19 ديسمبر، 2024 9:05 ص

نصي حقي (2).. سلطة المال هي ما تتحكم في عالم النشر

نصي حقي (2).. سلطة المال هي ما تتحكم في عالم النشر

 

خاص: إعداد- سماح عادل

في الحلقة الثانية من الملف الذي نتناول فيه حق الكاتب، ماديا ومعنويا والذي لا تعترف به بعض دور النشر في المنطقة، يتواصل حكي الكتاب عن تجاربهم مع النشر الورقي، وكيفية تعامل دور النشر معهم.

تجربة مره..

يقول الكاتب والصحافي السوداني “فايز الشيخ السليك” ل”كتابات”: “صدرت لي أربع مؤلفات، كتاب سياسي باسم (الزلزال.. العقل السوداني.. ذاكرة مثقوبة وتفكير مضطرب).. وثلاث روايات هي  (مراكب الخوف، أنا والرئيس).. (أسرار المرايا وجنون الياسمين) ورواية (ديجافو).. لي تجربة خاصة في الطبعة الأولى لرواية (مراكب الخوف) طبعتها على حسابي الخاص، وكانت تجربة مره في عملية التوزيع، وبالطبع التحصيل.. ثم تعاونت مع دارين للنشر في طباعة ما تبقى، وإعادة طباعة (مراكب الخوف) وكتاب (الزلزال).. نعم أبرمت عقداً في الكتاب الأول، وأخذت نسبة من الكتب وفقاً للعقد، ثم أخذت مقابل استحقاقات المال كتباً أخرى.. ولكن ذات الدار.. أعادت طباعة الكتاب المعني، مع كتابين آخرين، ولم أتحصل على أية نسبة سوى نسبة الكتب”.

ويواصل حول مطالبته بحقوقه: “شخصياً أكره المطالبة بالمال، وبعد عامين، اتصلت بالناشر، وزرته في مكتبه، وطلبت منه أرقام التوزيع فأرسلها بالفعل وكانت نسبة التوزيع تقريباً ١٠٠٪.. ووجدته وضع لي نسبة أقل من تلك التي اتفقنا عليها في الكتاب الأول، وحتى هذه لم استلم منها ولا جنيها.. ثم خاطبته، فكان يعتذر ويبرر بأنه في ضائقة مالية، وكل ما تحدثنا كان يكرر ذات السيمفونية، أكثر من أربعة أعوام لم أتلق منه سوى مجرد اعتذار، هذا الأمر جعلني متردداً في عملية النشر، فلي روايتين جاهزتين من أكثر من ثلاث سنوات لكنني لم أتحمس لنشرهما، أفكر أحياناً في وضعهما بي دي اف، على صفحتي الخاصة ليقرأها من يريد طالما أصلاً لا أجد مقابلاً ماليا”..

سلطة المال..

ويقول الشاعر المصري السعدني السلاموني عن تجربته مع النشر الورقي: “كانت منذ عشرين عاما في (مركز الحضارة العربية) وكان الديوان الثاني الذي حمل عنوان (تصبح على خير) بعد ديواني الأول (رغاوي الألم)، وكانت تجربة ثرية جدا لأن المركز كان يشارك في تقديم شاعر جديد، والتجربة الثانية كانت مع ديواني الرابع (أول شاعر ع شمال)، وبعد التجربة الثماني عشر اكتشفت أنني أمام مجموعة من التكتلات المصرية والعربية تسمى دور النشر، خاصة بعد الثورة. فهناك دور نشر ومراكز محترمة تعانى كثيرا من أجل تقديم منتج ثقافي وعلمي وإبداعي محترم مثل “مركز المحروسة” ودار “بدائل” ودار “الكتاب”  و”الياسمين”  و”الأدهم” و”ميرو” لكن معدودة على الأصابع.. وهي دائما ما تغامر حتى تقدم رسالة للمجتمع، أما معظم دور النشر للأسف تجزر كل كاتب حقيقي لأن سلطة المال هي التي تقود. برغم أنها تمول من قبل وزارة الثقافة تحت وهم يسمى “تدعيم النشر” ثم تتغاضى عن حق المؤلف، وترفع سعر الكتاب على القارئ. فكل هذا يدعو لقتل كل علم حقيقي وإبداع حقيقي وثقافة حقيقية، والتي تقود الآن ثقافات بنت السلطة المادية. ودائما ما تكون موجهة. فحين يحاصر كاتب حقيقي فيحاصر على المستوى المصري والعربي للأسف.

