لم تحدث ضجة في بريطانيا مثل تلك التي رافقت قصة اجهزة كشف المتفجرات في العراق. منذ عدة سنوات ونحن مشغولون بشان كفاءة او عدم كفاءة تلك الاجهزة. في بريطانيا تجمعت الادلة واكتملت التحقيقات وصدر الحكم (سجن عشر سنوات) ضد رجل الاعمال البريطاني جيمس ماكورماك مع تغريمه الاموال التي جمعها من جراء صفقة بيع اجهزة مغشوشة (نحو 100 مليون دولار اميركي).
المفارقة اللافتة للنظر انه ما ان صدر الحكم على ماكورماك في بريطانيا حتى “حمى حمامنا” في العراق سواء من حيث الفرح بادانته او المطالبة باعادة ما نهبه من اموال منا مع الدعوات المستمرة لتحميل مسؤولين كبار في الحكومة مسؤولية شراء هذه الاجهزة التي يقول القضاء البريطاني انها فاشلة بينما هي تستخدم حتى الان في العراق. المفارقة الاكثر لفتا للنظر تتمثل في ان القضاء العراقي سبق نظيره البريطاني باكثر من سنتين في الحكم على مدير مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية اللواء جهاد الجابري بالتهمة ذاتها التي حوكم بسببها ماكورماك في بريطانيا. الجابري اودع السجن لسبع سنوات وماكورماك عشر. الفارق بين الامرين ان البريطانيين “غرموا” صاحبهم الاموال التي جناها ظلما وعدوانا وهو ما يعني بطلان قصة الاجهزة بينما نحن نتعامل معها بكل همة بعد سجن الجابري بالامس واليوم ماكورماك.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو .. انه اذا كانت الاجهزة كاذبة او مغشوشة وتم سجن من كان السبب فيها فلماذا بقيت تعمل؟ واذا كانت ذات فاعلية فلماذا وضع الجابري بالامس خلف القضبان واليوم ماكورماك ؟ اسئلة لم يجب ولن يجيب عليها او عنها احد. والواقع ان الاصرار على استخدامها في السيطرات يتعدى ما هو فني او تقني. لاننا حتى لو نظرنا للامر من زوايا اخرى ربما تتعلق بطبيعة الصفقة وهل اذا ما كانت تكمن في الاسعار او العمولات او فترة التجهيز وبالتالي فان سجن الجابري بالامس في العراق يتصل بواحدة من هذه الامور فان سجن ماكورماك في بريطانيا قطع قول كل خطيب فيما يتعلق بما اوردناه. فالكلمة التي قالها القضاء البريطاني بحق ماكورماك تتصل بمسالة محددة واحدة وهي ان الاجهزة مغشوشة وكاذبة.
وبالتالي فان الامر لايتعلق لا في الاسعار ولا العمولات ولا مدد التجهيز بل بطبيعة الجهاز نفسه . وهو ما يعني ليس بالقلم العريض وحده بل بكل انواع الاقلام الجاف والحبر والرصاص والسوفت اننا نخدع انفسنا باصرارنا على استمرار العمل باجهزة السونار في السيطرات حتى مع كل ما بات يسببه ذلك من اذى واذلال وعرقلة متعمدة للمواطنين. ليس هذا فقط فان هناك مسالة في غاية الاهمية وهي احقية مطالبتنا بالتعويض سواء المادي منه حيث اصدرت المحكمة البريطانية حكمها باستعادة الاموال التي نهبها ماكورماك منا او التعويض المعنوي من خلال ازهاق ارواح الاف العراقيين جراء كذبة صدقناها او انطلت علينا. لكن كيف لنا ان نطالب البريطانيين استرداد اموالنا او دماء مواطنينا التي لاتقدر بكل الاثمان في وقت تصر الحكومة على استخدام اجهزة يقول البريطانيون انها مغشوشة وان ماكورماك خدعكم .. ونحن نصر على الاعتذار منه.