اذا صرفنا النظر عن الخطاب الامريكي في الاعلام والسياسة وما يتصل بالاثنين، ونظرنا بعقل ثاقب بعيدا عن رياء ما يحمله الخطاب الامريكي المعولم عن حقوق الانسان والحرية والديمقراطية، ونظرنا الى منتجات السياسة اي نتائج افعال امريكا في العالم ومنذ ان تبؤات لها مركزا مؤثرا وفعالا تحت شمس كرة الارضية وفي اي مكان تشرق فيه شموس الحرية الحقة؛ نلاحظ وبوضوح انها تنشر الظلام في اي مكان تنشر الشمس انوارها فيه، بحزمة كثيفة تحجب الاضواء عن الكائنات الانسانية وغيرها من كائنات الوجود، في المكان المستهدف. في حدود مانعلم لاتوجد دولة في العالم الثالث، منذ عصر امبراطوريات الموز في امريكا اللاتينية والى الآن، اي منذ اخذت امريكا في التدخل في شؤون الدول وتغير الانظمة مثلما تريد، سواء مخابراتيا او بالغزو والاحتلال، حضي شعبها بالامن والامان والحرية الحقة، والتطور والتنمية المستقلان، من دون ان يكون لإمريكا حصة الاسد فيهما، اي الافتقار الى الاستقلال الاقتصادي، هذا ان وجد، وبالنتيجة الاستقلال السياسي وجعل عيون السيادة حولاء، فيهما الكثير من الصديد ( اليابان ليست من العالم الثالث سواء في السابق، قديما والى الآن..). الكثير والكثير جدا من الدول التى تدخلت فيها امريكا بحجة الحرية وحق الانسان فيها وفي الحياة؛ تعرض شعبها الى التمزق وضاع منه او ان امريكا ضيعت منه طريق التطور والانسجام المجتمعي وزرعت فيه جميع عوامل الفتنة والتناحر وولت عليه من لا يرحم ولايعرف للحق طريق، وهنا لانقصد جميع الدول التى نالها ما نالها من التدخل الامريكي بتغير واقعها السياسي، فهي اي حكوماتها، ما بعد التدخل او الغزو والاحتلال الامريكي، رغم كل شيء، تناصب امريكا العداء الذي يستند الى اسباب ما كتبناه في المقدمة وليس العداء الذي لا يستند إلا على الفراغ. لاتخلوا اي دروة رئاسية لأي ادارة امريكية من دولة او دول تناصبها امريكا العداء وتخطط لتغير نظام هذه الدولة او تلك سواء بالمخابرات المعتمد في التعضيد والشد بلارحمة بل قسوة وحوش الغاب على العقوبات الاقتصادية والحصار والاعلام الممنهج وتجيش الدول السائرة في ركبها في الضغط والمحاصرة والتهميش والعزلة، جتى يبدوا النظام المستهدف وكأنه خارج العصر وما فيه من تطور، بينما الحقيقة هي بخلاف هذا. فنزويلا ونظامها الاشتراكي البوليفاري، وصل الى السلطة سواء، مادورا في الدورة الحالية والتي هي في بدايتها او الدورة التى انقضت او رئاسة شافيز، عبر صناديق الاقتراع ولم يأت عبر الانقلاب او القوة بجميع اشكالها. اوصله الشعب بعد ان ذاق ذرعا بسياسة حكوماته السابقة والموالية لإمريكا. لذا فهو نظام يمتلك الشرعية الكاملة. امريكا حاصرت اقتصاديا ومخباراتيا واعلاميا النظام البوليفاري الاشتراكي من لحظة وجوده والى الان، حتى اوصلت الاقتصاد الفنزويلاوي الى ما وصل اليه من اختناق وشبه انهيار. الأن وفي محاولة لأسقاط النظام والاتيان بنظام موالي لها ويأتمر بما تأمره به، قامت بما قامت به وما سوف تقوم به لاحقا من اجراءات على هذا الطريق. فهي حشدت او سوف تحشد قوات امريكية قوامها حمسة الآف مقاتل في كولومبيا، الدولة الجارة لفنزويلا، كما صرح بهذا جون بولتن؛ قائلا: جميع الخيارات مفتوحة. وهذا في اعتقادنا المتواضع ما هو إلا للتخويف اولا وثانيا وهوالاهم، تحريض الناس بالضد من النظام وشد عزم المواليين لها من معارضي النظام الاشتراكي وليس الاجتياح والغزو كما هي عادتها وديندنها، فهذا بعيد الاحتمال بدرجة كبيرة جدا ان لم نقل محال، لأن الوضع في امريكا يختلف عما كان عليه قبل عقدين، وكذلك الوضع الدولي. لكن ومن الجانب الثاني هناك خطورة كبيرة جدا على النظام الاشتراكي الوجودي بسبب اشتداد وقوة الهجمة عليه في الاقليم الذي هو فيه اي الفضاء الاقليمي الامريكي اللاتيني، لفنزويلا، بالاضافة الى الاختناق الاقتصادي الذي تتعرض له الآن، وقيام امريكا بسد اغلب المنافذ، إلا لصين وروسيا التى اعلنتا معارضتهما لتلك العقوبات، وانهما سوف تستمران في التعامل مع فنزويلا وفي مختلف المجالات. الجيش الذي اعلن مساندته للرئيس المنتخب وحماته للدستور وهذا الموقف، هو الموقف الاهم الذي يشكل الضابط الوازن للاستقرار والنظام وعدم انزلاق الامور الى الهاوية واللاستقرار وبلغة اوضح الى تجنيب فنزويلا، الاحتراب الداخلي. الخطر، هنا في الذي يخص الجيش، هو الانشقاق، وهذا هو الامر الغير بعيد، ليس لجهة القيادات بل لناحية الرتب الصغيرة والمتوسطة، بسبب الحدود المعادية للنظام، وربما بفعل هذا القرب ودرجات الاحتكاك وربما ايضا القاءات الخفية في ظرف مضطرب، ووجود وربما ايضا اخرى، قنوات سرية مخابرتية. نعتقد هذا هو ما تعول عليه امريكا في القادم من الايام. هناك امر اخر مهم جدا، وهو موقف الدولتين العظميين روسيا والصين، خارج موقفيهما في مجلس الامن فهذا امر مفروغ منه وقد صرحا به، صرحا بانهما لن يسمحا بتمرير ما تريد امريكا تمريره في مجلس الامن، وقالا في آن واحد من انهما لن يسمحا بالتدخل في شؤون فنزويلا خارج قرارات مجلس الامن. لكن هذين الموقفان، غير كافيين في خضم الصراع القاسي، والمعني بالقسوة هي القسوة على الشعب الفنزويلا، المبتلى بالجغرافية التى تسهل وتقصر لإمريكا دروب التدخل والتاثير؛ بالتاكيد غير مجديين، على اهميتهما القانونية والاخلاقية، جدية تؤثر في النتائج، الذي يؤثر في النتائج هو العون الاقتصادي وفتح النوافذ لرياح الانعاش الاقتصادي ولو بدرجة تسمح للاقتصاد الفنزويلاوي بالتنفس وكسر طوق الاختناق. في الخلاصة، نقول ان موقف النظام الاشتراكي البوليفاري، صعب وخطير للغاية. وللوضوح ليس المقصود هو الاجتياح، فهو امر بعيد الاحتمال جدا، جدا، الخطورة تاتي من نيران الاختناق الاقتصادي التى تشعلها اعواد الثقاب العسكرية وغيرها وما اليهما..