قصة قصيرة
صديقتى الصغيرة تهوى القصص وتكتبها، مرة كتبت قصة عن أمها، أُعجب النقاد بها كثيرا، وأدخلت السعادة فى قلوب قرائها، وحسدها على ما نالت أصدقاؤها الأدباء.. لكن هذا آلمها كثيرا فى الحقيقة، فهى تعلم أن أمها حزينة جدا، متألمة جدا، كسيرة القلب منذ زمن.. فقد زوجوها ولم تغادرها الطفولة بعد، فحزنت لتركها عروستها وحيدة فى بيت أمها، وحكت لصديقتى الصغيرة أنها حتى الآن مازالت تحلم بنظرات الحزن فى عينى عروستها وهى تهم بالمغادرة تاركة لها سريرها باردا بلا صديق، وأنها قضت أيامها الأولى فى بيت عُرسها تبكى هذا الفراق الذى تكرر كثيرا فى حياتها فيما بعد، فقد حملت فى عشرة من البنين والبنات دفنتهم جميعهم فى أعمار مختلفة، لم يبق لها منهم إلا صديقتى الصغيرة، لذلك كانت تخشى عليها برد الشتاء وحر الصيف، لكنها لم تستطع أن تقنع صديقتى الصغيرة بأن تظل عمرها تحت المظلة، فصديقتى بطبعها متمردة، عكس أمها التى نجح الزمان بقسوته فى ترويضها لتبقى عمرها حبيسة الدار، لذلك فأم صديقتى عكس كل الأمهات -التى لا تملك من حطام الدنيا سوى طفلة وحيدة- لا تدللها كثيرا، تعاتبها وتلومها كثيرا.. عن حبٍ نعم، لكن ذلك ترك فى قلب صديقتى الصغيرة ندبة تنز منها الدماء كلما سمعت كلمات أمها أو لمحت حزنها.. لذلك لا تجد فى نهاية يومها إلا كلمة واحدة تقولها دائما لأمها حينما يفترقان للذهاب إلى السرير.. “تصبحين على حلم يا أمى”.. لعلها تهرب خلاله من حزنها.. وهى لا تدرك أن هذا يزيد من عذاب الأم، فحزن عروستها يطرد من أحلامها السعادة دائما..