ويواصل عن أرباح كتبه: “الحمد لله كل كتبي بيتم توزيعها على أعلى مستوى حتى تنفذ، ولم تتم إعادة الطباعة لظروف سياسية  يعرفها الجميع طبعا. وأنا أشفق على كل الذين غامروا وطبعوا لي لأن هذا كلفهم الكثير والكثير. أما بخصوص نشر كتبي في وزارة الثقافة فتجاوزت السبع كتب، ما بين ديوان ورواية شعرية. من سلاسل كبار الكتاب وتنفذ، وللأسف لم أحصل على أرباح ولم يعاد طباعتها حسب العقد المبرم بيني وبين الوزارة. والعقد ينص على أنه حين ينفذ الكتاب على الوزارة أن تقوم بإعادة الطباعة وهذا لم يحدث”.

وعن التوزيع للكتاب كما هو منصوص عليه في العقد يضيف: “طبعا مع العامة من الكتاب لم يحدث، أما معي بشكل خاص هذا موضوع آخر. ولكن المتعارف عليه أنها تطبع عدة نسخ قليلة لا تتجاوز المئات. وتبلغ الكاتب بأنها طبعت ألف، وهذا غير حقيقي، وبخصوص التوزيع فيكاد أن يكون ميت. توزيع دور النشر وتوزيع وزارة الثقافة أيضا، من هنا يتقهقر دور الكتاب وتحدث قطيعه بينه وبين المتلقى. وأنا كنت محظوظ مع كتبي. من هنا أقمت معرض الكتاب المجاني بالجامعة الأمريكية وانتشرت الفكرة  عالميا، وأعلنت بأنني سوف أقدم دار نشر (كتاب لكل مواطن مجاني) وتخصص للشباب، ولكن للأسف تم حصار فكرة المعرض ولم يسمحوا به مرة ثانية.

التحقيق جزاء المطالبة بالحق..

وعن القوانين التي تحمي ملكية الكاتب الفكرية والمادية في مجتماعتنا يوضح: “هذا أكبر وهم يعيش عليه الكاتب المصري والعربي وهو وهم الملكية الفكرية. من هنا الكاتب الحقيقي يعانى دما. لأن ليس هناك من يحميه ولا يحمى حقوقه الفكرية والإبداعية والعلمية، وما هي إلا أسماء على ورق تصب في صالح  الموظفين وهم المستفيدين من هذا الاسم. وأما بخصوص نقابة اتحاد كتاب مصر حدثي ولا حرج. مع الجلاد ضد المجلود. فليس لها أي دور على الإطلاق، وهذا مخذي. وليس هناك جمعية عمومية تقف وراء حق الكاتب، حالها حال كل المؤسسات ودور النشر. ولك أن تتخيلي حين خرجت من عملية القلب المفتوح طلبت من رئيس الاتحاد معاشي وهذا حقي، لكنه حولني للتحقيق، وعلى مدى التاريخ لم يحدث أن كاتب قام بتحويل كاتب للتحقيق إلا في هذا الزمن، لأنه للآسف زمن مهيييييييييييين، النشر بشكل عام هو كارثة الكوارث. وأنا بعد كل هذا التاريخ لم أجد مكان انشر فيه في مصر ولا الوطن العربي، ومنذ خمس سنوات أبحث عن ناشر رسمي أو غير رسمي ولا أجد، مثلى مثل كل الشرفاء في هذا البلد الشريف، فالكاتب لم يجد له لا منبر ولا مكان والكل محاصر.. و أمنية حياتي أن أقدم دار النشر المجاني للشباب حتى أنقذ هذه الأجيال من أنياب هؤلاء القتلة”.

وعن أمنياته بخصوص النشر يقول: “أتمنى بل هو حلم حياتي أن ينجح مشروع كتاب لكل مواطن، ومعرض الكتاب المجاني، وأقدم فيه أول دار نشر بهذا الاسم (دار نشر كتاب لكل مواطن مجاني) واخصصها للأجيال الجديدة والذي ينشر فيها يكون كاتب شاب والذي يديرها هو شاب أيضا، وهذا هو حلم حياتي”.

لا توجد ضوابط..

ويقول الروائي والصحافي المصري “صلاح مطر”: “نشرت رواية “الجسر الأزرق” طبعة ثانية بدار نشر خاصة بالقاهرة سنة ٢٠١٢، ودفعت كامل تكاليف الطباعة واتفقنا على نسبة معينة وتم إرسال العقد بالبريد الإلكتروني حيث كنت مسافرا للعمل بالخارج، والرواية الثانية “الجراد الأبيض وثلاث مومياوات أعلى النهر” حيث أردت عام ٢٠١٦ تجربة حظي مع دار نشر أخرى، ولكن لم تكن أفضل من الأولى، فقد دفعت تكاليف الطباعة كاملة أيضا وكل ما حصلت عليه في التجربتين هو نسخ (مجانية)..  إلى الآن لم أحصل على جنيه واحد، وكلما طالبت بحقي قالوا النسخ كما هي وطبعا لا يوجد كشف حساب للمبيعات ولا يحزنون”.

