نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
أريد هنا تناول الإعجاز القرآني بمعناه الكلاسيكي، لا بالمعاني المستحدثة منذ القرن العشرين [في حدود اطلاعي]. سأتناول الموضوع باختصار، لعدم توفر الوقت لإجراء دراسة تفصيلية شاملة. وسأورد بعض نصوص التحدي أو (الإعجاز) من القرآن:
البقرة 23 – 24:
«وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مِّمّا نَزَّلنا عَلى عَبدِنا فَأتوا بِسورَةٍ مِّن مِّثلِهِ وَادعوا شُهَداءَكُم مِّن دونِ اللهِ إِن كُنتُم صادِقينَ. فَإِن لَّم تَفعَلوا، وَلَن تَفعَلوا، فَاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقودُهَا النّاسُ وَالحجارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ.»
هود 11 – 12:
«أَم يَقولونَ افتَراهُ، قُل فَأتوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِّثلِهِ مُفتَرَياتٍ وَّادعوا مَنِ استَطَعتُم مِّن دونِ اللهِ إِن كُنتُم صادِقينَ، فَإِن لَّم يَستَجيبوا لَكُم فَاعلَموا أَنَّما أُنزِلِ بِعِلمِ اللهِ وَأَن لّا إِلاهَ إِلّا هُوَ، فَهَل أَنتُم مُّسلِمونَ.»
يونس 38 – 39:
«أَم يَقولونَ افتَراهُ، قُل فَأتوا بِسورَةٍ مِّثلِهِ، وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِّن دونِ اللهِ إِن كُنتُم صادِقينَ، بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ وَلَمّا يَأتِهِم تَأويلُهُ، كَذالِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم، فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمينَ.»
هود 13 – 14:
«أَم يَقولونَ افتَراهُ، قُل فَأتوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِّثلِهِ مُفتَرَياتٍ، وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِّن دونِ اللهِ إِن كُنتُم صادِقينَ، فَإِن لَّم يَستَجيبوا لَكُم، فَاعلَموا أَنَّما أُنزِلَ بِعِلمِ اللهِ، وَأَن لّا إِلاهَ إِلّا هُوَ، فَهَل أَنتُم مُّسلِمونَ.»
هناك تكرار للطلب التعجيزي، أو هكذا يظن المؤمنون بإلهية القرآن، ألا هو الإتيان بمثل القرآن، ولو بمثل جزء منه. فنحن نقرأ «فَأتوأ بِسورَةٍ مِّن مِّثلِهِ»، و«فَأتوا بِعَشرِ سورٍ مِّثلِهِ مُفتَرَياتٍ». ثم يتوعد القرآن المخاطَبين المتوجِّه إليهم الإعجاز (التحدي) في حال عجزهم بالقول: «فَإِن لَّم تَفعَلوا»، ثم يجزم بعجزهم بقوله: «وَلَن تَفعَلوا»، ثم يتوعدهم بالنار بقوله: «فَاتَّقُوا النّارَ التي وَقودُهَا النّاسُ وَالحجارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ»، أو يَعدّ عدم استجابة المخاطَبين بالإتيان بمثله دليلا على صدق دعوى إلهية القرآن، بقوله مخاطبا المسلمين: «فَإِن لَّم يَستَجيبوا لَكُم، فَاعلَموا أَنَّما أُنزِلَ بِعِلمِ اللهِ، وَأَن لّا إِلاهَ إِلّا هُوَ، فَهَل أَنتُم مُّسلِمونَ». أقول إن المطالبة بالإتيان بمثل القرآن مطالبة لا معنى لها، ولا تعبر البتة عن إعجاز، ولا تمثل دليلا على أن مؤلف هذا الكتاب الموسوم بالقرآن هو الله، تعالى عن ذلك حقَّ التعالي، وتنزّه تمام التنزُّه. فلكل أديب، ولكل شاعر، ولكل كاتب، ولكل مفكر، طريقته الخاصة في التعبير، ولاسيما الاستثنائيون والمبدعون والمجددون، فهم يتميزون عن غيرهم بأسلوب خاص بهم، وبثمة جمالية بلاغية، أو دقة في التعبير، أو تألق في الحكمة، أو بأفكار لم يسبقهم إليها أحد. ولو كان عجز الآخرين عن الإتيان بمثل ما كتب وما ألف مثل هؤلاء دليلا على كونهم أنبياء، أو ملائكة، أو كائنات خارقة، أو ربما آلهة، لاكتضّ التاريخ الإنساني بالآلهة والأنبياء والكائنات الخارقة. نعم، سيقال إن أولئك الاستثنائيين لم يدعوا النبوة، ولكن يبقى العجز النسبي المدعى عن الإتيان بمثل ما جاء به مؤلف القرآن عاجزا عن أن يكون دليلا على إلهيته. ويلاحظ إن الآية الأخيرة، لم تقل للمسلمين في حال عجز المشككين: «فَاعلَموا أَنَّما أَنزلَهُ اللهُ»، بل: «فَاعلَموا أَنَّما أُنزِلَ بِعِلمِ اللهِ»، ثم هناك فرق بين القول إن شيئا حدث بعلمه، أو إنه حدث بأمره وإرادته.
وسنواصل البحث في الحلقتين القادمتين.