كثيرون هم أعداء ايران بتعدد اسباب هذا العداء، وايران تقاتل على جبهات متعددة ايضا، وهي الان في وضع صعب لا تُحسد عليه. فأعداؤها بدءاً من سيدة العالم – امريكا – مرورا بعبيدها – العرب – وانتهاء بابنة أمريكا الشقية والقوية والمدللة – اسرائيل – والتي لا يعجبها العجب الا بركوع العالم بأسره لها.
ولننظر الان بعين الانصاف والحيادية عن سبب هذا العداء العجيب والغريب لدولة لم تتركها الامبريالية والصهيونية في حالها منذ قيامها عام 1979 والى يومنا هذا! وانا لست في موقع الدفاع عن ايران ولكني ابحث عن الحقيقة التي لابد ان يراها الجميع والتي ترغب بإخفائها جميع الدول التي يجمعها العداء لإيران. فماذا لو تخلت ايران عن دعمها لفلسطين ونضالها ضد الاحتلال الصهيوني؟ وماذا لو تركت لبنان يواجه مصيره لوحده وابتلعته اسرائيل كما ابتلعت فلسطين من قبل؟ وماذا لو حصّنت حدودها بكل ما أوتيت من قوة وتركت العراق لقمة سائغة لداعش ومؤسسيه؟ وماذا لو انسحبت من سوريا وتركتها فريسة للعصابات الاجرامية وتحت مطرقة اسرائيل ولا يُستبعد احتلالها من قبل اسرائيل بحجة الدفاع عن النفس؟ وماذا لو حسَّنت علاقاتها مع أمريكا واسرائيل للحفاظ على مصالحها؟ وماذا لو اعترفت بالكيان الصهيوني كدولة صديقة وعاصمتها القدس؟ وماذا، وماذا .. فهل ستبقى ايران عدوة لجميع هؤلاء المتحالفين ضدها اليوم؟ وهل ستُتَهم براعية الإرهاب، ومؤسِسَةً له أم ستكون من الدول المحاربة له؟ وهل ستكون مهدِدَة للسلم الدولي أم ستكون داعمة له؟ وهل سيُلصق بها تصدير الارهاب الذي لا ينتمي لفكرها جملة وتفصيلا، بل هو من نتاج الفكر الوهابي الذي تتقاطع أيديولوجيته مع فكرها وأيديولوجيتها، وهذه حقيقة لا لبس فيها ويعلمها الجميع لكنهم يتغافلون عنها؟
والان لنستمع الى جملة من الأسئلة التي يرددها الاخرون، وهي لماذا تتدخل ايران في شؤون دول المنطقة كسوريا واليمن والعراق ولبنان وغيرها؟ فلو انها تركت هذه الدول بحالها لما أصبح لها أعداء كثيرون؟ ولولا تدخلها لما تحولت هذه الدول الى ساحات للصراع ودُمِرت بُناها التحتية وضاعت مواردها المادية والبشرية؟ كما انها ليست دولة عربية فما لها وفلسطين وصراعها مع اسرائيل سوى التدخل في شؤون الاخرين؟
وقبل الاجابة عن جميع الاسئلة الانفة الذكر، لا بد ان نقرر ونثبت بأن جميع الدول المعادية لإيران بما فيها ما تسمى بالعظمى، هي دول تخشى عظمة ايران ولم تستطع مواجهتها مطلقا، والدليل على ذلك فإنها – ايران – تعيش على أرضها مع شعبها بأمان وسلام منذ أربعين عاما على أقل تقدير – منذ قيام الثورة الاسلامية فيها – وتلك حدودها معلومة على الخارطة للجميع ولم نرَ دولة من هذه الابواق الفارغة تعرضت لإيران بسوء، بل وانهم مقرّون ومعترفون بجبنهم وعجزهم عن مواجهتها بصورة مباشرة، وكل ما يستطيعون فعله هو محاربة الشعوب التي تدعمها ايران من اجل مساعدتها على التحرر والنهوض وعدم التبعية للإمبريالية والصهيونية العالمية، ولو كان هناك من يدّعي الشجاعة فليُرينا شجاعته ويتعرض لها بسوء ولينظر الردَ بنفسه.
ولنعد الى الاجابة على تساؤلات البعض التي يحاولون من خلالها خلط الاوراق بعضها ببعض، ونقول: هل عداؤكم لإيران بسبب تدخلها بشؤون دول المنطقة؟ حسناً، فلو سحبت ايران نفسها من مساعدة هذه الدول فهل ستصبح دولة حضارية سلمية غير راعية للإرهاب؟ وهل نستطيع في حينها نُعيد الارهاب لجذوره ونشأته واسبابه الى الفكر الوهابي المتطرف الذي أسس جميع التنظيمات الارهابية والذي انبثقت من تحت عباءته، فـ (القاعدة) التي تبنت الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة الامريكية – وان كانت بالتنسيق مع الادارة الامريكية في حينها – ومن ثم فرّخت ابنها اللقيط (داعش) الذي كانت تتباهى به أمريكا بانه لا يمكن القضاء عليه في العراق وسوريا الا بعد أكثر من ثلاثين عاما – ليبتلع المنطقة برمتها – وتحت يافطة الدين الاسلامي، لولا بسالة العراقيين وشهامتهم ووقوف ايران معهم والقضاء على الحلم الامريكي المخطط له منذ عقود.
واليوم عندما نرى العرب يتسابقون للارتماء في أحضان اسرائيل والتفنن بإقامة افضل العلاقات معها ( سرا وعلنا ) وترك فلسطين وراءهم ظهريا، ولم يَعُد أحد يتذكر القدس الا عندما تمر علينا آخر جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام والتي أقرَّتها وأثبتتها ايران لتبقى غُصة في حُلقوم الصهاينة ووصمة عار في جباه العرب لتركهم قضيتهم المركزية فلسطين أولا، ولعدائهم لمن يدافع عنها ثانيا، ولحرجهم ممن يذكرهم بها بالأفعال والاقوال.