ورقة تحليل سياسات
الحلول المفترضة .. (اعتلاء منصة البرلمان) .. واستخدام (فرضيات الزمن) لمحاصرة (مفاسد السلطة)
انتهت المائة يوم من عمر المنهاج الحكومي ومتوالية الاحداث العراقية ما زال عقرب ساعتها متوقفا عند حافات حادة لمفاسد المحاصصة، جعلت رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي امام استحقاقات الملاحقة المباشرة لإدارة مخاطر مرجحة أبرزها ملف البصرة الذي سبق له الإطاحة بآمال رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بولاية ثانية ، وفي ذات الوقت مازالت الكابينة الوزارية غير مكتملة، فيما رفع عبد المهدي شعار مكافحة الفساد في اتاحة المعلومات عن رواتب الرئاسات الثلاث ، في وقت تبقى هذه الامتيازات عثرة امام أي اصلاح اداري مطلوب ، كل ذلك يكرر السؤال المحوري عن الحبل المشدود لحكومة عبد المهدي والمخاطر التي تواجهها ؟؟
لا اعتقد ان تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد سيكون الحل السحري للانتهاء من مفاسد المحاصصة ، فهذا التشكيل لن يكون اكثر من مجرد غطاء اخر لإدارة ملفات الفساد التي يفترض ان تدار من قبل الجهات الرقابية ذات العلاقة بالتعاون مع القضاء متمثلا في الادعاء العام وقانونه المجمد حتى الان ، لكن فهم الأمور كنموذج للمحاصصة ، يجعل عبد المهدي البحث عن جدوى في رقع تنظيمية لهذه الإجراءات وان كان يعرف مع جمهور من مستشاريه ان هذه الرقع لا تسد فجوة مفاسد المحاصصة ، والكشف عن رواتب الرئاسات الثلاث لا ينفع في اثارة الرأي العام العراقي ، كون هذه المعلومات متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي ، حتى بات الحديث عن امتيازات الرئاسات الثلاث يرد عليه من قبل البعوض الالكتروني لبعض الأحزاب بإثارة النعرات الطائفية والتضليل المجتمعي لإعادة تأطير الإجراءات الحكومية حتى ان البعض من المحللين، نواب ومروجين لأحزاب معينة، هددوا باستجواب عبد المهدي عن نتائج المائة يوم الأولى من تطبيق منهاج حكومته مشددين على ان الحكومة فاعلة وتعمل وليست متوقفة .
في خضم هذا الفيض من الاحداث المتلاحقة، يمكن التوقف عند مشهدين، الأول زيارة رئيس الوزراء لمحافظة البصرة، والثاني استضافة مجلس النواب لمواطن من مدينة الموصل المنكوبة كنموذج لتحليل الانطباع الذهني وتداخلاته مع المشهد السياسي العراقي، وفي هذا السياق يمكن القول:
أولا: من خلال معرفتي البسيطة بشخصية السيد رئيس مجلس الوزراء، فان ثقافته المجتمعية تجبره على الملاحظة الشخصية وعدم القناعة الكاملة الشاملة بتقارير منقولة،هكذا كانت زيارته لمحافظة البصرة وربما تأتي زيارات لمحافظات أخرى مثل الموصل او كركوك ، فثل هذه الجولات تقدم امامه الصورة الناقصة عن الرؤية الشاملة في التقارير التي تصله من مستشاريه الذين يوفدون في مهمات استطلاعية منظورة او غير منظورة لمناطق الحدث ،وحضوره الشخصي ربما يتطلب ان ينته الى قرارات رسمت بعناية في جلسات عمل مشتركة مع قوى سياسية ومستشارين باختصاصات متعددة ، لكن هذه القرارات بحاجة الى دعم دولي واقليمي ما زال عبد المهدي يجد حكومته امام استحقاقات متضاربة ، لذلك يعمل على إزاحة ما يوصف بفرضيات الواقع ، الى فرضيات إدارة المخاطر، وهي معضلة إدارية – سياسية ليست بالسهلة ، لكن خبرة الرجل ومن يعتمد عليهم في هذا المجال ، تمكنه من الإيفاء بمثل هذه الالتزامات ، لذلك يمكن انتظار بعض الإجراءات الإدارية القافزة على مفاسد المحاصصة لتغيير بعض الخرائط الإدارية التي تفرضها هذه المحاصصة ، ومنها اليات صرف الأموال في المناطق المنكوبة” الموصل” او مناطق الازمات ” البصرة ” وحتى كركوك .