وعن التوزيع يستطرد: “بالنسبة للتوزيع لا يتركون معرضا إلا ويشاركون فيه ثم يدعون الفقر والخسارة دائما، والكاتب هو آخر من يعلم، وكشف حساب المبيعات هذا ليس في حسبان أي دار نشر وغير معمول به أصلا، وليست له ضوابط حقيقية تردع أصحاب الضمائر الخربة من الناشرين”.

وعن الكاتب يقول: “الكاتب يا سيدتي هو (آخر الرجال المحترمين) كما كتبت ذلك بالعنوان نفسه في مقالة نشرت من قبل، فلا قوانين تحميه، وأرى أنه يجب أخذ موافقة الكاتب كتابيا وتحتفظ المطبعة بنسخة منها لأن الناشر يجرب حظه مع أي نص جديد، وغالبا ما يكون على حساب الكاتب المسكين المخدوع، فيطبع ٥٠٠ أو ألف نسخة بحد أقصى فإذا حققت مبيعات جيدة طبع عشرات الطبعات غيرها، دون علم الكاتب ويوزعها على أنها الطبعة الأولى”.

وبالنسبة للحماية القانونية يضيف: “قوانين على الورق ولو لجأ للمحكمة فلن يستطيع إثبات أن دار النشر طبعت ١٠ آلاف نسخة مثلا بدلا من الألف التي تم الاتفاق عليها، لا توجد آلية رقابية، لا توجد رقابة بالمرة، إن الجو العام للنشر في مصر يجعل الكاتب يكره اليوم الذي فكر فيه أن يكتب،إن اتحاد الناشرين المصري والاتحاد العربي منظمات وهمية تتستر على أعضائها أو تتغافل على الأقل عن جرائمهم في حق الكتاب”.

وعن أحوال النشر في أيام نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس والكتاب العظام وهل اختلفت يقول: “من ناحية الكم هناك طفرة كبيرة ولكن قديما كان قانون العيب هو الذي يحكم، أما الآن فلا ضمير ولا رقيب خارجي”.

 

حملات للتوعية والضغط..

وعن تجربته مع النشر يقول الكاتب المصري “فتحي محمد”: “تجربتى مع النشر الورقي كانت جيدة وسيئة في نفس الوقت, الكاتب يكون سعيدا بالتحول من العالم الافتراضي إلى عالم الكتب التي طالما عشقها، ولكن تبقى المعضلة الكبرى في سقف التوقعات والأحلام التي لا تنتهي ومقدار ما تحصل عليه فعلا في الواقع.. لقد حصلت على أرباحي نعم، و لكن لم تقم الدار بخطة التوزيع لأنه لم يكن العقد ينص على خطة معينة, فلم يقوموا بالتوزيع مطلقا إلا بعد فترة كبيرة من الزمن، ولم تكن لدى خطة توزيع أنا أيضا.. لم أحصل على كشف مفصل, فقط الرقم النهائي وصدقتهم لأنني بطبعي أثق في الناس ولا أفترض سوء النية، وأيضا لانشغالي الذي حال بين أن أكون متفرغا لكي أتفحص معلوماتهم بدقة”.

ويضيف: “لا توجد قوانين تحمى حقوق الملكية الفكرية والمادية في مصر لأنه ببساطة لا توجد قوانين في مصر, نحن دولة بلا قانون وبلا مؤسسات حقيقية، أعرف الكثير من الكتاب، منهم من عانى بحق ولم يحصل على أموال، ومنهم من دفع أموال حتى يتم النشر له ولم يحصل على أرباح، ومنهم من تأخرت كتبه عن موعد الإصدار المنصوص عليه، ومنهم من غالت الدار في تقدير ثمن كتابهم فلم يشتريه أحد.. أظن أن الجميع سيظل يعانى مع دور النشر لأنه للأسف الكاتب الصغير في السن ليس لدية الخبرة وكذلك من لديه الخبرة أيقن أنه لا أمل.. لأنه ببساطة ليس لدينا كتاب يقفون بالمرصاد بكل أقلامهم وفكرهم تجاه هذا التيار الرأسمالي الذي اجتاح مجال النشر, وأظن أنه علينا إطلاق حملات توعية لصغار الكتاب من أجل تلك البنود الإدارية في العقود، وكيفية استرداد الحقوق, والضغط على اتحاد الكتاب المصري للتحرك بمشاريع قانون تحمي المثقفين”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة