18 ديسمبر، 2024 9:51 م

((تعرف ماذا تعلمنا يا أبي ؟ذات يوم شرحوا لنا في المدرسة شيئا عن التعود .حين نشم رائحة تضايقنا فإن جملتنا العصبية كلها تنتبه وتعبر عن ضيقها ،بعد حين من البقاء مع الرائحة يخف الضيق .أتعرف معنى هذا ؟معناه أن هناك شعيرات حساسة في مجرى التنفس قد ماتت فلم تعد تتحسس.ومن ثم لم تعد تنبه الجملة العصبية.والامر ذاته في السمع ،حين تمر في سوق النحاسين فإن الضجة تثير أعصابك .لو أقمت هناك لتعودت مثلما تعود المقيمون والنحاسون انفسهم .والسبب نفسة الشعيرات الحساسة والاعصاب الحساسة في الاذن قد ماتت.نحن لا نتعود يا أبي إلا إذا مات فينا شيء)). المقطع من رواية للأديب السوري ممدوح عدوان باسم (أعدائي ) التي وضعها في مقدمة كتابه حيونة الانسان .يتحدث عدوان عن عالم القمع المنظم والعشوائي الذي يعيشه إنسان هذا العصر، عالم لا يصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته. بل عالم يعمل على حيونة الانسان او تحوينه كما يحب أن يسميه الكاتب ممدوح عدوان .ليطرح السؤال عن الكيفية التي يقوم بها دكتاتور بتنفيذ جريمة سواء قتل جماعي أو تهجير؟ دون أن يعترض اي أحد من أدوات تنفيذ هذه الجريمة ؟ يأتي الجواب على هذا السؤال ،يتم ذلك من خلال توزيع الادوار والمسؤوليات على الاشخاص الذين يقومون بهذه الجريمة ،الذي بدوره يؤدي الى تخفيف العبء الناجم من مسؤولية القيام بالجريمة ، التي قام بها مجموعة من الافراد وكيفية تقبلهم لهذا الامر .حيث ان الافراد الذين يقومون بعمليات القتل او التعذيب، يتم شحنهم بفكر معين، واحقاد خاصه يشعر بعدها بانه يؤدي خدمة خاصة وجليله للجهة التي يؤمن بها او يخافها او يهابها، سواء كانت سلطة او حزب او عقيدة يؤمن بها . .ليصنف الاخر على انه لا انساني ،لا يستحق الحياة. مع استخدام لغة تعبر عن دونية الاخر قد تصل لوصفه بصفات الحيوانات. مع المبالغة بالاعتزاز بذاته وانتماءه بلغة الاصطفاء والتميز عن الاخر ،فيقوم بقتله او تعذيبه من دون اي احتمال لشعور بالذنب او تأنيب الضمير .أيضا يعتمد الطغاة على نماذج في غاية الخسة والدونية والعدوان ،من انعدام الشخصية والضمير، لفرض سيطرتهم وسطوتهم على شعوبهم. ان التريبة على العنف في المجتمعات العربية والتي تبدا من مرحلة الطفولة، حيث تبدأ بعملية قمع لذاته الطفل وتعليمه على الطاعة والخضوع ،تجعل منه كائن ذليل مهان خاضع لأي قوة وتابع بلا تفكير ، ليصبح مستقبلا اداة لكل طاغية وظالم. بالإضافة للغة التي تستخدمها وسائل الاعلام بالتحريض على العنف، والتكفير وسلخ انسانية الاخر. عوامل تساعد على شيوع ظاهرة العنف في المجتمعات المتنوعة ، سواء كان التنوع على اساس العرق والدين والقومية والطائفة . العنف كظاهرة تقف حائل امام بناء مجتمع سليم معافى، اذا تعد من اكبر العوائق التي تعصف بمجتمعاتنا، لتحد من نموها وازدهارها .نحتاج الى خطوات لبناء مجتمع سليم معافى من العنف والتكفير ، تبدأ بطرح مناهج تعلمية جديدة تعزز روح المحبة لدى الاطفال في مواجهه العنف ،كذلك الدعوة لتعزيز روح الاخاء والمحبة عن طريق تشريعات وقوانين تدعو الى ترسيخ القيم الانسانية والاخلاقية بين الافراد .الاهتمام ايضا بالجانب الاعلامي لما له من دور في تعزيز حالة الاخاء والعيش المشترك بين الافراد، قبال قنوات العنف والتحريض التي تدعوا للقتل والتكفير .العنف فكرة فلا يمكن أن يكون السلاح هو الاداة الوحيدة لمواجهة العنف، بل لابد ان تواجه الفكرة بالفكرة ،من اجل خلق مجتمعات اكثر تسامح ومحبة .
ومضة :
من يحيا على حرمان غيره من الضوء يُغرِق نفسه في عتمة ظله.