إن العراق يواجه ومنذ عام 2003 حروب مفتوحة، بإتجاهات مختلفة ومتعددة، كل
تلك الحروب بدأت تهدد أمنه، فبالإضافة لحرب الإرهاب وما سببته من ويلات
للشعب العراقي، على كافة المستويات والأصعدة، هنالك تهديدات لا تقل خطورة
وفتكا” عن ويلات الإرهاب والإرهابين، كتوريد الأدوية المنتهية المفعول او
المحضورة من قبل منظمة الصحة العالمية، عبر القطاع الخاص دون أن تفحص في
مختبرات الرقابة الدوائية المركزية، وكذلك إستيراد اللحوم المحضورة
بشريا” وحتى الأغذية المعلبة المنتهية الصلاحية وغير المفحوصة كثيرا”
منها، ولكن يبقى التحدي الأكبر الذي يهدد البلاد، هو آفة المخدرات
القاتلة.
إن للمخدرات خصوصية كبرى لدى دول العالم بأسره، لما تشكل من تهديد خطير
للمنظومة الأمنية، كونها تستهدف أرواح البشر، وكذلك المنظومة القيمة
والأخلاقية لأية مجتمع، وتخلق بيئة خطيرة لنمو العصابات والجريمة
المنظمة، فمثلا” في كولمبيا أصبحت المافيات تزاحم الحكومة في سلطتها، إن
لم تكن هي الحكومة بعينها تلك المافيات، ففي الدول التي تربو وتنشط فيها
تجارة المخدرات، كما فعل (بابلو أسكوبار) في كولمبيا، حيث تسبب هذا الرجل
ومافياته، في خلق جو إرهابي من أجل ضعضعة أمن كولمبيا، كي يروج لتجارة
المخدرات في بلاده، وعموم دول العالم بل وصل تأثير هذه المافيا، إلى
الشرق الأوسط في سبعينيات القرن الماضي، عبر تعاون مع شركة إسرائيلية
تسمى (سبيرهيد)، مستغلة الحرب اللبنانية الأهلية، ليدخل هذا الفاتك
الصامت جسد الدول العربية.
الملاحظ في تجارة المخدرات، إنها تنشط في الدول التي تعاني من فوضى
سياسية وإضطرابات أمنية وحروب عسكرية، لذلك نلاحظ إنها بدأت تنتشر في
العراق بعد عام 2003، مستغلة حالة الفوضى العارمة التي خلقتها الولايات
المتحدة الأمريكية، عبر حاكمها بول بريمر وقيامه بحل الوزرات والأجهزة
الأمنية، لتكون الحدود العراقية مكشوفة للقاصي والداني، ويكون العراق سوق
رابحة لهذه التجارة البشعة التي بدأت تفتك بالمجتمع العراقي، لما لها من
أثار خطيرة جدا”، ولما تتركه من أثار سلبية على مجالات عدة.
ما المطلوب لصد هذا العدو القاتل بصمت، القادم من خارج الحدود، عبر
موزعون متخصصون لهذه التجارة داخل الأرض العراقية، أعتقد نحتاج لخطوات
سريعة ودقيقة للحد من هذه الأفة القاتلة للجموع البشرية وكالأتي:
1_ تفعيل دور الهيئة الوطنية العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية،
التي أقرت ضمن قانون المخدرات رقم 70 لسنة 2017، وزيادة الدعم المادي
والمعنوي لهذه الهيئة.
2_ تكثيف إجتماعات هذه الهيئة من أجل الأطلاع على مستوى التحديات
والمنجزات بهذا الخصوص.
3_ عقد أتفاقيات مع دول الجوار، من أجل تبادل المعلومات والتعاون الأمني
بخصوص الحد من الأتجار بالمخدرات، بل من المفترض تقليل التبادل التجاري
مع الدول التي تكون أرضها منطلق لتوريد المخدرات للبلاد.
4_ ضبط المنافذ الحدودية وتطوير القابليات الضبطية لرجال الكمارك، ورفدهم
بأحدث أجهزة الكشف.
5_ زيادة المكافئات المالية لرجال الأجهزة الأمنية والكمارك وحتى
المواطنون، الذين يسهمون بالكشف عن عصابات المتاجرة بالمخدرات.
6_ تفعيل الدور الرقابي المشترك بين وزارتي الصحة والداخلية، على الأماكن
التي تشكل أرض خصبة لأنتشار تجارة المخدرات وتداولها، كالمقاهي والكوفيات
والنوادي الليلية والمساجات، وكل الأماكن التي تكون موضع شك لهذه التجارة
القاتلة، وإيقاع أقسى العقوبات للمتاجرين بالمخدرات .
7_ تكثيف الحملات الدعائية لبريز أثار المخدرات على الذين يتعاطونها، من
خلال أفلام وثائقية حملات إعلانية، دون التعرض أو إظهار طريقة أو كيفية
أخذ المخدرات، لكي لا تكون تلك الإعلانات طريقة للترويج للخدرات، فقط
إظهار أثارها السلبية البشعة مجتمعيا” وصحيا”.
8_ وتبقى النقطة الأهم، هو الجهد الأستخباري الذي يستطيع ان يخترق
مافيات المخدرات، ويستطيع أن يرفد الأجهزة المتخصصة بأسماء الأشخاص
والشركات والعصابات التي تكون المورد لهذا السم القاتل للعراق وشعبه.