17 نوفمبر، 2024 11:22 م
Search
Close this search box.

الفهم قبل فوات الاوان

الفهم قبل فوات الاوان

يختلف الانسان عن كل الموجودات الاخرى التي خلقها الله جل جلاله بقدرته على التعامل مع المعطيات التي يفرزها الواقع المعاش والفعل فيها وتحويلها واعادة صياغتها وفق غايات جديدة وبالوقت نفسه فان الانسان يختلف عن المخلوقات الاخرى بقدرته على العيش مفصولا عن الواقع ضمن عولم من نسج احلامه واماله ويمتلك الانسان ايضا قدرة على تلمس الفوارق بين الصالح والطالح (هديناه النجدين ).
يعيش العرب اليوم لحظة فارقة في حياتهم ، لحظة اكون او لا اكون ، لحظة فناء او وجود فما يجري في العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا والبحرين …الخ قد تجاوز كل ماهو متعارف علية في التاريخ الانساني وكل ماهو منطقي والمطلوب من عقلاء الامة ومن طليعتها ان تفهم المعطيات التي يفرزها الواقع الراهن وادراكه ، فادراك فحوى فكرة الشيء اي شيء تقود الى استخدام الكلمة الداله  عليها وان هذه الكلمة ستكون نابعة من القلب حتما لانها صادقة .
 ان مانراه اليوم للاسف يوحي بان النخبة العربية المثقفة تساهم بوعي او من غير وعي بعملية الدمار الحاصل والذي سيحصل جرى عدم قدرتهاعلى فهم المعطيات الجديدة وعجزها عن اي فعل لتغير هذه المعطيات بما ينسجم مع ماتعتقده وتؤمن به والطامة الكبرى هي عدم قدرة البعض من هؤلاء على التميز بين الصالح والطالح وهي خاصية فضلنا الله بها عن باقي المخلوقات (هديناه النجدين ).
وهنا لابد ان نشير الى ان اي واقعة اجتماعية من السهولة بمكان تفسيرها وذلك  بدراستها بعيد عن التمترس والاحكام المسبقة و كما يقول ـ اميل دوركهيم ـ (ان السبب المحدد لها يجب البحث عنه في وقائع سابقة ، لافي حلات الوعي الفردي ) ، ويقول ايضا ( ان وظيفة الواقعة يجب البحث عنها في العلاقة التي تقيمها مع غاية اجتماعية ما) ، ومايحدث في واقعنا العربي للاسف لايدرس بالطريقة العلمية التي لابد لنا من الاستناد اليها في دراستنا وتحليلنا لما يحدث.
 فما حدث في العراق لم يحصل على نصيبه من الدراسة والتحليل من المثقفين العرب لذا حدث في ليبيا مثل ماحدث في العراق مع الفارق المعروف ومايحدث في سوريا اليوم سيحدث حتما في مصر لان تجربة مايحدث في سوريا لم تحظى بالدراسة التي ينبغي  بعيدا عن تمترسنا وبداوتنا ( الشماته) وبروز حالات الثائر القديمة من الخلافة الراشدة الى يومنا هذا.
 يؤسفني القول باننا لم نجد من بحث فيما حصل في العراق لتجنب ماحصل في ليبيا وقد يحدث في قطر عربي اخر ولم نجد بحث يتناول مايحدث اليوم في سوريا لتجنب ماسيحدث في مصر وربما في البحرين او الجزيرة العربية ، للاسف لم يتعامل البعض مع مايجدث في مصر مثلا مع الغاية الاجتماعية من التغير ، فهناك من يتعامل بسلبية مع خروج الملايين الهادفة الى التغير الاجتماعي وينظر اليهم كقطيع يقاد الى حتفه او ان من يقف وراء مايحدث هو الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية (انا لااستبعد وجود هؤلاء خلف الكواليس ومحاولة استثمار ماحدث لتحقيق مصالحهم لكني افترض حسن النية بالجماهير التي خرجت وهي تعرف مصالحها كما خرجت الجماهير في الماضي بالثورة الفرنسية والثورة البلشفية مع الفارق)  ، علينا التعامل مع المعطيات والواقائع التي للجماهير فعل واضح فيها ، فعل تجاوز المثقف او من يتعامل مع حركة التاريخ عبر وعيه الفردي  تعمل ارقى مما هو عليه اليوم.
ان من الامور البديهية التي يجب ان يعرفها كل  من ينتمي لحزب او حركة او تيار ايدلوجي بان الايدلوجية باعتبارها منظومة متماسكة من الافكار تتكون من عناصر اساسية وهي العنصر المعياري الذي يعبر عن نظرة الجماعة في الغرض الاخير من الحياة الاجتماعية والعنصر الثاني هو العنصر النظري الذي يتكون من معتقدات هذه الجماعة المعبرة عن موقفها من طبيعة الواقع الذي تحيا في كنفه وعن فهمها لمتجهاته ولنوع العلاقات القائمة ضمنه ، واستنادا الى ذلك فان الفهم الايدلوجي يجنبنا الوقوع في الاخطاء الشائعة وغير الشائعة التي يقع فيها الذين يتناولون الوضع العربي الراهن في دارستهم التحليلية ومقالاتهم التي تنشر على وسائل الاتصال المتنوعة والتي كانت ولاتزال لها دور كبير في التشويش على معطيات الواقع العربي الجديد ، فاذا كان المواطن العربي البسيط قد وصل الى حافة الجنون جراء التشويش فما بال الذين ينتمون الى حركات واحزاب وتيارات لها ايدلوجية واضحة المعالم ولها ستراتيجة وتكتيك ، ان من الخطاء الذي يجب ان نفهمه هو عدم قدرة البعض على التميز بين ماهو استراتيجي وماهو تكتيك مرحلي .
ان الاسئلة الجوهرية التي علينا طرحها والتي ستمكننا من الوصول الى نظرة واضحة وصحيحة حول مايجري في وطننا العربي والتي تقودنا  حتما الى فهم على صعيد النظر والممارسة في اتجاه تحقيق حياة اسمى وانبل واغنى هي: ـ
1 ـ ماهو النظام السياسي والاجتماعي الافضل لحياة الانسان؟
2 ـ ماهي الاهداف السياسية والاجتماعية التي في تحقيقها تحقيق لمصالح الانسان الحقيقية؟
3 ـ كيف يجب ان يكون تصورنا للحياة الجديدة؟
4 ـ مالذي يجب ان يشكل الهدف الاخير او مجموعة الاهداف الاخير للتقدم الانساني في مجتمعنا العربي؟
5 ـ هل النظام الراسمالي والامبريالي والشرق الاوسط الجديد الذي تدعونا اليه امريكا وتابعيها نظام مرغوب فيه؟
6 ـ هل الوقوف بالضد من المشروع الامريكي الصهيوني وبناء المجتمع العربي الواحد الحر والذي يتبنى النظرة الاشتراكية  علمية كانت او عربية هو الموقف المطلوب لتحقيق المجتمع الفاضل ؟
اعتقد ان من الحكمة والانصاف ان يضع الباحث والسياسي والمثقف العربي هذه الاسئلة وغيرها من الاسئلة امامه وهو يتعامل مع معطيات الواقع العربي الجديدة وبالوصول الى اجابات  حقيقية وصادقة وبعيدة عن التمترس والبداوة سيساهم في تنوير بصيرة الانسان العربي من المحيط  الى الخليج والذي سيقوده عدم الفهم والتشويش الى الجنون والكفر بكل ماهو مقدس.

أحدث المقالات