اكثر من نصف شهر , الجهات الامنيه لم تتوصل الى معرفة من قاموا بالغارة النهاريه على اربع صحف عراقيه , على الرغم من تعهد الوكيل الاقدم للداخليه بكشف الفاعلين قريبا, وتعهده بتقديمهم امام القضاء العراقي.
مع ان الفاعلين معروفون وهم ليسوا افرادا بل جماعه تزيد على الثلاثين ,وكانوا يتنقلون في الاول من نيسان الحالي من منطقة ( البتاويين) في وسط بغداد الى (الوزيريه) في شماليها , ثم عادوا الى ( الجادريه ) في جنوبيها . وبالتأكيد مروا بطريقهم الطويل هذا بمفارز تفتيش , وان كانت لم تعترضهم , فعلى الاقل تعرفت عليهم , لانهم كانو قد استقلوا (ثلاث باصات ) كانت تسير مثل رتل عسكري!
واذا كانت الجهات الامنيه لم تتعرف على الفاعلين, فقد عرفهم بهم رؤساء تحرير الصحف التي اقتحموها , ثم ان وكيل الوزارة الاقدم قد ادلى بتصريح قال فيه ان احدى الكاميرات المنصوبه في مكتب احدى الصحف قد صورت الفاعلين , كل هذا والتحقيق لم يتوصل الى معرفتهم , وكأن الامر يحتاج الى ( شارلوك هولمز) للتعرف على الذين اغاروا على الصحف ودمروا محتوياتها وأهانوا وضربوا العاملين فيها. وبالتاكيد , ان التحقيق سينتهي الى نتيجه معلومه لدى الناس وهو ان الغارة النهاريه ستسجل ضد مجهول !
واذا كانت الصحف الاربع ماتزال مرعوبه من الغارة المتوحشه ويخشى العاملون فيها من عودة المعتدين مرة ثانيه كما توعدوا , الا ان هناك امرا خطيراً فاجا الوسط الاعلامي ,حيث اقام مكتب الصرخي ببغداد دعوى قضائية ضد احدى الصحف مطالبا بتغريمها ملياري دينار بعتبارها قد تهجمت على ( سماحته) ! وقد تم تبليغ الصحيفه من قبل محكمة الاعلام والنشر بيوم المرافعة (2013/4/11) , وقد أجلت المرافعة بعد ذلك لمصادفتها يوم عطله رسميه . يذكر ان الدعوى اقيمت من قبل مدير مكتب الصرخي في بغداد وليس من قبل (سماحته) شخصيا وهذا امرا مخالف للقانون وكان المفروض ان يقيم الصرخي الدعوى شخصياً او من قبل محام يكلفه رسميا بذلك . والغريب في الامر هو استعجال المحكمه في تبليغ الصحيفه بسرعه غير معهودة ( يوم واحد, فقد تقدم بالشكوى يوم 4/3- وبلغت الجريدة بيوم المرافعة يوم 4/4 .) في حين ان كل دعوى تقام لديها ضد احدى وسائل الاعلام كانت تستغرق شهورا, واحيانا ترد الدعوى من دون ان تبلغ وسيلة الاعلام المعنيه بها . وهذا الاستعجال اقلق الصحفيون واثار شكوكهم ايضا . وهو غير معتاد , ولابد ان يكون من ورائه طرف سياسي (حكومي تحديدا).. والا كيف يفهم هذا الاستعجال المبالغ فيه ؟
ومن نتائج(الغارة النهاريه) تلك ان احدى الصحف قد توقفت عن الصدور بعد ثلاثة ايام من الاول من نيسان . وحتى وان كان رئيس تحريرها لم يصرح عن اسباب هذا التوقف , لكن الامر فهم بأن اسرة تحرير الصحيفة ومالكها معرضون للخطر, وان لاجهة يمكن الوثوق بها لتأمين حمايتهم , وكذلك استنكاراً منهم لعدم الاكتراث الحكومي ازاء ماتعرضت له الصحف العراقيه .الاربع المستقله ..!
يذكر ان وزارة الداخليه , ومن خلال وكيلها الاقدم قد تعهدت للصحف المعتدى عليها بالحمايه, وخصصت سيارة نجدة لحماية كل صحيفه , ولكن بعد ايام تم سحب تلك السيارات ,مما اثار ريبة العاملين في الصحف الاربع !
يتحدث الوسط الاعلامي بمرارة عن واقعة الغارة المشؤومة على الصحافة المستقلة . ولايرى الكثير من الصحفين بأن امنهم مطمئن , وهناك من يرى ان مايدفع الى عدم الثقة بالاجهزة الامنية وكذلك القضاء الذي اظهر حرصاً غير مألوف على تمرير شكوى الصرخي ومطالبته بتغريم واحدة من الصحف مبلغا لاطاقة لها به , مما يضطرها الى الاغلاق وتشريد العاملين فيها , وهو الامر الاول المقلق والمريب , اما الامر الثاني فهو عدم توصل الجهات الامنية الى معرفة الفاعلين , رغم كل ماذكرنا وذكروا خصوصاً بعد ان وقع شريط سجلته احدى الكاميرات يظهر وجوه المعتدين على الصحافة. ومع ذلك لم تتعرف الداخلية على اي منهم . والامر المريب الثالث هوسحب مفارز الحماية من امام مباني ثلاثة صحف , اما الرابعة فقد كفتهم واغلقت ابوابها الى حين , متى لااحد يعرف ؟
خلاصة القول: ان الصحافة العراقية لم تعد محمية , ولم يعد العاملون بها مطمئنون على حياتهم . وقد ينعكس هذا الحال على ماتنشره , اذ يساورها الخوف اذ يفعل طرفا ما اخر مافعله المغيرون على الصحف في الاول من نيسان الحالي . وعليه اذاكانت الحكومة لاتعترض على ماتكتبه الصحافة العراقية من نقد ضدها , فأنها استحدثت وسائل اخرى لترهيب الصحافة واجبارها على ان لاتقول للحاكم على عينك حاجب!!