في كثير من الأحيان يصعب على معظم العراقيين فهم أو إدراك حقيقة مايجري فعلاً في العراق من أمور وأحداث وقضايا وممارسات سواء كانت على المستوى السياسي أو الأمني أو الإقتصادي أو الإجتماعي داخلياً كانت أم خارجية وأبعادها وتأثيراتها على عموم المجتمع ومستقبله . وأبسط ما يقال عن هؤلاء انهم جهلة وغير واعين لكل ما يحدث من حولهم ويفهمون الأمور عكس مضامينها الحقيقية ويرددون ما يوحى إليهم من قبل الرموز السياسية والدينية والعشائرية وبعض الشخوص ” الجهادية ” . والسبب في عدم الوعي والإدراك يعود الى عاملين رئيسيين أولهما إن الشخصية العراقية ومنذ الولادة ، سواء على المستوى العائلي أو الإجتماعي ، بنيت بشكل عام على أساس تقزيم وتقليص وتشويه وتقويض الشخصية الذاتية للفرد العراقي ، وثانيهما سلوك وممارسات النخب السياسية والشخصيات والرموز المشاركة أو المؤثرة في المشهد السياسي عموماً بإتجاه تعزيز هذا النمط من الأنحطاط وتذويب الشخصية الذاتية وجعلها شخصية تابعة لرمز أو لشخص معين مهما كان مستوى هذا الرمز تعلماً أم تحضراً أم إدراكاً أم قيماً وأخلاقاً ، فقط لكونه في موقع يؤهله ليكون رمزاً يتبعه ويخضع له الآخرون من أفراد الشعب . وما أدل على تقويض وتشويه الشخصية الذاتية للفرد العراقي هي ممارسات تقبيل الأيادي بشكل وضيع سواء كان ذلك على المستوى العائلي حيث يطلب ويجبر الطفل منذ نشأته على تقبيل أيادي من هم بمثابة العم أو الخال أو الصديق أو الجيران أو أي زائر للبيت ( أي تأصيل عادة تقبيل الأيادي ) مهما كانت درجة نظافتها ، أو على المستوى الإجتماعي كتقبيل أيادي المعممين ورجال الدين والتبرك بها وبوساختها حتى من قبل أعلى الشخصيات العسكرية منها أو المدنية ، أو تقبيل أيادي شيخ العشيرة عند دخول القطعان من البشر لمضيفه المتخلف أو تقبيل أيادي أو أكتاف الزعيم أو القائد الأوحد من قبل جميع رجال الحكم في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية بمناسبة أو غير مناسبة . كذلك هناك العديد من الشواهد التي تدلل على جهل معظم العراقيين وبساطة تفكيرهم وإدراكهم للأمور وتغييب عقولهم عن كل مايجري حولهم . ومن هذه الشواهد الموثقة إستقتال وتدافع أعداد غير قليلة من الأشخاص في مناسبات معينة للحصول على لعاب السيد ( أي تفلة بالعامية ) للتبرك بها وكل واحد يحمل فنجاناً أو وعائاً صغيراً لكي يحضى بهذا الشرف العظيم . والأخطر من كل ذلك قناعة معظم العراقيين بخطب رجال الدين التي ترٌوج لهم بأن مأساتهم في الحياة وتخلفهم ومعاناتهم في كل تفاصيل الحياة ما هي إلا إرادة الرب وأصحاب البيت ، وعليهم القبول والإقتناع بما أراده الله والرسول وأهل البيت وأهل الدعارة . ومعظم العراقيين ، مع الأسف ، فرحين بهذا الأسلوب من الحياة .
هذه عبارة عن مقدمة بسيطة فقط لبيان ضحالة الشخصية للفرد العراقي بوقائع وشواهد لكي نبين لاحقاً في مقالات أخرى مدى السطحية والتخلف في تفكير وتقييم معظم العراقيين للأوضاع السائدة حولهم وهم مغيبين عما يحدث في العالم المتقدم غير المرئي لهم لأنهم ليسوا بوعيهم الطبيعي بالرغم من التطور الهائل في وسائل الإتصال مع العالم الخارجي . والى مقالة قادمة تبرهن مدى ضحالة عدد غير قليل من العراقيين في تفكيرهم وإدراكهم للواقع العراقي منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الآن . وستكون المقالة القادمة النظرة الخاطئة عن الحشد الشعبي وحقيقته .