البقرة 30:
وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلاَئِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُّفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قالَ إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ.
ثم نقرأ النص على النحو الآتي:
وَإِذ قالَتِ المَلاَئِكَةُ [على فرض وجودهم] لِرَبِّهِم لِمَ لا تُنزِلُ لِلنّاسِ ديناً، قالَ أَأُنزِلُ إليهم مَا يُفسِدونَ بِهِ فِي الأَرضِ وَيَسفِكونَ بِهِ الدِّماءَ، وَمِنَ النّاسِ مَن يُسَبِّحُ بِحَمدِي وَيُقَدِّسُ لي مِن غَيرِ دينٍ، أَو يُسَبِّحُ بِمُثُلي حَتّى لَو لَم يُؤمِن بي، إِنّي أَعلَمُ ما تَعلَمونَ، قالوا لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحكيمُ.
وهنا أذكر أنه قد صدر لي كتاب عام 2007 اخترت له (لا لِدينٍ «يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدّماء») عنوانا.
فبلا شك كانت الأديان في أكثر مقاطع تاريخها عاملا للإفساد في الأرض، ومن أمثلة الإفساد بث الكراهة والعداوات بين الناس بسبب اختلافهم في الدين، وأحيانا بسبب اختلافهم في الصور المتعددة لفهم نفس الدين بين أتباعه أنفسهم، ومن أمثلة الإفساد في الأرض قمع الحريات والتضييق عليهم في حياتهم الخاصة مما لا أثر له على الآخرين، ومن الإفساد في الأرض إجبار الناس على أداء طقوس ومراسيم وعبادات غير مقتنعين بها، ومن الإفساد في الأرض اضطهاد المرأة واحتقار الأقليات التي تنتمي إلى غير دين الأكثرية وانتهاك الطفولة، ثم أعلى مراتب الإفساد في الأرض هو سفك الدماء، التي تشير إليه الآية. وكأني بالقرآن يعترف بأن الأديان كانت عامل بث اختلاف والعداوات بين الناس، عندما يقول: «كانَ النّاسُ أُمَّةً وّاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ النّاسِ فيمَا اختَلَفوا فيهِ وَمَا اختَلَفَ فيهِ إِلَّا الَّذينَ أوتوهُ مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّناتُ بَغيًا بَينَهُم فَهَدَى اللهُ الَّذينَ آمَنوا لِمَا اختَلَفوا فيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِهِ وَاللهُ يَهدي مَن يَّشاءُ إِلى صِراطٍ مُّستَقيمٍ»، مرجئا تناول هذه الآية بالتحليل والتفصيل وإثارة الإشكالات ومواطن التعارض إلى وقت آخر.