لم ترى عيناه النور سوى خمسة سنوات، آخر ما عزف في إذنه صوت أمه التي قالت ( اللهم صل على محمد وآل محمد) تلتها تكبيرة من وجهٍ غاب عنه النور، وطغى عليه الظلام، ثم نُحِرَ من القفى، بزجاج أحدى محلات المدينة المنورة.. هكذا ذبحوا الطفل زكريا.
أخذت أتمعن في أم زكريا و القاتل، شتان ما بينهما، كانت عبارة عن قارورةِ نورٍ تبكي لفقيدها، كأنها غيمة تمطرُ حزنا على زهرة.. ذبحها كلبٌ أعور، وجهه أشبه بخنزيرٍ أجرب، أما المجرم فقد كان يرتدي (دشداشة) بيضاء رثة، ترتفع عن قدماه شبرا، حتى لا تتلوث بدم الطفل الطاهر(هذا ما رسخ في عقله الباطن، من خطب الكفر و التشدد, إن كان يملك عقلا حقا..) و تجاعيد الشر تملئ وجهه الجاحد، و يده ذات التشققات ترتجف، لأنه تيقن حينها، أنه قد أراق دم الإنسانية على جوانب الحياة.
ما فعله هذا المجرم لم يتطلب قلب حيوانٍ مفترس، و إنما إحتاج إلى دماغ أعيدت صياغته، بخطاباتٍ متشددة حادة اللهجة، تتوعد مخالفيها بنار اللظى و عذابٍ خالد، و ترغّب تابعيها بجنة مليئةٍ بالنساء والخمر والأكل، فدينهم يرسوا على رؤوس الأطفال والأبرياء، ويبحر في محيط الدماء.
هنا تتوقف الأفكار، وتكسر رؤوس الأقلام وتحرق الأوراق، لعظمة ماحل بالبشريةِ من إجرام، فلا نظام يحكم سوى المال، ولا يسمع سوى منطق الرصاص، لكن الغريب كيف يتم تصديق هكذا شعارات؟
هذا الكون العجيب يتكون من نسيج بشري مختلف، فيه الموهوبين والأذكياء وآخرين متدني الذكاء، والطامة الكبرى في بلادنا نحن العرب، حيث أن غالبيتهم من النوع الأخير.. من الذين جل همهم بطونهم كيف يملئونها، وفروجهم كيف يرضونها.
يصبح معقولا عندها, أن تجد منشورا على أحد مواقع التواصل الإجتماعي، يقول إضغط الرقم ثمانية، لتختفي ملابس الفتاة ويظهر صدرها! يحصد أكثر من خمسة مليون تعليق، هكذا هو الكم الهائل من السذج في المجتمع العربي، فكيف لا يصدقون أن قتل الناس، لا يدخلهم جنة الحوريات؟!
تملكني الفضول في الإستماع إلى خطبة أحد هؤلاء، لأعرف كيف يقنع هذهِ الجموع بالولاء له، والإستماتة من أجل “دينهم الكاذب” ومن خلال الخطاب الملمع بكلمات إلهية ونبوية، من تأليف كبيرهم المحتال، تبيّن أن الخطاب المقدس هو السر، فهو يخلق آيدلوجيا مقدسة في عقولهم، تفسر سر هيمنة الخلفاء وإنحناء الفقراء.
لم يكن مريضا نفسيا أبدا، وماهي إلا كذبة سخيفة، يسترون بها عورتهم التي تجلت للعالم أجمع، والحل الوحيد لإحياء الإنسانية فيهم، هو عزل كافة المتشددين دينيا، وحرق كل خطاباتهم المؤدلجة، وتهديم دينهم على رؤس ملوكهم، لكي تستقيم الأنسانية.