رغم ان امريكا ابُعدت عن اللعب بل عن مسطبة الاحتياط في سورية، وأجُلست على مدرجات المتفرجين، ولم يعد بوسعها ومقدورها ان تحدث اي تغير في مجريات الوقائع على الارض، الا رفع الصوت بالاعتراض عند حدوث امر لا يرضيها او التصفيق عند حدوث العكس.
الا ان حلفائها في المنطقة وخصوصا اسرائيل كانت تعيش حالة من الاطمئنان واستعراض القوة بسبب هذا التواجد الامريكي على الاراضي السورية رغم علمهم انها اصبحت هامشية التأثير فيها.
ترامب يقرر…
كالعادة ومن على منصة توتير، قرر الرئيس الامريكي سحب قواته من سورية، والانتقال الى ارض اخرى يعتقد انه سيكون قادر فيها على التأثير، بل لاعبا رئيسا فيها، ورغم ان هذه الارض ليست ببعيدة عن القواعد التي سينسحب منها، الا ان هذا القرار نزل كالصاعقة على حلفاء امريكا وخصوصا اسرائيل وقادتها، وبعد ساعات وبعد استيعاب صدمة الخبر والقرار، واستعادة وعيها شيئا فشيئا تحرك نتنياهو ليتصل بترامب ثم لقاء مع وزير الخارجية مايك بومبيو في برازيليا واستضافة مستشار الامن القومي جون بولتون في القدس المحتلة، هستيريا بالتحرك الاسرائيلي على كافة الصعد للتأثير على ترامب ودفعة للتراجع او اطالة فترة الانسحاب من سورية.
نتيجة لهذا الحراك مع هواجس الحلفاء الاخرين وضغط اللوبيات في امريكا، تراجع ترامب عن قراره وعلى لسان مساعديه وفسروا التغريدة بغير ما تحتويه من مفردات وما اعطته من رسالة ومعنى.
المجال الحيوي ( النفوذ) الامريكي …
في العام 2004 كتب تشالمرز جونسون -الباحث العلمي والمستشار السابق لوكالة المخابرات المركزية “أنّه بعكس باقي شعوب العالم فإن الشعب الأمريكي لا يدرك – أو بمعنى أدق لا يريد أن يدرك– أن الولايات المُتحدة تُهيمن على العالم من خلال قوتها العسكرية، لا من خلال الدبلوماسية”
لأمريكا 1000 قاعدة في اكثر من 137 بلد، في منطقتنا لها قواعد في الامارات والبحرين وعمان والسعودية والكويت والعراق وسوريا وتركيا بعديد قوات يتجاوز الــ 70000 جندي من مختلف صنوف القوات الامريكية الخمسة، ومن خلال هذا التواجد على الارض، يأتي نفوذها في المنطقة ومجالها الجيوسياسي الحيوي، ومنه يأخذ حلفائها استمرار وجودهم في حكم الدول بينما اسرائيل تأخذ منه وجودها وقوتها.
الارهاق من الحروب المكلفة، خفض الاعتماد على الشرق الاوسط وطاقته والتوجه نحو الشرق الاقصى، توترات بحر الصين الجنوبي، اعادة رسم مناطق النفوذ في المنطقة مع روسيا، تغلغل الصيني الاقتصادي، عدم الذهاب بعيدا بخسارة تركيا، الرغبة للتحول الى الداخل الامريكي، تنفيذ الوعد الانتخابي لترامب” امريكا اولا”، الانتخابات الرئاسية القادمة، كلها عوامل تدفع ان يكون هناك انحسار وتراجع في النفوذ والمجال الحيوي الامريكي في المنطقة.
الحقيقةُ المرة…
رغم ان خطوة ترامب لا تعني ترك المنطقة بالكامل بل الانتقال الى مسرح عمليات اقل خطورة واكثر تأثير وفائدة، الا ان حلفاء امريكا وخصوصا اسرائيل دقت ناقوس الخطر، وتحركت شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وفي كل اتجاه ممكن توصل من خلاله رسالتها الى دوائر التأثير والنفوذ في امريكا بان قرار ترامب عَرى اسرائيل وكشفت حقيقة ضعفها ووهنها وهشاشة قوتها وامكانية ازالتها.