ليست المشكلة الحقيقية في أن يكون أمين/ ة بغداد من أبناء أو بنات العاصمة أو يتحدّر من مدينة أخرى. لكن بالطبع أن يكون الأمين من أبناء بغداد أو بناتها فهو أمر محبّذ، فمَن تحدّر من عائلة عاشت وتناسلت في المدينة وانتشرأفرادها في أزقتها ولعبوا في ملاعبها وارتادوا حدائقها ومقاهيها ومسارحها وسينماتها، ودرسوا في جامعاتها، لابدّ أن يكون محبّاً لمدينته ومتحمّساً لخدمتها.
بغداد واحدة من المشاكل الكبرى للنظام الحالي.. الطبقة السياسية المتنفّذة التي احتلت دون وجه حقّ قلب العاصمة لتسكن فيه، مجاناً أو ببدلات إيجار مضحكة للغاية من فرط تدنّي قيمتها، لم تُحسن التعامل مع العاصمة وأهلها، ولم يكن منتظراً منها أن تفعل غير ذلك، ارتباطاً بالطريقة التي وصلت فيها الى السلطة: الغشّ والتزوير في الانتخابات، المحاصصة، شراء المناصب. صراعات هذه الطبقة على مناصب العاصمة، وبينها مناصب الأمين والمحافظ ورئيس مجلس المحافظة، لم تكن من أجل تقديم خدمات أفضل لبغداد التي ظلّت تقارير المنظمات الدولية المتخصصة تصنّفها المدينة الأسوأ من حيث مستوى الحياة والخدمات العامة. كان الأمر بالنسبة لجميع الأمناء والمحافظين ورؤساء مجلس المحافظة ومساعديهم يقتصر على الامتيازات المادية والمعنوية التي يحظون بها والمنافع المالية للأحزاب التي تدعم ترشيحهم للمناصب. لم يترك أي أمين عاصمة أو محافظ لبغداد في العهد الجديد حسرة في قلب أحد أو أسفاً على عدم التجديد له، فما مِن شيء في بغداد يعيد إلى الذاكرة اسم أيّ أمين أو محافظ أو رئيس مجلس محافظة تولى المنصب بعد 2003، بخلاف ما كانت عليه الحال قبل ذلك .. كل الذين مرّوا ببغداد في العهد الجديد زادوا أوضاعها سوءاً، كما لو أنّ الموازنات العامة للدولة لم ترصد شيئاً لتمكين المحافظ أو الأمين من تنظيف شوارع العاصمة، في الأقل، وهي أسهل وأقل المهمات تكلفة. علماً بأن الأمانة إمبراطورية مالية وعقارية حقيقية، وكذا المحافظة. طار بعض الأمناء والمحافظين ورؤساء مجلس المحافظة بعشرات ملايين الدولارات مطمئنين الى حماية أحزابهم لهم وهي التي كانت شريكة في عمليات الفساد الفاقعة.
بغداد، وسائر المدن والمحافظات، لا تحتاج لإدارتها على النحو المطلوب إلا الى رجل أو امرأة يكون الواحد منهما شريفاً ونزيهاً وكفءاً وذا خبرة في مجال عمله وشبعاناً ووطنياً، يخاف ضميره وكلام الناس أكثر من أي شيء آخر.
مثل هذا الكائن، رجلاً كان أم امرأة، متوافر بالمئات من أهالي بغداد.. وكثير من هؤلاء معروفون للأحزاب والقوى المتنفّذة – الإسلامية بالذات – التي لا تبحث عن أناس بهذه المواصفات، إنّما عن فاسدين.
راجعوا مسيرة الأمناء والمحافظين ورؤساء مجلس المحافظة السابقين لتتيقّنوا ممّا أقول.