بعد دخول العراق في عصبة الأمم عام 1932،أصبح عضواً له صوته الدولي الدبلوماسي في العالم،إلا أنَّ تعاقده بحلف مع الحكومة البريطانية عام 1930جعله عضواً قلقَ الانتماء إلى هذه المنظمة الدولية،كما أنّه لم يكن بلداً يتمتع بشخصية دبلوماسية رصينة بين دول المجموعة الدولية تلك، بسبب تقيّده بهذه المعاهدة مع الحكومة البريطانية ، وهي الدولة العظمى ، والإمبراطورية التي لن تغيب الشمس عن مستعمراتها آنذاك . فعلى أيّة حال ؛ تعتبر بريطانيا دولة والعراق دولة على المستوى الدولي في العالم، وهذا ما يجعل للعراق شخصيته الدبلوماسية المستقلة (شكلياً) .. إضافة إلى أسباب غيرها ، كدخول الحكومة العراقية لجانب بريطانيا في الحرب العالمية الثانية عام 1939، مما حدا برجال عراقيين ..أمثال رشيد عالي الكيلاني ويونس السبعاوي وبمساعدة العقداء الأربعة : فهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب وصلاح الدين الصباغ إلى قيادة وتفجير ثورة نيسان1941فأسقطوا حكومة الوصي عبد الإله ونوري سعيد ، إذ ففرَّ الأول إلى الحصن العسكري البريطاني بالحبانية ثم غادر العراق ، واختفى الثاني ، فجُرِحَتْ كرامة ُ بريطانيا، وانقضّتْ على هذه الثورة العربية الوطنية في مهدها ، وحدثت حرب نيسان 1941 بين جيش حكومة الدفاع الوطني والقوات البريطانية ، وانتهت بعودة الوصي ونوري سعيد وإعدام الثوار الخمسة وفرار رشيد عالي الكيلاني حتى وفاته.
والحالة الموجزة هذه ؛ لابد لنا نحن العراقيين أن نعتبر من أحداث التاريخ ، ونستفيد من أخطاء ماضينا،من خلال قراءة محتوى صفحات تاريخنا السياسي المعاصر بتمعن وإدراك دقيقين ، كي لا نقع في الخطأ مرتين !..
العراق اليوم ؛ عراقٌ مرهونٌ بمعاهدة أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد انجلاء الغزو، وإسقاط حكومة صدّام حسين، فليس متوقعاً أبداً أن تنجح أية ثورة، ولن ينجح أيُّ انقلاب على العملية السياسية الحالية القائمة في العراق، والذي يحاول أنْ يجرّب حظـّه، فلن ينال إلاّ الموت المحقق والفشل الذريع .
عليه؛ فليس أمام أيّ سياسي عراقي في الداخل والخارج .. معارض أو موالي، إلاّ الإنضواء حول لواء العملية السياسية القائمة حالياً في العراق !..
صحيح؛ أنَّ معاهدة الصداقة بين الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم لم تنجه من بطش الإرادة البريطانية أو الأمريكية عام 1963، كذلك الزعيم القومي الخالد جمال عبد الناصر في حربه مع إسرائيل عام 1967، وكذلك الرئيس السوري بشار الأسد في حربه مع المعارضة السورية الداخلية والخارجية اليوم، رغم المواقف المشرّفة للحكومة السوفيتية أو حكومة موسكو إزاء كلٍّ منهم أمس واليوم، إلا إنَّ الإرادة الأمريكية في العالم هي الإرادة القاهرة بعد الله وإرادة الجماهير.
الجماهير المتعبة في العراق، بعد حرب الحكومات مع الأكراد،وبعد الحروب القومية مع إسرائيل، وبعد حروب صدّام مع إيران والكويت، وبعد حرب الخليج، وبعد الحرب مع الإرهاب.. وهي حربٌ مستمرة . هكذا جماهير لن تستطيع أن تحقق أيَّ مشروع ٍ جديد يغاير مجرى الواقع العراقي خاصة والواقع العربي عامة ، بعد انهيار العملاق الإشتراكي وتفتت الإتحاد السوفيتي ، وشموخ العملاق الأمريكي لوحده في العالم كلّه .
ونحن نقبل على مرحلة انتخابية جديدة ؛ علينا أن نقف بجدية إزاء ما أسلفت،من خلال الوعي السياسي لطبيعة المتغيرات السياسية في العالم ، بعد انحسار القدرة السوفيتية والمنظومة الدولية وانزوائها ، وضعف قدرتها على دعم الجماهير المناضلة من أجل التحرر والاستقلال الناجزين في أوطانهم. سيّما وأنَّ الإدارة الأمريكية لم تبع مجاناً دعمها للحكومات والشعوب والأحزاب والمعارضين، وإنَّ الاقتناع بخرافة الدعم الأمريكي المجاني لها ، لا يعني إلاّ السذاجة بكل تأكيد،فقد أعلنت الاستخبارات الأمريكية بأنّها تمدُّ أحزاباً إسلامية ً أحدثت تغييرات في أنظمة بلدانها (والعهدة على الإعلام) .
لقد قامت ثورة مايس41في العراق ، وهي لم تكن ثورة شعبية عارمة، وإنّما هي ثورة تشبه الانقلاب العسكري، الذي تحوّل إلى ثورة في مايس 41عندما حوصرت بغداد واشتركت الفصائل العراقية والمتطوعين العرب لحمايتها، فلم تفلح، بسبب الدعم البريطاني آنذاك .
اليوم في العراق؛ ليست ثورة مايس 1941، وإنّما عملية سياسية شاملة، ضمّت معظم الأحزاب والحركات والتنظيمات والمنظمات السياسية والمهنية والاجتماعية والدينية والكفاءات الوطنية .. أديان .. قوميات ، مشتركة ً كلّها، بعملية سياسية، تهدف إلى قيادة الحكم في العراق بإرادة عراقية واضحة . لكنْ؛ يجب أن لا نخدع أنفسنا ؛ إنَّ إرادتنا تسير دون أن تكون رهينة بالإرادة الأمريكية ، فأيّ حدث سياسي يحدث في العراق ، لا يتفق مع الإرادة الأمريكية لن ينجح حالياً .
علينا ؛ أن نتفق مهما اختلفنا؛ علينا أن ندخل العملية السياسية والانتخابات المقبلة بروح وطنية عراقية نبيلة، نترفع بها عن جميع الأنانيات، لكي نحقق شيء للوطن.. شيء للشعب .. شيء لتاريخنا الذي ستكتبه الأجيال عنا ..!!
علينا أيضاً؛ أن نستحضرَ حاجات مرحلتنا من أحداث نيسان ـ مايس عام 1941، ونستلهم منها تجاربَ ليومنا هذا ، فالقرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود !!!