يعتبر الاعلام المادة الخام للمعرفة، وتتبوأ الرسالة الاعلامية الصدارة بين عناصر الاتصال الثلاثة ( المرسل والمستقبل والرسالة ) باعتبارها اداة معرفة وتوعية وتوجيه واثارة وتحفيز وتمويه وتزييف. وتستخدم إما لضبط وقمع الجماهير ولغة لمخاطبة الغرائز وتزييف الوعي، كما في الانظمة الشمولية، حيث تعمل وسائل الاعلام لتمجيد الشخص وعبادة الفرد، وتنهار قيم حقوق الانسان، ويصبح الانسان مجرد اداة في ماكنة ( الحاكم – الفرد )، او أداة تساعد على غرس القيم الانسانية ومبادئ حقوق الانسان، وتعبئة الجماهير وتحريكها ودعم حركتها وواقعها : فهما وتأويلا وتغييرا.
وتشكل الرسالة الاعلامية النقطة المركزية في العمل الاعلامي، ويحدد دورها في التنمية الثقافية، مقدار ومدى ماتحمل من مضمون ثقافي وبعد انساني. وان هذا لا يشمل وسائل الاعلام الجماهيرية لوحدها ، انما جميع قنوات الاتصال التقليدية كالكتاب والصحافة والاعلام المرئي والمسموع وقنوات التواصل التي جاءت بها ثورة الاتصالات، ومنها الاقمار الصناعية والشبكات الفضائية وبنوك المعلومات لخزن المعلومات ونشرها حسب الطلب، التي اصبحت احدى مناجم الثروة والسيطرة على العالم. وهي الجزء العضوي من عملية العولمة الموضوعية الجارية في العالم في مختلف المجالات والمستويات.
ان ثورة الاتصال حرية باسعاد الانسان بوسائلها المتطورة وقنوات الاتصال كالاقمار الصناعية والشبكات الفضائية ومحطات اذاعة البث وانظمة البث التلفزيوني والكابلوتلفزيوني، ما جعل الثقافة تندمج مع وسائل الاتصال وجزءا اساسيا من وسائل النشر الثقافي. وان المحتوى الاعلامي يغتني يوميا بما يتدفق عليه من المنجزات الثقافية والبرامج ذات المضمون الانساني الرائع والقيم الصالحة لجميع البشر ولاسعاد الناس وتجاوز مشكلاته وتنمية افاقه الثقافية.
لقد ادركت المجتمعات المتطورة اهمية حقوق الانسان، بوصفها اساس الحرية والعمل والسلام على المستوى المحلي والعالمي، ونتيجة لتراكم التراث الانساني الاصيل وما صاحبه من جهود العاملين في المجال الانساني تمخضت عن انشاء منظمة الامم المتحدة، التي اسندت اليها مهمة اعداد وثيقة دولية لحقوق الانسان، وقد انجز القسم الاول منها، المتمثل بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي تم تقسيمه الى حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
فالرسالة الاعلامية هي النقطة المركزية في عملية الاعلام ودورها في التنمية الثقافية انما يحدده مقدارومدى ماتحمل من مضمون ثقافي. لذا فان رسالتنا الاعلامية ينبغي ان تحمل ، بعض ما تحمل ، نشر ثقافة حقوق الانسان وتربية الاجيال نحو الاعتراف بالاخر والحوار وثقافة التسامح بين القوميات المختلفة والديانات المتعددة والافكار والمذاهب السياسية. ومن الضرورة بمكان تخصيص مادة دراسية لنشر ثقافة الانسان وبخاصة في المؤسسات التربوية والعسكرية والشرطة والمدارس.
ان الديمقراطية تتطلب المشاركة الفعالة للمواطنين في شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والتنمية والحكم الرشيد، لذا يتوجب على وسائل الإعلام تعبئة المواطنين وزجهم في مجالات الحوكمة والتعليم والتثقيف، من خلال استخدام الآليات المؤثرة لتعزيز الحراك الديمقراطي والترويج لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وتوفير مصادر موثوقة لنقل المعلومة الى الجماهير عبر استخدام اللغات التي تنطق بها مكونات الشعب العراقي، وليس حصرها بلغة واحدة.
كما يمكن لوسائل الاعلام ان تلعب دورا مهما في بناء السلم المجتمعي وتعزيز النسيج الاجتماعي والمصالحة الوطنية ومقاومة العنف بكل اشكاله، وتهيئة الارضية المناسبة من خلال ضمان المعايير الاخلاقية والمهنية وبناء المهارات والقدرات الاعلامية اللازمة وتعزيز المساءلة الاعلامية للعاملين في مجال الاعلام.
ان وسائل الاعلام الهادفة والتي تتحلى باخلاق المهنة لا تخضع لتأثيرات ومصالح مالكيها، ولا تحيد عن مهمة الترويج للديمقراطية وتثقيف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم وحماية حقوق الانسان ونشر التسامح بين فئات الشعب وضمان ان تخضع الحكومات الى المساءلة والمحاسبة والشفافية وبناء ثقافة مدنية، في حين تلعب بعضها دورا معاديا لتطلعات الشعب والديمقراطية من خلال زرع الخوف والتمييز بين فئات الشعب ونشرالعنف المجتمعي.
وتلعب وسائل الاعلام في بلدان التحول الديمقراطي، دورا مهما في الساحة السياسية، خاصة في كشفها الحقائق المغيبة عن المواطنين، سواء في مجال سوء استخدام السلطة اوفي ملفات الفساد وغيرها. لهذا تخشى الطبقة السياسية وسائل الاعلام وتسعى الى، إما التقرب اليها أو معاداتها في حالة عدم اذعانها الى السكوت عن قول الحقيقة ونشر الفضائح الى الرأي العام. وتقوم بتشريع قوانين تحد من حركة وسائل الاعلام عبر التضييق المالي او استخدام العنف والاساءة اليها و تكبيل حريتها بشتى الوسائل، تصل احيانا الى اعتقالات واغتيالات.