ثانيا: المتغير والثابت في نقل منهاج عمل حكومة عبد المهدي الى تطبيقات في السياسات العامة للدولة، يمر من خلال مجلس الوزراء واجتماعات المجالس التي يديرها رئيس مجلس الوزراء وأبرزها مجلس الامن الوطني، ومن بعده مجلس الطاقة ومجلس مكافحة الفساد، وعلى الرغم من رفع السرية عن أحد تقارير ديوان الرقابة المالية حول رواتب الرئاسات الثلاث لم يتدحرج أي حجر من مفاسد المحاصصة !!
لذلك اية مواجهة مقبلة بين مجلس النواب لاستجواب عبد المهدي تحت أي عنوان ربما يجعله يرفع السرية عن ملفات وتقارير أخرى عن قضايا فساد تجعل الكثير من القيادات البرلمانية والحزبية امام استحقاق الدفاع عن شخصيات محسوبة على هذه الجهات ، وهذا ما جعل البعض يلجأ الى اجتماع الرئاسات الثلاث لطرح السؤال الجوهري عن المدى الذي يريد ان يصل اليه عبد المهدي في متوالية الكشف عن ملفات الفساد ونقلها الى ساحة القضاء لاسيما وان اجتماعات مجلس مكافحة الفساد تعقد في المحكمة الجنائية العليا ،بل البض يسعى الى ربط استكمال الكابينة الوزارية وإقرار موازنة 2019 بالإجابات المفترضة على هذا التساؤل !!
ثالثا: تمثل المواقف الإقليمية والدولية، القيمة المضافة في اتجاهين متعاكسين لحسابات الثابت والمتغير في الخطوات المقبلة لجميع الفرقاء العراقيين، وابرزهم رئيس مجلس الوزراء، فالمطرقة التي يريد ان يضرب ها مفاسد المحاصصة هي ذاتها التي يمكن ان تستخدم ضده وجميع الآمال التي تروج عن طرح ملفات كبرى للفساد امام المحكمة تتعثر بهذه المفاسد وهنا يمكن استرجاع ما سبق وان كتبه عبد المهدي في احد افتتاحيات صحيفته “العدالة ” بعنون ” لست مرشحا لرئاسة الوزراء” وما ورد فيها من اشتراطات لم تتحقق له ، لكن المواقف الإقليمية والدولية التي انهالت على العراق في زيارات متلاحقة خلال الأسبوعين الماضيين ، تؤكد بوضوح ان اية مواجهة مقبلة بين مجلس النواب وعبد المهدي غير مفترضة ولا مطلوبة ، بل تحتاج الاستجابة الى اشتراطاته التي أشار اليها مقالته ، وتحولت من جديد الى مفاسد المحاصصة، وهذا يحتاج الى بروز ” تضحيات” تقدم على مذبح مكافحة الفساد، ولكن هذه المرة بطريقة عبد المهدي ، وهذا يعني الإطاحة برؤوس كبيرة يتم الربط بينهم وبين الإجراءات الإدارية التي تتخذ لإعادة تنظيم صرف أموال إدارة الازمات في البصرة او الموصل وسواهما من المدن وفقا لتدقيق اداري ومالي يشترك فيه مجلس مكافحة الفساد يقوم على تعظيم الموارد الذاتية، ويقلل من الضائعات المالية ويلغي نموذج “الموظفين الفضائيين” ويحد بشكل كلي من سطوة اللجان الحزبية على العقود الحكومية بما في ذلك العقود التشغيلية، مقابل مقترحات يمكن ان تقدمها الحكومة لمجلس النواب بإعادة النظر في قوانين الأحزاب والانتخابات ومفوضية الانتخابات ، ناهيك عن مشاريع قوانين أخرى لابد وان تدرس لتفعيل دور القطاع الخاص لخلق فرص عمل في مشاريع استثمارية كبرى ، ما زالت تتنظر الانتهاء من سجال يبدو قد اصبح عقيما للانتهاء من الكابينة الوزارية فضلا عن إقرار موازنة 2019 ، وتمسك بعض الأطراف البرلمانية بهذا السلاح، يمكن ان يترد عليهم فقط لان القيمة المضافة في المواقف الإقليمية والدولية ، تشدد على عدم خضوع المنهاج الحكومي لعبد المهدي لمثل هذه المهاترات البرلمانية ، بات معلوما عند الكثرين فيما ما زالت الكثير ايضا من التصريحات البرلمانية تواصل ذات النوع من المهاترات اللفظية.
