خاص : ترجمة – لميس السيد :
ترسم حرب الوكالة بين “إيران” و”المملكة السعودية” ملامح الشرق الأوسط وتشكل أحداثه ومسارات سياساته وفقًا لحالة الخصومة والمنافسة المستمرة على صعيد “حرب اليمن”؛ وتطلعات فرض السيطرة على منظمة (أوبك)؛ والوضع في “سوريا” و”العراق”.
ومن المتوقع أن تستمر الفوضى الإقليمية دون أن يلوح في الأفق أي حل على الإطلاق لـ”أزمة اليمن”، وصراع القوة في “سوريا” ما بعد الحرب، وسط تعزيز ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”، لسلطاته بطريقة غير مسبوقة داخل المملكة؛ وطموحاته الواسعة نحو ثورة ثقافية غيرمسبوقة وإصلاحات اقتصادية في “الرياض” بالتوازي مع مواصلة استنزاف الساحة اليمنية في ظل عدم التوصل لأي حل سياسي، ويستمر البقاء للصراع بين “السعودية” و”إيران”.
هل الصراع بين السعودية وإيران.. طائفي أم سياسي ؟
يعتبر دائمًا، المجتمع الدولي، أن “الطائفية” العامل المحفز لكل الصراع والصدامات في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من وجود اختلاف طائفي، ظلت “الرياض” و”طهران” تجمعهما علاقة ودية، خلال أوقات “رضا شاه”، لكن سيطرة الإيديولوجية الشيعية التي هي أساس “الثورة الإيرانية”، لم تكن سبب كافي لتحول الأصدقاء إلى أعداء، لكن محاولة الهيمنة والصراع من أجل حفاظ “المملكة” على موقعها المتفوق في المنطقة، كان هو السبب الرئيس وراء الخصومة “الإيرانية-السعودية”، من وجهة نظر مجلة (مودرن دبلوماسي) الأوروبية.
ظلت العلاقة بين “إيران” و”السعودية” في حالة من الصعود والهبوط إلى حين دخول القوات الأميركية، “العراق”، للإطاحة بالرئيس، “صدام حسين”، وحفز ذلك محاولات “إيران” لإمتلاك الأسلحة النووية الخطيرة.
أدت ثورات “الربيع العربي” إلى صراع “السعودية” و”إيران” في حروب الوكالة، حيث تحالفت “روسيا” مع “إيران”، و”الولايات المتحدة” مع “السعودية”، وكانت كل من “سوريا” و”لبنان” و”اليمن” هي حلبات الصراع الدائر بين “طهران” و”الرياض”، في صراع أشبه بحالة “الحرب الباردة”، عقب الحرب العالمية الثانية.
تتنافس الدول الأعضاء في “الأمم المتحدة” للقضاء على تنظيم (داعش). منذ الحرب العالمية الثانية، شهد التاريخ أن الشرق الأوسط حاول خمس مرات أن يكون لديه قوة عسكرية مشتركة لأمنه الإقليمي، من خلال “ميثاق بغداد”، “ميثاق التعاون الخليجي”، “حلف الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية”، “منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط”. لكن لسوء الحظ، لم ينجح أي منهم في إنشاء تحالف عسكري.
ومنذ قيام “الربيع العربي”، أخذت “المملكة” على عاتقها ثلاث محاولات لتكوين هيكل يشبه حلف (الناتو)، أي القوة العسكرية لدول “مجلس التعاون الخليجي”، وقوة الشرطة الإقليمية في دول “مجلس التعاون الخليجي” والقوة العربية المشتركة، إلا أن هذه الخطوات لم تكن مختلفة عن السابقة.
وفي عام 2015؛ حاول ولي عهد السعودية، “محمد بن سلمان”، إنشاء قوة عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب باسم “تحالف مكافحة الإرهاب العسكري الإسلامي”، (IMCTC). ومع ذلك، فإن أسسها غير واضحة المعالم حتى اليوم. فلما لا يضم التحالف أي دول شيعية، ولماذا “الولايات المتحدة” تشارك فيه كبلد غير مسلم وغير عربي، مما يشير إلى أن هذا التحالف العسكري قد صيغ ليس لمكافحة الإرهاب، ولكن لمواجهة التأثير المتنامي لـ”إيران” في المنطقة.
الطريق لإعمار دمشق.. مسرح جديد لحرب الوكالة..
لم يكن الشرق الأوسط يومًا منطقة يعرف عنها الاستقرار، وفي خضم هذا الاضطراب المستمر، شهدت الأيام الأخيرة من العام المنصرم، 2018، قرارًا للرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، أعلن فيه انسحاب القوات الأميركية من “سوريا” وترك مسؤولية البلاد في أيدي الروس والأتراك والإيرانيين؛ وبدء مشاركة “المملكة السعودية” بالمساهمة في إعادة إعمار هذا البلد المحتضر.
