إذا كانت ثمة نقاط تُحسب لصالح السيد العبادي خلال مدة حكمه ، هي الإنتصار على داعش ، وتحرير كركوك من أطماع الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وهو بالمناسبة أبعد ما يكون عن الديمقراطية ، أسوة بكل دولة تحمل كلمة (ديمقراطية) كجزء من تسمية ذلك البلد ، وهي عادة دول دكتاتورية تعتمد نظام البوليس السري والقمع وتصفية المعارضين وخنق الحريات ، فكلنا يعلم ماذا كانت تعني ألمانيا الديمقراطية ، وليبيا الديمقراطية وكوريا الشمالية الديمقراطية ، والكونغو الديمقراطية ! ، بل تحول هذا الحزب من سيطرة البارزانيين إلى حكم العائلة المطلق .
كنت قد زرت كركوك في أيلول / سبتمبر من العام 2017 ، وقبيل الإستفتاء بأيام قلائل ، وحقيقة فقد يأست تماما من هذه المحافظة ، نظرا للتغيير الديموغرافي الهائل ، والذي إستمر لسنوات طويلة ، تحت نظر الحكومة المركزية دون أدنى رد فعل ، حتى مُحيت منها معالمها العربية أوالتركمانية بالكامل ، ولم أشاهد سوى أعلام كردستان بالآلاف وصور السياسيين الأكراد ، وحتى واجهات المحال كُتبت باللغة الكردية ، وبالقرب من مركز كركوك بإتجاه (التون كوبري) ، ثمة تمثال هائل لشخص من (البيش مرگة) ، يحمل بندقية (كلاشينكوف نص أخمص) على كتفه على أسلوب (رامبو) ، ولا أدري مَن المُستهدف من هذا التهديد ! ، ووقف العالم الحر كله ضد هذا الإستفتاء ، اللهم إلا (إسرائيل) ، الصديقة الوفية لهذه العائلة ، وهذه وحدها تعتبر وصمة وتآمر على وحدة البلد ، ومع كل التصرفات المخزية لمسعود البرزاني ، منها سرقة النفط وبيعه دون اللجوء للمركز ، وفي ذلك جرائم إقتصادية كبرى ، مع إستخدامه لمفردة (المناطق المتنازع عليها) القبيحة جدا والتآمرية ، والتصرف بمسروقات الجيش السابق ، والإهانة الممنهجة للجيش المنسحب والإستيلاء على أسلحته بعد سيطرة داعش على الموصل ، وهي خطوة كانت ينتظرها (وربما سعى لها) السيد مسعود ، ليعلن إنتفاء الحاجة للمادة 140 من الدستور ، عدا حوادث كثيرة عن إرسال الحوامل وهن على وشك الولادة من أربيل إلى كركوك بسيارات الإسعاف ومنذ تسعينيات القرن الماضي ، كي يتم تسجيل المولود في كركوك ! ، خطوة لا تخطر على بال حتى الشيطان ! ، وغيرها من الجرائم الكبرى العديدة التي ترتقي لعدة خيانات العظمى ! .
ونجح السيد العبادي على الأقل (بتحييد) هذه المحافظة من قبل الجيش والحشد ، ووضع حدا لأطماع مسعود وحزبه وتنفسنا الصعداء ، لكن صرنا نسمع مؤخرا عن محاولات للسيطرة على (سنجار) ، لكن الضربة الموجعة ، هي سماح السيد رئيس الوزراء بإنتشار قوات (البيش مرگة) لهذه المحافظة ، وكأنه لا يعلم بتبعات هذا التصرف ، وهو يعود بنا إلى منطقة الصفر ! ، ولكن لينظر السيد رئيس الوزراء إلى ما آلَ إليه مصير الإنفصاليين في (كاتالونيا) الإسبانية ، الذين نظموا إستفتاءً على الإنفصال في نفس وقت إستفتاء مسعود تقريبا ، تسعة منهم محكومون بالحبس 20 عام ، ولا زال رئيس الإقليم لاجئا في (بروكسل) ، وهو محكوم غيابيا ، مع العلم أن الكاتالونيين لم يرتكبوا جرائم كبرى بحق البلد الأم كنظرائهم في كردستان ! ، لكن لا يزال (مسعود) ، يأتي إلى بغداد ليُستَقبَل بالاحضان وهو يسير على سجّادة حمراء ! . الدّنيا قُلِبَتْ ، وكل شيء في هذا البلد يسير بالمعكوس ، فلا بُدّ أن ديمقراطيتنا المضحكة المُبكية ، أفضل من ديمقراطية إسبانيا ! .