في ضوء ما تقدم …كيف تبدو السيناريوهات المطروحة لإدارة مخاطر العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة ؟؟
ربما مصطلح ” إدارة المخاطر السياسية” غير متداولا في وسائل الاعلام العراقية، لكن وقائع العملية السياسية الحالية تفترض التعرف على مضمونه والتعامل مع معطياته، وفي هذا المجال يمكن رسم أكثر من سيناريو يتيح لحكومة السيد عبد المهدي الخروج من عنق زجاجة هذه المخاطر من بينها:
السيناريو الأول: استخدام “فرضيات الزمن”
في تقديم مشاريع قوانين حاكمة للإصلاح السياسي امام مجلس النواب، وملاحقة مواقف الكتل السياسية بالكشف عن ملفات الفساد التي وظفت هذا القصور التنفيذي مثل موضوع اللجان الاقتصادية للأحزاب ، او الموظفين الفضائيين ، بما يحقق للحكومة إمكانية تحريك الراي العام بل وحتى الشارع العراقي للضغط على البرلمان وليس العكس بان تقوم كتل او أحزاب بتحريك الرأي العام او الشارع السياسي بالضد من أزمات منتظره ابرزها واقع المدن المحررة ،او حال الكهرباء المنتظر في الصيف المقبل ، بل حتى ملفات الخدمات الصحية، وهي مثار برامج الواقع الحوارية في الكثير من القنوات الفضائية العراقية لتحريك الراي العام وفق اهواء اصحابها.
السيناريو الثاني: نموذج ” اعتلاء المنصة ”
بحضور رئيس مجلس الوزراء في جلسة علنية امام مجلس النواب لوضع النقاط على حروف الحلول المفترضة التي جاءت في المنهاج الحكومي كإيجاز للتحديات وفرضيات مطلوبة لتسريع الإجراءات نحو الحلول مع بيان أدوار مجلس النواب في تسريع التشريعات اللازمة لذلك، وهذا يتطلب نموذجا متجددا من الاعلام الحكومي لاسيما الخيمة الإعلامية لرئاسة مجلس الوزراء في التعامل مع مقدمات ومدخلات ومخرجات هكذا سيناريو مقابل الأدوات الإعلامية التي يمكن للجيوش الالكترونية التعارض سلبا من خلالها مع طروحات تلك الحلول المفترضة.
السيناريو الثالث: ديمومة الجمود
السيناريو الذي لا يصب بمصلحة أي طرف في العملية السياسية لكن ربما ترغب به الكثير من القوى البرلمانية للانتهاء من اعمال ترتيب أوضاعها استعدادا لانتخابات مجالس المحافظات المقررة في خريف العام الجاري ، ودفع كرة ثلج الجمود نحو الامام تحت مختلف العناوين والذرائع يحتاج الى نموذج من إدارة المخاطر المنضبطة ، وهي حالة ربما تذوب في حرارة الصيف المقبل ، لكن هذه القوى السياسية تحتاج الى وجودها البرلماني للتأثير على قرارات الحكومة في نقل الصلاحيات وإدارة موازنة تنمية الأقاليم والمحافظات بالشكل الذي يعزز من تواجدها لاسيما في المناطق المنكوبة من احتلال داعش الاجرامي .
كلما تقدم ، يبقى مسار اللحظة في التعامل مع إدارة المخاطر السياسية ، ويبدو ان حكومة السيد رئيس الوزراء تحتاج الى طاقات إبداعية متجددة في نقل مفردات المنهاج الحكومي الى برامج عمل ، والا لن يكون اكثر من مجرد حبر على ورق !!!
منطقة المرفقات