لكن السؤال هنا؛ هل سيجلب هذا الانسحاب الاستقرار للمنطقة، أم سيكون تدخلاً ماليًا في “سوريا”، وسيدفع السعوديين نحو مواجهة مع الإيرانيين الذين لعبوا دورًا رئيسًا في القضاء على (داعش)، خاصة أن إعلان “ترامب” قد يقرب المملكة من الحدود الإيرانية وسط بوادر حل الأزمة اليمنية وإصرار “لبنان” على إعلان تشكيل حكومة جديدة، فهل تصبح “سوريا” المسرح الجديد بين قوتين إقليميتين لا تصالح بينهما ؟
تتوافق كل من “إسرائيل” و”الولايات المتحدة” و”الأردن” و”المملكة العربية السعودية”؛ مع الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، حول هدف موحد وهو القضاء على نشاط “حزب الله” و”إيران” في “سوريا”، وفقًا لمسؤول أردني صرح بذلك، خلال الأسبوع الأخير من كانون أول/ديسمبر الماضي.
كما أكد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن وكالات الاستخبارات الأميركية ستزيد من التعاون مع “إسرائيل” و”الأردن” و”المملكة العربية السعودية”، خاصة في تبادل المعلومات الاستخبارية، في محاولة مشتركة لمواجهة محاولة “إيران” إنشاء ممر بري شيعي من “طهران” إلى “بيروت”.
وفي ضوء الانسحاب الأميركي من “سوريا”، يعتقد أن المقابل هو إجبار “السعودية” على المشاركة بإعادة الاعمار، وهي عملية ستكون محفوفة بالمنافسة والمصالح المتضاربة في ضوء الرفض المتوقع للشركات الإيرانية للتعاون مع “السعودية”، خاصة أن “النظام السوري” يفضل “الشركات الإيرانية”؛ وذلك بعد ترشيح وزيرالاقتصاد والتجارة الخارجية لنظام الأسد، “محمد الخليل”، لبعضهم.
ولا توجد معلومات فورية متاحة حول مبلغ التعهد من “المملكة السعودية”، أو في أي مجال سيتم ضخ الأموال إلى “سوريا”، ولكن هناك مزاعم تفيد بأن مشاركة “السعودية” في “عمليات إعادة الاعمار”، على الرغم من أنها ليست قوة فاعلة في المشهد السوري، هو وسيلة ضغط جديدة من الأميركيين على “السعودية”؛ بعد أزمة اغتيال الصحافي السعودي، “جمال خاشقجي”.
من ناحية أخرى؛ تحاول “السعودية” إثبات جدارة تولي مسارات الأمور في “سوريا”، بعد خروج “الولايات المتحدة”، وبزوغ نجم “تركيا” و”إيران” كلاعبين أساسيين في “سوريا”؛ بإمتلاكهم سياسات نشطة هناك، في محاولة لأن تصبح “السعودية” طرف فاعل في العملية السياسية في “سوريا” باستخدام القوة المالية طالما لا تقدر فرض قوتها العسكرية هناك.
سياسة “أوبك” وإجبار الخصوم على حوار مشترك..
تتسم دوائر النقاش، داخل منظمة (أوبك) – منظمة الدول المصدرة للنفط – بإيلاء المصالح المشتركة للدول الأعضاء ومحاولة إدارة محادثات إحترافية تفضي إلى خدمة أسواق النفط بعيدًا عن الخصومات السياسية بين الدول، ولكن العداء الطويل الأمد بين البلدين؛ وتوتر صناعات النفط لديهما، في 2018، جعل من الحوار الإحترافي أمرًا مستبعدًا.
تأسست منظمة (أوبك) من قِبل “إيران” و”المملكة العربية السعودية”، في عام 1960، (جنبًا إلى جنب مع العراق والكويت وفنزويلا)، خلال فترة إنهاء الاستعمار والتحول الاقتصادي في الشرق الأوسط. وينظر إلى المجموعة المنتجة للنفط على أنها طريقة لتحدي هيمنة شركات النفط الغربية التي تسيطر على معظم إمدادات النفط العالمية.
واليوم؛ “إيران” و”المملكة العربية السعودية” هما من أكبرالمنتجين في منظمة الـ (أوبك)، التي تضم الآن 15 دولة. و”المملكة السعودية”؛ هي أكبرمنتج في (أوبك)، وتورد 10.6 مليون برميل يوميًا، وفقًا لتقديرات تشرين أول/أكتوبر الماضي، التي قدمتها (أوبك)، مقارنة بـ 3.3 مليون برميل في “الجمهورية الإسلامية”، مما يجعلها ثالث أكبر مورد في المجموعة، بينما يأتي “العراق” في المركزالثاني؛ بإنتاج حوالي 4.6 مليون برميل في اليوم.
وعلى خلفية العلاقات المتوترة بين “المملكة السعودية” و”إيران” وحلفائهم وجيرانهم المختلفين، فإن (أوبك) هي في الواقع وسيلة لإبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة أمام البلدين، ولكن لا مفر من أن المنافسة موجودة من حيث حصة السوق وتعظيم الإيرادات، وان أي حوار يضطر الطرفان لإدارته يمكن تشبيهه بزواج من أجل المصلحة أو في لغة سوق النفط تحقيق أسعارمستدامة، على الرغم من الاختلافات السياسية العميقة.
ويمكن القول بأن تحالف “روسيا” مع “الرياض” وعقوبات الرئيس، ترامب”، النفطية على “طهران” غيّرت هذه الديناميات، كما غيّر خروج “قطر” من (أوبك)، اللعبة أكثر وكشف انقسامات أوسع.