16 نوفمبر، 2024 11:55 م
Search
Close this search box.

رواية مذكرات الحجر.. عبثية وسخف الحياة العادية لامرأة  

رواية مذكرات الحجر.. عبثية وسخف الحياة العادية لامرأة  

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (مذكرات الحجر) للكاتبة الأمريكية (كارول شيلدز) تحكي عن حياة امرأة عادية بطريقة سرد خارجة عن المألوف، حيث تستعين بآليات لافتة في سردها.

الشخصيات..

دايزي غودويل: البطلة، تبدأ الحكاية من يوم ولادتها وحتى وفاتها، هي سيدة عادية عاشت في الفترة ما بين 1905 إلى 1990 في كندا وأمريكا، ربة منزل عادية تزوجت ولها أطفال، لكن رغم ذلك تمتلئ حياتها بالوحدة وبالفقد، وتكتشف قبيل موتها أن حياتها كانت عادية بما يكفي للضجر.

ميرسي ستون غودويل: والدة البطلة، سيدة بدينة الجسد عاشت في ملجأ للأيتام لأنه لم يعرف لها أب، ثم تزوجت من عامل في المحاجر، وتوفت وهي تلد في عمر الثلاثين من عمرها.

سايلور غودويل: أبو البطلة، يصدم حين تموت زوجته ويكتشف أيضا أنها كانت تحمل مولودا لأنها لم تخبره بذلك، ثم يترك ابنته لتربيها جارة له ويعيش حالة من الضياع النفسي بعد وفاة زوجته، يبني خلالها برجا من الحجر على قبرها، ويشتهر هذا البرج أخيرا وتتاح له فرصة في العمل في أمريكا ليصبح ثريا، ويأخذ ابنته معه ويتولى رعايتها ثم يتزوج مرة أخرى في سن كبيرة ويموت في حديقة منزله.

 

كلارنيتاين فليت: جارة والدي البطلة، تتولى رعايتها وتربيتها، حيث تهجر زوجها وتأخذ الرضيعة وتعيش مع ابنها، ثم تموت حين تبلع البطلة 11 عاما في حادث سير.

باركر فليت: هو ابن السيدة “كلارنيتاين” الذي تولى رعاية البطلة، ثم بعد سنوات تتزوجه وتنجب منه  ثلاثة أطفال، وهو عالم في النبات، قضى سنوات عديدة من عمره بدون زواج ثم يموت في النهاية بالسرطان.

اليس: ابنة البطلة، تعيش في انجلترا فيما بعد وتتخصص في الأدب وتتزوج وتنجب أطفالا ثم تطلق.

وارن: ابن البطلة يتزوج مرتين ويعمل في مجال الموسيقى.

جوان: ابنة البطلة متزوجة وليها ثلاث أطفال وهي ربة منزل.

ابنة العم بيفرلي: ابنه شقيق زوج البطلة، تقع في ورطة حيث تحمل في طفل دون زواج، وتساعدها البطلة وتأويها في منزلها وتساعدها على تربية طفلتها ثم تموت بالسرطان.

فيكتوريا: هي ابنه ابنة العم بيفرلي، حيث ترعاها البطلة وتربيها وتصبح كابنة لها.

الراوي..

البطلة تحكي الرواية وتبدأ بالحكي عن أمها وأبيها وعن يوم والدتها، وتستمر في الحكي بصوتها، ويتخلل ذلك رسائل من أطراف عدة، تسد تلك الرسائل ثغرات كثيرة في السرد وتوضح معلومات هامة خاصة بالبطلة، كما تعطي الكاتبة للشخصيات فرص للحكي بأصواتهم لكن في مساحات قصيرة نسبيا، وحتى مرضها الأخير تظل البطلة تحكي، لكن بموتها يمكن القول أن الكاتبة استعانت براو آخر عليم، كما استعانت بقصاصات أوراق تستخدمها البطلة ووصفات طعام وأوراق تستخدم في الحياة اليومية، وتنتهي الرواية بموت البطلة وسرد بعض المعلمات على لسان ابنتيها.

السرد..

