وهنا تبرز إشكالية زمنية المعجزة، لأنها إن كانت قد تحققت، فهي حجة على من شاهدها، أو من وصله خبر حدوثها بالتواتر الذي لا شك فيه، لاسيما من الأجيال القريبة من زمن حدوثها، بحيث يكون شهودها ما زالوا على قيد الحياة، أو الناقلون المباشرون حديثي عهد بها، بحيث يكون تعاهدهم على الكذب أو الوهم ممتنعا عادة، أو من الضعف من الاحتمال إلى درجة تقترب من الامتناع [بل لطالما عشنا تواتر قصة من الخيال تتناقلها أجيال، رغم عدم تحققها]. ثم إن المعجزات ظهرت في عصور لم تكن فيها آليات التوثيق من الدقة والحصانة من الخطأ، لتكتسب القدر المطلوب من الموثوقية، فكم من أسطورة أو وهم جرى تناقله بالتواتر عبر أجيال وأجيال. وليس لدينا من المعجزات الدالة على صدق النبوات ما هو خالد، بحيث تكون قيمتها الاستدلالية في عصرنا مساوية لقيمتها الاستدلالية في عصر ظهورها. المسلمون يقولون وحدهم بالمعجزة الخالدة، التي هي القرآن، فيقولون بالإعجاز البلاغي، والإعجاز العلمي، والإعجاز التاريخي، والإعجاز العددي، ولكن كل من هذه الإعجازات ليست موضع إجماع عند علماء المسلمين أنفسهم، ربما باستثناء الإعجاز البلاغي، وهو موضع بحث، وليس من المسلَّمات أو مُبَرَّأ من تسجيل الملاحظات عليه. هذا كله يدعو أصحاب الديانات جميعا إلى أن يقدموا أدلة من نوع آخر، غير دليل المعجزات. ففي هذا البحث لا أقول بعدم إمكان وجود دليل على صدق النبوات والأديان والكتب المقدسة أو صدق بعضها، بل كل ما أريد تثبيته هنا هو أن المعجزات غير ثابتة لأهل زماننا، ولذا لا تصلح لنا كدليل. هذا إضافة إلى ما أشار إليه الكاتب سعدون محسن ضمد أن المعجزة حتى لو ثبت صدقها، لا تصلح كدليل على صدق النبوة، فلا يمكن لمرشح – والمثل مني – لرئاسة الدولة، لاسيما في دولة ذات نظام رئاسي، فيثبت أهليته للمنصب من خلال الإتيان بما يعجز عنه غيره، مما هو أجنبي على موضوع رئاسة الدولة، كأن يقفز من الطابق الرابع، من غير أن يُكسَر له عظم، أو يُصاب بأي أذى.