لا أعرف كم من الناس لفتت نظرهم تصريحات السفير الأمريكي في القاهرة ( آن باترسون) , التي حسمت بما لايقبل النقاش حقيقة طالما نبهت اليها قيادات الرأي العام المستقلة عن التأثير والمال والنفوذ الأمريكي الإسرائيلي .. وتكمن في قولها “أن على المصريين القبول بعودة كافة اليهود الى مصر , وسوف يتوسل المصريون أن نستعبدهم وننقذهم من الفقر والمجاعة ..ولن ينتهي عام 2013 الّا وسيعود اليهود الى مصر ” !.
ولانتوقف عند مهمة اعطاء صورة عن مضامين تصريحات (آن باترسون) الخطيرة , بل اننا نثبت نصوص هذه التصريحات , حيث قالت :
“ان عودة اليهود من الشتات , ومن كافة بلدان العالم الى ارض الموعد من (النيل الى الفرات), صار وشيكا و انه سيتم خلال العام 2013 , و اعلنت بفخر انها لعبت دورا محوريا و خطيرا حقق (لشعب الله المختار) النبؤات التى قيلت عنه بصورة تعتبر اعجازية, كما اعلنت ان المصريين لن يمانعوا فى عودة (اليهود) بل سيتوسلون اليهم لكى يعودوا الى مصر و ينتشلونهم من الفقر و المجاعة, بعد اعلان افلاس مصر الموشك و المتوقع “!
حقيقة أجد ان هذه التصريحات قد خرجت بشكل خطير عن نطاق التصريحات السياسية , إذ لم يسبق لممثل دولة حتى ولو كانت عظمى الحديث بمثل هذه الخطورة والمباشرة والصراحة , دون مراعاة للأعراف الدبلوماسية ..وهي ان تحدثت على هذه الصورة وبهذه المضامين , فإنها لا تنطلق من فراغ , بل أني أعد هذا الحديث بمثابة قنبلة صوتية تستهدف من وراءها الوقوف على ردود الأفعال حيال حلقة هامة من صفحات (تكوين العالم الأمريكي ( الذي بدأ باحتلال العراق ..وإذا كان هناك من لا يعتد بهذا فإني اقول ان هذه التصريحات ماهي الّا (وعد بلفور) جديد يطبق على الأرض المصرية كخطوة أولى !
واذا ما استعرضنا تفاصيل أخرى من تلك التصريحات ,سنجد أنها تتناول بفضاضة وعنجهية (شئونا عسكرية) تخص الصراع العربي الإسرائيلي , حيث أشارت الى :
“ان اسرائيل قد تحملت الكثير من الاستفزازت و الاعتداءات و التهديدات ,وان الصبر لن يطول ,وان عام 2013 هو العام الاربعين لذكرى نكسة اكتوبر 1973 , وانه فى حال اضطرت اسرائيل الى المواجهة العسكرية فأنها لن تتردد , و انها ستكون الحرب الاخيرة (هرماجدون) التى ستشارك فيها الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا و الناتو, و كافة الدول المحبة للسلام ,لاجل اعادة الحقوق الى اصحابها, وان اليهود لن يسمحوا بتكرار (الهولوكوست) ضدهم فى المنطقة, بما ان العرب و المسلمين طبيعتهم عنيفة و يميلون الى الهمجية و الارهاب ,ويغارون من أليهود لأنهم اكثر تحضرا و تقدما و ثراء منهم , و لهذا فان الصراع سيكون لاجل البقاء و سيكون البقاء للاقوى بالطبع!”
ومن المفيد إطلاعنا على الجوانب العاطفية الكامنة في الوجدان الأمريكي حيال الأهداف الصهيونية , من خلال فهم عميق لما تعنيه (آن باترسون) في كلماتها التالية :
“انها سعيدة لأنها جاءت الى مصر لتكمل ما بدأته شقيقتها الكبرى السفيرة السابقة (مارجريت سكوبى) , وان الاسماء لا تعنى شيئا طالما ان الهدف واحد و الاخلاص موجود ,وإنها قد اقسمت عند حائط المبكى ان ترد لليهود حقهم و تنتقم لهم على تشتيتهم فى دول العالم, وان الاهل والاقارب سيعودون الى سوريا ومصر و الدول العربية , لتكتمل العائلات ويلتقى الاقارب بعضهم البعض, ويلتئم الشمل بعد مئات السنوات من المعاناة , و اعربت انها استطاعت بطرقها الخاصة ترويض الرئيس المصرى محمد مرسى , وان كل شىء فى قصر الاتحادية تحت السيطرة التامة, و اكدت انها صارت تمتلك الوثائق التى تثبت ملكية اليهود للمشاريع المصرية التى اسسوها ثم طردهم عبد الناصر بكل وحشية من مصر و صادر املاكهم .
ماقالته (باترسون) لايظن أحدا أنه (سيكذب ) , أو أنه سيبرر ببيان تصدره السفيرة او الخارجية الأمريكية على أنه (زلة لسان) , بل أنه يمثل صفحة واضحة من صفحات عمل دءوب نفذ في أوساط الإدارة الأمريكية منذ ولاية الرئيس الأمريكي (جورج بوش الأب) , إعتمادا على فرضيات (بروتوكولات حكماء صهيون) !
وتمضي( آن باترسون ) لتقول محددة (اليد المعلولة التي ستمسك بها اسرائيل وأميركا مصر) حيث تذكر:
“ان الوثائق اثبتت ان ما يملكه (اليهود) فى مصر يجعلهم يعودون اسيادا ,ويثبت انهم الملاك الاصليين لمصر, و ليس كما زور الفراعنة التاريخ, حيث ان اليهود بالفعل هم بناة (الاهرامات), لكن المصريون و العرب اعتادوا السرقة مثلما سرقوا (قناة السويس) التى اممها عبد الناصر, ومثلما قامت ثورة يوليو 1952 خصيصا لتاميم و سرقة املاك اليهود, و ان التعويضات التى سيدفعها المصريين ستجعلهم يفلسون و يعجزون عن دفع اقساط (قروض البنك الدولى) , و ان البنك المركزى صار مفلسا و صار المصريون لا يملكون فعليا اى شىء فى مصر,وسيكون عليهم اثبات العكس , فاما القبول بالعبودية لأسيادهم اليهود شعب الله المختار, او الخروج من مصر للبحث عن وطن بديل ربما فى الصحراء الغربية ,و ان مجلس الامن بالطبع سيدعم الحق و حق شعب الله المختار فى ارض الموعد (من النيل الى الفرات) , مقابل عودة اللاجئين الفلسطينيين الى (غزة و سيناء و الضفة و الاردن) , و سيكون القرار اجباريا ,و فى حال رفض المصريين و العرب فسيتم اعلان الحرب العسكرية عليهم.. !
هذه المرة.. لم يتحدث مخول رسمي امريكي عن (هواء في شبك ), ولم يك هذا الحديث مجرد بالون اختبار, كما دأبت الكثير من المصادر السياسية على القيام به , كونه قد قيل من قبل من يتولى السفارة الأمريكية في احد أهم وأكبر الدول العربية المحاددة (لإسرائيل) , والتي خاضت ثلاث حروب ضروس معها , حيث شكلت في حقيقة الأمر (ايا كان النظام المسيطرعليها) عامل قلق دائم ومستمر للكيان الصهيوني , نظرا لمقومات الدولة المصرية , ولديموغرافيتها المتميزة بالثقل البشري الضاغط على ذلك الكيان ,رغم برامج التطبيع الممارس من قبل السلطة المصرية منذ زيارة الرئيس المصري المغتال انور السادات الى (اسرائيل) التي سببت حتفه ,وفيما بعد خلال عهد الرئيس (مبارك ) .
والآن ..علينا ربط كثير من الأحداث والسياسات الجارية في المنطقة على الأقل منذ عام 2003 , الذي شهد تدمير مرتكزات الدولة العراقية الحديثة من قبل (الولايات المتحدة وحلف الناتو وبريطانيا) بمشاركة (لوجستية اسرائيلية – عربية – كردية) !
1:اصرار الولايات المتحدة على تسويق( العراق كدولة نموذج للفعل الأمريكي) رغم انها تعرف اكثر من غيرها أن هذه التجربة قد انطوت على ارتكابات وجرائم تنال من مصداقية هذا الطرح , وان(الديموقراطية) الأمريكية ماهي الا ارتهان دائم للقرار الأمريكي, ويتضح ذلك عندما تبرز مشكلات يعجز عن حلها السياسيون العراقيون , نجد القرار المريكي حاضرا لتوجيه هذا القطيع السياسي لإتخاذ ما تريده اميركا !
2: تنفيذ سياسة التكريس والتأليب الطائفي والعرقي , من خلال فرى (الفيدرالية والمحاصصة والأقاليم) , إذ أصبح من العسير في عراق اليوم , مباشرة نظام برلماني مدني يعتمد على صوت الناخب الحر عن المؤثرات الحزبية الطائفية والعرقية !
3 : غض النظر عن سرقة المال العام العراقي ,الذي بدأ بسرقة الحاكم المدني الأمريكي (بول بريمر)4 مليار دولار من صندوق اموال عائدات النفط العراقي ! كما أن الإدارة الأمريكية أكثر علما وأدق في الإطلاع على تفصيلات الجرائم المرتكبة من قبل وزراء ونواب ومسئولون عراقيون نافذون بحق المال العام العراقي , ولكنهم يتمتعون بحماية رءوس النظام من أجل استشراء الفساد في كل مفصل من مفاصل المجتمع استلهاما لنظرية (الفوضى الخلاقة) الفاسدة.