أهم ما يميز الرواية أن السرد غرائبي، حيث تتبع الكاتبة طريقة غير مألوفة في السرد، تحكي البطلة عن أشياء حدثت قبل مولدها، وتقفز قفزات كبيرة في الزمن حيث تتوقف عند أحداث هامة في حياتها، مثل الميلاد والحب والزواج والاكتئاب والمرض والموت، لا تتعمق كثيرا في دواخل الشخصيات أو تتوقف عند أحداث كثيرة، فقط تهتم بتصوير دواخل البطلة لكن دون عمق، ويظهر ذلك أكثر في فترة مرضها بعد أن بلغت الثمانين من عمرها، لكن جزء كبير من الرواية يظهر صوت البطلة وأفكارها نحو الحياة ونحو الشخصيات الأخرى، تقع الرواية في حوالي 432 صفحة من القطع المتوسط، والاستعانة بالرسائل وقصاصات الورق وبرصد الأشياء التي تحتفظ بها البطلة أعطى للسرد غرائبية محببة.

حياة عادية تقطعها أحداث كبرى..

تعاملت الكاتبة مع حياة البطلة على أنها حياة عادية تقطعها أحداث هامة، لذا توقفت عند تلك الأحداث الهامة وغطت باقي المعلومات عن حياة البطلة بحيل عدة من رسائل ومن حكي لرواة آخرين يحيطون بالبطلة، وأهم ما تتناوله الرواية هو صيرورة الحياة ما بين ميلاد وموت، بدأت الرواية بحكاية مأساوية عن موت أم البطلة وهي تلدها، وكونها أصبحت يتيمة الأم وتكفل جارتها برعايتها، ورغم أنها أصبحت أم ثانية لها إلا أنها قد عرفت إحساس الوحدة، خاصة عندما أصيبت بمرض الحصبة واحتجزت أيام عديدة في غرفة مظلمة، ثم عند موت الجارة تنتقل للعيش مع والدها وتحاول عاملة المنزل أن تعاملها بحنان لكن لا تتوقف الكاتبة كثيرا عند ذلك وإنما تذكره كإشارات.

ثم تكبر البطلة وتتعلم وتتزوج من أحد الشبان الأثرياء والذي يتصف بوسامة شديدة، لكنه يعاني من حزن كبير بسبب انتحار والده، لذا يرمي بنفسه من النافذة بعد يومين من زواجه منها، ومرة أخرى لا تنشغل الكاتبة أو البطلة بتصوير حجم المعاناة الداخلية التي عانتها البطلة وإنما تمر عليها دون تعمق، ثم وبقفزة أخرى تتزوج البطلة من “باركر فليت” دون حتى حديث عن علاقة رومانسية آسرة أو استفاضة في الحديث عن المشاعر ثم تنجب ثلاثة أبناء تربيهم، ويكبرون ويموت زوجها وتتحول هي من ربة منزل عادية إلى كاتبة مقال شهيرة عن النباتات، ثم تسحب منها هذه الوظيفة بمكر من صحفي آخر، فتدخل في حالة اكتئاب عميقة، ثم تتحرر منها لنجدها فجأة وقد أصبحت عجوز، ثم تأتي أمراض الشيخوخة والمعاناة مع الآلام والوحدة وانشغال الأبناء كل بحياته، ثم تودع في منزل للمسنين لا تكون راضية عنه ثم موتها .

عبثية وسخف الحياة العادية لامرأة..  

وكأن الكاتبة تتعمد أن تشعر القارئ أن الحياة في عاديتها الشديدة عبثية بسخف، فهذه الأحداث العادية المكررة التي تمر لكل النساء في العالم هي رغم عاديتها وتكرارها تنطوي على عبثية وسخف، خاصة حين تتساءل البطلة عندما تبلغ الثمانين عن جدوى ما مر بها، وعن جدوى تربيتها لأطفالها والذين يبتعدون عنها وينشغلون كل بحياته، وتحاول أن تعرف هل عاشت كما ينبغي، والكاتبة في ثنايا الرواية تطرح مثل هذه التساؤلات أيضا على لسان شخصيات أخرى، تتساءل هل استطاعت البطلة أن تمر بلحظات فارقة في حياتها، وأن تستمتع فعليا والإجابة هي لا، فلم تمر البطلة بلحظات ممتعة كالتي مرت بها أخريات، فمرت حياتها مغرقة في العادية، حتى زواجها كان عاديا ولم تكن تتبادل مع زوجها كلمات الحب، حتى أنها في النهاية وهي عجوز مريضة كانت تتساءل لماذا كان يسافر زوجها كثيرا، وتعترف أن هذا السفر الكثير كان يضايقها، لكنها لم تكن تعترض على ذلك، حتى أثناء ممارستها للحظات الحميمة مع زوجها كانت تستسلم وفقط ولا تبدي أي تفاعل ايجابي معه، وكانت أمها “ميرسي” تفعل ذلك أيضا.

