من يرى النظام السياسي في العراق ويتفحصه بشيء من الدقة والتمحيص, لخرج لنا بإستنتاجات كثيرة, مفادها ان مقومات النظام السياسي ومراحل العملية السياسية التي اقيم على اساسها النظام الديمقراطي في العراق, لا زالت هشة ويشوبها الكثير من اللبس,و القصور والدليل على ذلك ما نشهده هذه الأيام, من تزايد غير طبيعي للملصقات الإنتخابية, التابعة لمرشحين من قوائم وكيانات مختلفة بين دينية وعلمانية, انتظارا لموعد الإنتخابات المحلية التي ستجرى في نهاية الشهر الجاري , حيث انك اذا سرت في احدى شوارع بغداد سرعان ما ستجد هذه الملصقات معلقة في الجدران, بشكل يدل على المبالغة والإسراف اللاعقلاني! , استنادا الى المثل العراقي الشائع الذي يقول (علج المخبل ترس حلكه)!, لكن المشكلة ليست فقط في هذه الملصقات والقوائم الإنتخابية وتوزيعها الغير طبيعي كما ذكرنا, وانما المشكلة في الأشخاص الذين يمثلون هذه القوائم والملصقات, والذين غالبيتهم لا يفقهون في السياسة شيء, سوى انهم جاؤوا عن طريق الإرتباطات الحزبية والعشائرية, وبتوصيات مسبقة من اعمامهم الحاكمين, الذين شوهوا صورة الديمقراطية الناصعة, وبدلوها بصور روزخونية بشعة, جيء بها من سراديب قم وأقبية طهران! .
السياسة علم له اصوله وقواعده المتعارف عليها, وهي في نفس الوقت منهج له عراقته وتاريخه الطويل, اما في عراق الإحتلال فإنها باتت_اي السياسة_ كمزاد تجاري, مفتوح لمن يريد ان يدخل ويملأ جيبه بدنانير رخيصة ويرحل, ففي كل حقبة انتخابية تمر علينا نرى تزايد اعداد الملصقات والقوائم الإنتخابية, في بلد مثل العراق الذي لا تعادل مساحته ,سوى مساحة ولاية امريكية واحدة! بينما في بلدان العالم المتحضر , لا نجد غير حزبين متنافسين او ثلاثة ينزلون الى الشارع بقوائم محدودة العدد, هذا يعني من الناحية المنطقية وجود خلل سياسي بنيوي في العراق, ولد من رحم الإحتلال عام 2003 والدليل على ذلك ما خلفه هذا الخلل, من إنفجار سياسي واجتماعي متصاعد غير معالم وجه الديمقراطية, وافرغها من محتواها الحقيقي .
لا يمكن ان تستمر السياسة بهذه الطريقة الهوجاء الركيكة , التي تشبه المزاد التجاري المشرعن الأبواب, فالسياسيون الحقيقيون في العالم الذين لا زالت افعالهم ومواقفهم يشهدها لهم , التاريخ لا يتجاوزون عدد أصابع اليد, اما في عراقنا فالشعب كله سياسيون, ومسؤولون, و مرشحين ,وبرلمانيين, ومستشارين ,ومحللين, ومراقبين ….. والقائمة تطول!. .