4 : العمل الواضح من دون أغطية ثقيلة للموساد الإسرائيلي في شمال العراق و(مباشرة برنامج دقيق لإعادة اليهود الأكراد وربما غيرهم الى كردستان وحصرهم ابتداءا بسهل ( شهرزور) ..ووضوح عمل محطات الموساد و(كاساته) في تلك المنطقة !
5 :اعتماد الولايات المتحدة وبريطانيا على عناصر اسرائلية في ادامة انشطتها الحيوية خلال وجود الإحتلال الأمريكي في العراق .كما أتضح من أنشطة (بلاك ووتر) وغيرها !
6:حقيقة ..أني أجد أن الحملة التي تبدو واسعة ومخططة من أجل حيازة العطف الإنساني على (غربة وهجرة اليهود العراقيين) , وتزيين عودتهم الى العراق , وقبل ذلك تلبية مطالبات اليهود العراقيين المعلنة في تعويضهم عن أملاكهم وعقاراتهم التي تركوها مهاجرين (طائعين أو مخدوعين أو بفعل الدعاية الصهيونية , أو جراء مؤامرة اسقاط الجنسية العراقية عنهم ) .. هي حملة (غير بريئة) من مقدمات تباشر للتمهيد لبرنامج أوسع وأشمل لجهة اعادة اليهود الى العراق , ولو توقف الأمر على (اليهود العراقيين ) فذلك أمر طبيعي , ولكن الخشية من عمليات تهجيرليهود غيرعراقيين متشردون في بقاع الأرض واسكانهم في العراق !ولايمكن لنا ولغيرنا التأكد فيما أذا كانت ميزانية الدولة العراقية البالغة عام 2013 (130 مليار $) ستغطي التعويضات التي طالبت بها (جمعية اليهود العراقيين المهاجرين الى إسرائيل) !
وانطلاقا من المعاير الإنسانية والحقوقية والشرعية , فإن تعويض المواطنين العراقيين اليهود المسقطة عنهم (الجنسية العراقية ) , كما عودة الراغبين منهم الى العراق , أمر في غاية الأهمية , لجهة العدالة في مجتمع متنوع , ولكن ذلك يتوجب إخضاعه الى قانون خاص يأخذ بتفاصيل موضوعية لتلك العودة والتعويضات !
7 : ارى أن على وسائل ومصادر الإعلام الإلكترونية خاصة ,عدم (التوسع الذي يبدو مخططا ومدفوع الثمن كذلك ) , لتجميل ذكريات بعض الكتاب والناقلين منهم لإستذكارات الأخرين عن الحياة في عشرينات القرن الماضي وما بعدها , التي كان ل(اليهود) بصمات واضحة فيها..والغريب أننا اصبحنا نقرأ( أن الحياة باليهود كانت أجمل ..ومن غيرهم عشنا جحيما لايطاق ) ..أن هذا الأمر ينطوي على معادلة دقيقة تكمن في نجاحنا أن لا تشكل مقالاتنا ودراساتنا فرشة لوجود اسرائيلي مستهدف في العراق , كما يخطط له اليوم فيما يتعلق بمصر ..نعم نتحدث عن الأديب اليهودي ( ميري) وغيره.. ولكن أن نقرأ عشرة مقالات عن هذا الأديب العراقي الراحل المبرز في اسبوع ..عندها يصبح الأمرملفتا للنظر, في حين يعج تراثنا الفكري والأدبي بمئات الأسماء التي نهضت بأدوارها وريادتها في المراحل الزمنية المختلفة .حتى ان مواقع الكترونية نعتز بها قد إنزلقت الى مواكبة ما أصفه ببرنامج تطبيع (الإسرائليات) وإذكاءها في اهتمامات المجتمع العراقي , وعلينا القول أن ذلك كله (لايتمتع ببراءة)! إذ لاريب أن الإشارة الى مايتعلق باليهودي العراقي أمر طبيعي من دون الحاح وتأكيد , و(غزل ورومانسية ) وكأن العراق من دون (يهود) أرضا صفصفا !
نعود الى رباط الفرس في تصريحات (آن باترسون) ..ونسأل سؤلا بسيطا واحدا ..هل وعى أو يعي السياسيون العراقيون المتصارعون على النفوذ والسلطة وسرقة المال العام خطورة تصريحات السفير الأمريكي ؟ وما تعنيه من استهانة بكرامة العرب والشعب المصري, وما تنطوي عليه من تخطيط لا يوفر أي بلد عربي بما فيها العراق , رغم اننا على يقين أن هذه الفئة الحاكمة ستجد فيما نطرحه عودة الى الشعارات الثورية التي شبع منها الشعب العراقي حتى أتخم !
لا نملك حلولا ..ولكننا نرصد , وننبه , ونذكر !