كان انفجار بوسطن حدثا مفاجئا للعالم كله.. تصدر النشرات الاخبارية والصحف في كل مكان تقريبا. ولم يمض على الانفجار ساعات حتى ظهر الرئيس الامريكي أوباما ليتحدث الى شعبه أمام وسائل الاعلام. ومن شاهد خطاب اوباما الاول، لاحظ بالطبع انه لم يلقي اللوم على أحد، بل أدان الارهاب الذي روّع المشاركين العزل في سباق الماراثون، رغم ان اوباما وكل من وراءه من ساسة أميركا، وفي مناسبات عديدة اعتادوا اتهام القاعدة والدول التي تقوم بدعمها والمتشددين وغيرهم بالارهاب. لكن أوباما الذي كسا وجهه الحزن وطغت على ملامحه الجدية، لم يهدد أو يتوعد، بل قدم تعازيه الى اهالي الضحايا واكتفى بالتعبير عن بشاعة الارهاب وعبر عن ادانته ورفضه وأكد سعي حكومته للقبض على الجناة، و(نفذ وعده في أقل من اسبوع). أما ماجذب انتباهي الى الرئيس الامريكي، فهو ملامح اخرى حاول اوباما اخفاءها بصرامته وجديته، فالانسان يمكن أن يتظاهر بالحزن، خصوصا السياسيين الذي تعودوا ارتداء الاقنعة حسب المناسبات، لكن لايمكن اخفاء ملامح الخجل بسهولة، فهي تطفو في لحظة ضعف قد لايشعر بها الانسان، فلا يمكنه تزويقها أو تداركها. فهل كنت واهمة أم خيل الي مالاحظته من ارتباك اوباما ونظراته التي تتراقص هربا من التركيز على نقطة محددة؟ لست من معجبي اوباما ولن أدعي معرفتي بسايكولوجية الرجل او نواياه، لكن من يتابع أخبار هذا العالم المسمى ب(الغربي) سيفهم تماما ماأعنيه، فأي مسؤول في تلك الدول يعتبر نفسه مسؤولا حقا –ليس بالاسم والامتيازات- وانما بتحمله لأمانة أرواح المواطنين الذين منحوه أصواتهم، بل وحتى احتياجاتهم وهمومهم وكل مايتعلق بحياتهم لذا يشعر بالخجل من أن يتسبب لهم بخيبة أمل.
قتل في انفجار بوسطن ثلاثة أشخاص وجرح أو اصيب مايقارب 170 شخص، كما ذكرت وسائل الاعلام، وقتل في أحداث الحويجة 120 شخص وجرح العشرات، وقتل في نفس اليوم والذي يليه في الرمادي وديالى والموصل والنجف عشرات. وصار من الطبيعي ان يطل علينا رئيس الوزراء بنبرة لاتختلف عن سابقاتها.. تهديد ووعيد واتهام لفلول البعث والقاعدة، وفي كل مرة تزداد نبرته قسوة وحدة وكأننا سنشهر السلاح لدحر الارهاب. وعوضا عن التعبير عن الأسف او الاعتذار او الخجل، يجد رئيس الوزراء واعضاء حكومته والبرلمان في المذابح الجماعية للشعب فرصة لتسقيط بعضهم وتبادل الاتهامات والمطالبة بمكاسب خاصة، ولسان حالهم يترجم خطاباتهم الى: الميت الله وياه.. المهم احنه نعيش ونحكم.. وفدوه ياعراقيين تروحون لجيوب ساستكم وكراسيهم.
وعادة يبدأ الخطاب أو ينتهي بتقديم التعازي الى أهالي الضحايا واطلاق الوعود بتعويضهم رغم ان معظم من سبقهم من شهداء الارهاب لم يتسلم اهاليهم التعويضات حتى الآن، أما من تسلمها منهم فقد تبعثرت كرامته على ابواب دوائر المحافظات لسنوات.
كلنا بات يعلم ان الارهاب لن ينتهي بتهديد أو وعيد، ففي بداية الامر، أي في العام 2005 تقريبا، كان معظم مقاتليه من العرب والاجانب الذين جاوؤا بحثا عن الجهاد ، لكن هؤلاء رحلوا اما الى احضان الرسول وطمعا في مائدته أو الى بلدان اخرى، بعد ان زرعوا جنينا في رحم (بنت البيت) فأنجبت افرادا وقبائل من القاعديين والحامضيين من كل الاطراف، فأصبح عدونا (منّا وبينا). فماذا سيكون رد فعل أوباما لو ظهر بأن منفذي التفجيرات هم من الاميركان وليسوا شيشانا مهاجرين؟ هل سيغوص في بدلته الانيقة خجلا، أم يعتكف في غرفة نومه طالبا من ميتشيل أن (تكابله) لطما على الخدود؟ وقد يهرع الى مكتبه فورا لكتابة استقالته قبل ان يتعرض الى مساءلة مجلس الشيوخ وكل المجالس المركزية والمحلية.
في صغري، كانت جدتي تكرر دوما: الخجل قطرة تنور الجبين اذا وكعت ينغسل البشر ويسوي ويضيع المستحى. ورغم ان اوباما داكن البشرة، الا ان تلك القطرة كانت تضئ جبينه، ومن الغريب ان حكومتنا تربت في احضانه ولم تتعلم منه ذلك؟؟