كما تحكي الكاتبة عن “كلارنيتاين فليت” وكيف أنها هجرت زوجها بعد أن ملت منه ومن عدم إحساسه بها ومن فقدانه للحس الرومانسي، وكيف كانت تشعر بالخواء بعد سنوات عدة من الزواج ورعاية الأبناء، ورغم ذلك لم يعرف زوجها أبدا لم تركته زوجته، وعاش سنوات طويلة بعد موتها يشتاق إليها، كما صورت صديقة للبطلة هي “فريدي” وهي على النقيض من “ديزي”، فهي امرأة عاملة، كانت تقضي ساعات شاقة في العمل لتوفر المال الكافي لتعيش، كما أنها عاشرت عدد كبير من الرجال، ورغم ذلك كانت تحسد “ديزي” على حياتها العادية والهادئة، وعلى كون اهتماماتها بسيطة، فقط تربية الأطفال وتنظيف المنزل ورعاية الحديقة، لكنها أبضا كانت تشفق عليها لأنها لم تعش لحظات ممتعة، على الأقل على مستوى الجنس.

الرواية متميزة ترصد بطريقة غير عادية كيف أن الحياة العادية مملة ورتيبة، وباعثة على الضجر والشعور المضاعف بالوحدة، ورغم أن المرأة تعيشها ولا تعي بكل ذلك إلا أنها حينما تكبر وتنظر على حياتها من بعيد تكتشف سخفها.

الكاتبة..

ولدت “كارول آن وورنر” في “إيلينوي” في أمريكا في الثاني من يونيو عام 1935، ودرست في كلية “هانوفر” وجامعة “إكستر” في بريطانيا وجامعة “أوتاوا” في كندا حيث نالت الماجستير في عام 1956، وخلال زيارتها إلى بريطانيا التقت بطالب هندسة كندي، تزوجته بعد عام وانتقلت للعيش معه في كندا. وهناك عملت كأستاذة في جامعة “أوتاوا”.

كتبت “شيلدز” العديد من الروايات ومجموعة من القصص القصيرة منها، «السمكة البرتقالية» و«ماري سوان» و«عدة معجزات» و«جمهورية الحب». وحصلت كتبها على جائزة مجلس كندا الكبرى، وجائزتين من مجلة ناشيونال، والعديد من الجوائز الأخرى.

وحصلت على جائزة “بوليتزر” عام 1995 عن روايتها «مذكرات الحجر»، التي فازت أيضا بجائزة المحافظ العام عام 199. وروايتها هذه هي الكتاب الوحيد الذي فاز بهاتين الجائزتين معا. كما فازت بجائزة أورانج الشهيرة عن روايتها «حفلة لاري» عام 1998.

بدأت بنشر بعض القصائد حينما كانت في الثلاثينات من عمرها، وكتبت أول رواية لها «احتفالات صغيرة» عام 1976. وفي الأحقاب الثلاثة التالية كتبت ما يزيد على عشرين كتابا، بما فيها مسرحيات وشعر ومقالات وقصص قصيرة ونقد إلى جانب السيرة الذاتية لحياة الكاتبة “جين أوستن” التي كانت المثل الأعلى لها. كما ترجمت أعمالها لما يزيد على اثنين وعشرين لغة. أصدرت لاحقا بالتعاون مع صديقتها المحررة “مارجوري أندرسون” كتابا من الأدب الواقعي بعنوان «الخيوط الضائعة» ويضم مجموعة من قصص حياة نساء عاديات، تطوعن بكتابة سيرة مختصرة لحياتهن.

وفي عام 1998 اكتشفت “شيلدز” إصابتها بسرطان الثدي. وقالت بهذا الشأن «لقد جعلني هذا أقدر قيمة الزمن بصورة لم أدركها في السابق. وأنا أمضي وقتاً بالإصغاء، الإصغاء لما يدور حولي، بدلا من القيام بكل شيء بنفسي». في عام 2000 انتقلت هي وعائلتها لتعيش في فيكتوريا حيث وافتها المنية في 16 يوليو عام 2003 عن عمر يناهز الثامنة والستين.

حولت روايتها «ماري سوان» إلى فيلم سينمائي عام 1996 وكذلك «جمهورية الحب» عام 2000 الذي أخرجته “ديبا ميهتا”. أما روايتها «حفلة لاري» فقد حولت إلى مسرحية موسيقية. وروايتها الأخيرة «إلا إذا» نشرت عام 2000 وكانت ضمن القائمة الأخيرة المرشحة لكل من جائزتي بوكر وأورانج البريطانية .

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة