الاصلاح عملية علمية متكاملة صعبة متشعبة ، و هذا يعني انها اشق من البناء اصلاً لأنها تتطلب المعالجة و البناء و التنمية والتطوير , لذا فرجال الاصلاح قلائل و تعد بأصابع اليد , و ان الامم تتفاخر بمثل هؤلاء الرجالات و يكون اعتزازها اكبر بهؤلاء من الاعتزاز بالقادة العسكريين و السياسيين لأن الشعوب كثيراً ما تنجب القادة ،و لكن ولادة المصلحين ((الاصلاحيين)) قليلة و نادرة .
عملية الاصلاح تحتاج الى جهود كبيرة تبدأ بتحديد الخلل و الاقرار به و طرح الحلول و اختيار الافضل من بين هذه الحلول , و لكنها أولاً و اخيراً تعني الارادة القوية و القرارات الصائبة و عدم المبالاة او الاهتمام بارضاء الاشخاص بل و العمل من اجل خدمة الوطن و المواطن .
إحدى التحديات الكبيرة التي تواجهها حكومة الاقليم القادمة هي الفساد المستشري بكل اطيافه و انواعه ،والجميل في الموضوع هو ان الجميع يتفقون على وجوده و على ضرورة معالجته ،و هذا بحد ذاته خطوة ايجابية و لهذا فأنهم مستعدون على التعاون و تقديم اللازم للقضاء عليها و بترها , كلٌ على شاكلته و درجة الاحساس بالمسؤولية تجاه الاقليم .
السؤال الذي يطرحه الغالبية على المستوى الرسمي و الشعبي هو هل ان حكومة الاقليم القادمة ستكون قادرة على معالجة الفساد او على اقل تقدير وضع الخطوط العريضة للحد منها و تقليلها ؟!! ام ان الامآل المعقودة عليها ستصطدم بجدار هذه الآفة لترتد بآثارها و صداها نحو الشعب اكثر فعالية و تأثيراً ؟!!
ان نظرة سريعة لشخصية مرشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني لرئاسة الحكومة القادمة السيد (مسرور البارزاني) و مكانته في العائلة البارزانية و داخل اروقة الحزب الديمقراطي و عمله الدؤوب طيلة السنوات الماضية مستشاراً لمجلس امن الاقليم و اطلاعه الواسع و احلامه الكبيرة و استلامه لهذا المنصب الجديد للمرة الاولى و الدعم الدولي الذي يحظى به و علاقاته المتشعبة ، كلها تمثل نقاط قوة و يزيد من أمل الشعب الكوردستاني به , لكن مثلما قلنا سابقاً – بأنها عملية شاقة اضافة الى ان الفكر السائد لدى العامة التي تحكمها العاطفة بأن هذا الداء لا يمكن الانتهاء منه إلا بعقوبات رادعة و اتخاذ اجراءات قانونية و زج المفسدين في السجون , صحيح انه حل لكنه ليس كل الحل بل جزءاً منه , لأن الفساد باتت دماً يجرى في عروق البعض و مددت بجذورها الى الاعماق فمهما كانت الاجراءات صارمة فان هذا المفسد ينتظر بلهف الفرصة للقيام بفعله وتكرارها لانه ذاق طعم الفساد ولم يشبع منها , و لا نقلل من قيمة الاجراءات القانونية بل ندعمها , و لكننا نقول بأنها عملية صعبة و هناك خطوات اخرى مهمة تساعد على استئصالها بل أنها المكافحة نفسها ،ويكون طريقاً صحيحاً لخدمة المواطن الذي طالما ينتظر معالجة مشاكله الخدمية من الحكومة وهو هدف الناجحين ودربهم نحو تحقيقها و من هذه الخطوات :
العمل بمبدأ الفصل بين قضية الفساد و تجزئتها، لأنها باتت قضية كبيرة فلابد من تجزئة و تفتيت هذا الداء و تقديم المعالجة اللازمة لكل جزء أي المكافحة المرحلية الجزئية , اما وضع القضية بكامل اثارها السلبية على الطاولة يولد الرعب مما يؤثر على التشخيص و التقييم السليم و ربما التردد في المعالجة لكبر حجمها ,وكما قيل في التقاليد الكوردية (حمل الحجر الكبير دليل على عدم النية في رميه) ، كصحيح ان الفساد بشكل عام يحتاج الى حلول و لكنه في التفاصيل يختلف هذه الحلول من مجال الى اخر ، ناهيك عن وضع سلم للاولويات عند المعالجة ، فهناك مواضيع يمس حياة المواطن فانها تحتاج الى حلول سريعة اكثر من غيرها .
الحد من داء الادارة و الذي هو بحد ذاته فساداً ، هو الحكم باهواء شخصية اعتماداً على العلاقات و المصالح ، فانه يمثل طلقة الرحمة على اصحاب الخبرة و المخلصين و حجر عثرة امام تطلعاتهم و طموحاتهم , فالاقليم مليئ بهؤلاء المخلصين ينتظرون لحظة ترشيحهم للمكان المناسب ومع الدعم اللازم لهم يكون نصف الفساد قد انتهى وعندها يكون المؤسساتية في الادارة هي المعمول به بعيداً عن كل ما يؤدي الى الفساد وحينها نكون امام حكومة رشيدة هدفها خدمة المواطن .
الفساد باتت ثقافة ، لذا فان نشر الوعي الثقافي بين المواطنين بآثارها و طرق معالجتها ضرورية فان جميع المؤسسات الحكومة و غير الحكومية مثل الاعلام و منظمات المجتمع المدني و دور العبادة و الاحزاب … الخ تتحمل هذه المسؤولية ولكنها تحتاج الى دعم حكومي .
فالايام القادمة كفيلة بكشف الكثير من الملفات والقضايا ويكون جواباً كافياَ لما يدور في ذهن المواطن الكوردستاني من تساؤلات .