافية، وسحق الثقافات والأخلاق المجتمعية للمجتمعات المختلفة عنه .
السيد الموسوي ومن خلال مراجعتي لخطبه ونتاجاته، كان يقف بالضد من الآخر بوجهه الاستعماري الثقافي المدمر لأخلاق الشعوب، وهو نمط من الاستعمار تقف على دعمه أسس الرأسمالية الجديدة التي تؤمن بأن الإنسان سوق للاستهلاك ! ولم يقف الموسوي ضد الآخر بوجهه الحضاري التطوري أو العلمي الموضوعي، لذا كانت خطبه ومحاضراته منصبة بالتحديد حول نقد عمليات التغيير المجتمعي السلبية التي تقف ورائها جهات تدعي أنها تابعة للديانة المسيحية !
إن قيادة مؤسسة حكومية كديوان الوقف الشيعي من قبل رجل دين صالح ونزيه كسيد علاء الموسوي , أمر أثار حفيظة الكثير من الجهات والأطراف التي أنفقت الكثير وبذلت الجهود والأموال والخطط، من أجل ضرب رمزية العمامة في نفوس الناس، وبالأخص في نفوس الشباب الجدد ممن لا يملكون أي خبرة في معرفة أدوات وأدبيات الصراع الثقافي الوجودي الممتدة عبر تأريخ طويل.
لا يخفى علينا بأن هذه الحملة التي وجهت للسيد الموسوي، هي جزء من مسلسل كبير وواسع، تتحكم به أدوات غاية في الحرفية، تركز على جانب التضليل الإعلامي، ويحاول أصحابها جاهدين خلق حالة من حالات الانصياع الاجتماعي، لفكرة (سياسية اقتصادية نفعية بائسة)، تهدف إلى إبعاد أي تأثير أخلاقي (انضباطي) للدين ورجاله، على أنساق المجتمع، لأن وجود الدين ورجاله، إنما يعني انتزاع حالة الاستهلاكية المادية التي تحاول تلك الجهات تحويل المجتمعات والشعوب إليها، أي أن انتزاع الفرد من إطار فكرة (عدم الانغماس في ملذات الدنيا)، تعد من أهم مشاريع الجهات التي تحاول أن تضرب العمامة والدين، لكي تنتزع الإنسان من تلك الحالة الدينية التي يحسب فيها الفرد حساب الآخرة.
السبب الاقتصادي لهذه الحالة، هي أن تحول الفرد إلى عبد ممسوخ لشهواته وملذاته وغرائزه، سيحقق سوقا استهلاكيا ضخما لكل ما يصدر من تلك الجهات. إذن، الصراع من أجل إزاحة الدين ورجاله من المخيلة القيمية للأفراد والمجتمعات، إنما الهدف منه هو انتزاع الفرد من حالته الإنسانية التي توازن بين الدنيا والآخرة، وتحوله إلى مجرد (شيء) استهلاكي دنيوي بحت، يسهل التحكم به من خلال السيطرة على مدخلات سلوكه، عبر ما يتم إنتاجه من مواد تغرقه في دنيويته، والدين ورجاله (وبالأخص في مذهبنا الشيعي)، تقف وبشكل كبير كحجر عثرة بوجه ذلك المخطط …
* دكتوراه في النظرية السياسية- المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة.