إعداد أحمد أمير محمد ..
الباحث في الشؤون الإيرانية
“كنت أودّ أن أُسعِد الجميع بخبر مُفرح، ولكن أحياناً لا تسير الحياة كما نريد”؛ هكذا أعلن وزير الاتصالات الإيراني “محمد جواد آذری” في تغريده له على حسابه الشخصي في تويتر، خبر فشل مهمة القمر الصناعي “بيام” الذي صنّعته جامعة “أمير كبير” للتكنولوجيا في طهران، موضحًا أن حامله الصاروخ “سيمرغ”، قد قطع بنجاح المرحلتين الأولى والثانية، لكنه لم يصل إلى السرعة المطلوبة بفارق 30 ثانية عند بلوغه المرحلة الثالثة، وبالتالي لم يستقرّ في المدار المحدد له مسبقًا؛ 30 ثانية كانت فارقًا حسم فشل العملية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل السبب وراء الفارق الزمني 30 ثانية كان حقًا عطل فني كما أفاد المسئولين الإيرانيين في توضيحهم تفاصيل هذا الخبر أم كان تدخل خارجي في إطار خطوة استباقية؟
في الواقع؛ من الصعب الحصول على إجابة حاسمة على هذا السؤال في ظل الوقت الراهن، لكن ربما يساعد تسليط الضوء على بعض الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة، على الوصول إلى أقرب الاحتمالات واستبيان ماهية الفارق الزمني 30 ثانية؛ هل كانت أقرب لعطل فني أم تدخل خارجي.
لقد شارك في صناعة القمر الصناعي “بيام” ويعني بالفارسية (رسالة)، أربعة أقسام من كلية الهندسة؛ قسم العلوم الفضائية، الكهرباء، علوم الحاسب الآلي وقسم الميكانيكا، كما شارك في تصميمه 16 أستاذ أكاديمي من كليات جامعة أمير كبير وتولى عدد من طلاب الماجيستير والدكتوراه في الأقسام المختصة جزء كبير من الأبحاث المتعلقة بصناعة هذا القمر الاصطناعي، وقد بدأ العمل على تصنيعه منذ عام 2008م وكانت مهمته الرئيسية مبنية على التصوير والاتصالات المتعلقة بعلوم البيئة. وتلك التفاصيل حول مشروع تصنيع بيام تلفت النظر إلى أنه استغرق جهد وفترة زمنية مناسبة تُمكنه من تنفيذ المهمة التي صُنّع من أجلها بنجاح، خاصةً أن المشروع بدأ منذ أكثر من 11 عامٍ وعلى يد صفوة العلماء الإيرانيين المختصين في هذا المجال.
أما عن “سيمرغ” وهو الصاروخ الحامل لهذا القمر الصناعي، قد تم تصميمه وتصنيعه على يد خبراء منظمة الصناعات الجو-فضائية التابعة لوزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية ومهمته الرئيسية حسب ما أعلنت الجهة المصنعة له، هي حمل الأقمار الصناعية ووضعها في مدارات قريبة من الأرض، لكن الجدير بالذكر أن التقنية المستخدمة في صناعة هذا الصاروخ مطابقة فعليًا للصواريخ البالستية العابرة للقارات والمزودة بإمكانية حمل رؤوس نووية، ويمكن استخدامها في استهداف مواقع تبعد آلاف الأميال عن مكان الإطلاق وهذا حسب ما أفاد به محللين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن. وقد أفادت وكالة الأنباء الإيرانية مهر من قبل بأن هذا الصاروخ قد تم اختباره بنجاح يوم السابع والعشرين من شهر يوليو عام 2016م. وهذا يعني أن نجاحه عمليًا لم يكن منذ فترة طويلة مقارنة بفترة تصنيع القمر الاصطناعي “بيام”. وقد أثارت إمكانيات هذا الصاروخ جدلًا واسع النطاق على المستوى الدولي وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر المعارضين لهذا الموضوع؛ ومن هنا تجدر الإشارة إلى حدث هام وقع قبل العام الماضي حيث شهد صباح يوم الأحد 16 أبريل 2017م، تجربة إطلاق صاروخ باليستي فاشلة أجرتها كوريا الشمالية، حيث انفجر الصاروخ بعد لحظات من إطلاقه؛ والمثير للاهتمام في الأمر ليس فشل التجربة بل ما أثارته وسائل الإعلام الدولية بعد ذلك، حول أن هذا الأمر تفوح منه رائحة تدخل أمريكي وأفادت صحيفة التليغراف حينها صراحةً في تقرير لها بأن السبب وراء فشل إطلاق الصاروخ الكوري، ربما يكون هجوم إليكتروني شنته الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشارت التليغراف في محاولة منها لإثبات صحة تخمينها، إلى أن الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” قد أمر حكومته عام 2014م بتكثيف الجهود من أجل التصدي لبرنامج كوريا الشمالية الصاروخي عن طريق الهجمات السايبرانية والحرب الإليكترونية؛ كما تحدث تقرير نشره الموقع الإليكتروني الأمريكي MDAA والمعني بنشر أخبار التجارب الصاروخية وتطوير الأنظمة الدفاعية الأمريكية وقضايا الدفاع الصاروخي، عن برنامج ردع صاروخي يعرف باسم “Left Of Launch” ويهدف هذا البرنامج إلى ردع استباقي لإجراءات عسكرية صاروخية أو تجارب غير مرغوب فيها أو بمعنى أصح تمثل تهديدًا للأمن القومي في أمريكا ودول التحالف.
ربما كان لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” المنتقدة لإجراء هذه التجربة والتي هدد فيها النظام الإيراني، قائلًا: “ننصح النظام بمراجعة عمليات الإطلاق الاستفزازية وبوقف كل النشاطات المرتبطة بالصواريخ الباليستية، لتجنّب مزيد من العزلة الاقتصادية والديبلوماسية”.
وتعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” على هذا الموضوع، قائلاً: “إيران تكذب بقولها إنها أطلقت قمراً اصطناعياً بريئاً في الفضاء. إنها تريد إنجاز أول مرحلة لصاروخ عابر للقارات، في انتهاك لكل الاتفاقات الدولية. ندعم معارضة الولايات المتحدة لهذا التصرّف العدائي”؛ الأثر الأكبر في ربط التفاصيل المذكورة في هذه المقالة بعضها البعض.
ربما لا يمكن إثبات صحة ادعاء أن تدخل خارجي تسبب في فشل مهمة الصاروخ الإيراني “سيمرغ” في إيصال القمر الصناعي “بيام” إلى المدار المحدد له، لكن تطور البرنامج الصاروخي الإيراني خلال الفترة الأخيرة والمحاولات المكثفة التي يبذلها نظام هذه الدولة في تزويد منظومته الصاروخية بإمكانيات، تُمكنها في النهاية من امتلاك أسلحة دمار شامل، أصبح تهديدًا لا يخفى على أحد في المنطقة، وخطر هذا التهديد يتجاوز المنطقة ليشمل العالم بأسره.
أحد أهم الأسباب وراء القلق الذي يساور دور العالم من برنامج الصواريخ الإيرانية، هو الأسلوب العدائي الهجومي الذي يعد السمة الأولى في تصريحات المسئولين الإيرانيين، والمدى البعيد الذي طالما تركز عليه الصناعات العسكرية الإيرانية في تطوير منظومتها الصاروخية، فلقد وصل مدى الصواريخ إلى أكثر من 2000 كيلومتر، ويمثل هذا المدى جغرافيًا تهديد قوي للعديد من البلدان التي ليست على وافق مع نظام الجمهورية الإيرانية.
ولقد اكتشفت إيران أهمية الصواريخ بالنسبة لها أثناء حربها مع العراق، حيث أجبر التفوق الجوي العراقي حينها القوات الإيرانية على القتال من على بُعد 150 كيلو مترًا. ومن ذلك الحين ويعتبر البرنامج الصاروخي الإيراني من أكثر البرامج التي تحظى بحفاوة المسئولين الإيرانيين سواء السياسيين أم العسكريين، لكن الأمر لم يكن على هذا النحو ولعبت الهندسة العكسية ومحاكاة نماذج الصواريخ التي اشترتها إيران من كوريا الشمالية وروسيا وليبيا في منتصف الحرب، دورًا كبيرًا في وصول إيران إلى مرحلة ما تدعيه الاكتفاء الذاتي. فمنذ تلك اللحظة عملت إيران بدأب على تطوير منظومتها الصاروخية، وحرصت على أن تبقى خارج أي معاهدة تتعلق بحظر انتشار الصواريخ مثل “نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف” MTCR. وعلى الرغم من فرض العقوبات الغربية وحظر الدول من تصدير الصواريخ لها، استمرت إيران في استيراد الصواريخ ومستلزماتها عبر طرق ملتوية. إلا أن ذلك الحظر جعل إيران تُدرك ضعفها إن ظلت معتمدةً على الاستيراد لا التصنيع. فصارت إيران المُحاصرة في أضيق الزوايا بعد العقوبات الاقتصادية والسياسية المتتابعة واعيةً تمامًا بضرورة امتلاك هذا السلاح بأعلى جودة، أكثر دقةً، وأشد فتكًا.
لم تتوقف إيران عن صناعة الصواريخ، لكن المُلفت للانتباه في المنظومة الإيرانية أنّه على الرغم مما تتباهى به تصريحات العسكريين الإيرانيين من معلومات حول برنامج الصواريخ الإيرانية، وما تكشف عنه وسائل الإعلام الدولية، إلا أن تلك المنظومة لا زال يحيطها هالة من الإبهام ولا توجد إحصائيات مؤكدة حول القدرة الإجمالية للبرنامج الصاروخي الإيراني. هذا وتكشف وسائل الإعلام الإيرانية التابعة للحرس الثوري والمؤسسات العسكرية عن أنواع جديدة من الصواريخ، أو تحديث صواريخ أخرى قديمة الصنع، الأمر الذي جعل البرنامج الصاروخي الإيراني يكاد يصبح أشد خطرًا على العالم من السلاح النووي، فلو استطاعت الدول الغربية منع الجمهورية الإيرانية من حيازة أسلحة نووية. فهي الآن تمتلك منظومة صواريخ فتاكة ولهذا السبب لا توافق إيران أبدًا على خوض مفاوضات حول تلك القوة الصاروخية.
المصادر:
موقع Missile Defense Advocacy، https://goo.gl/sTVYC8
وكالة خبر اونلاين، https://goo.gl/q9Hj8o
قناة سكاي نيوز عربية، https://goo.gl/g92sWw
الموقع الرسمي لمنظمة الفضاء الإيرانية، https://goo.gl/4YkyKY
موقع إيران إنترناشونال، https://goo.gl/qq4FFC
موقع راديو فردا، https://goo.gl/po5s6h
موقع دويتش فيلا، http://cutt.us/Tdy4t
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات