هناك تارة تصور خاطئ وعن غير علم، وتارة ادعاء غير صادق وعن علم، بأن منظومة الأخلاق مدينة للأديان، فلولا الأديان ما عرفت البشرية الأخلاق. بينما القيم الأخلاقية موجودة لدى الإنسان بالفطرة، فحتى الذي ينقض هذه القيم يعترف بأنها تمثل قيما عليا، كالصدق والعدل والمساواة والأمانة وحب الخير للناس، وإلى غير ذلك، بل هناك دراسات وتجارب علمية أجريت على الحيوانات، فثبت إن بعضها يميز بين العدل وعدم العدل، ويكون له رد فعل في ضوء ذلك.
قد يؤاخذني البعض في عدم التوقف عند القول إن الدين ليس هو المؤسس للأخلاق، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك بدعوى أن الدين هادم للأخلاق بشكل فعلي، أو على أقل تقدير يمكن أن يكون هادما للأخلاق، مع اعتذاري لعقلاء المتدينين المتحلين بالأخلاق السامية، قلوا أو كثروا، والذين يظنون أن أخلاقهم مدينة لدينهم وتدينهم.
فلنبدأ بأهم ركن من أركان القيم الأخلاقية، ألا هو الصدق، فالصدق رأس الأخلاق، فإذا فقدت الأخلاق رأسها، لم يكن لها وجود، فالجسد بلا رأس جسد مسيت، معرض قريبا للتفسخ والتعفن. وهنا نجد قولا ينسب لعلي، وهو «إن الصدق رأس الدين»، طبعا قالها لأنه كان يرى أن الدين هو الأخلاق، كما عبر حفيده جعفر الصادق «وهل الدين إلا المعاملة؟»، بل يعترف مؤسس الإسلام ونبيه محمد بأن الدين ليس مؤسسا بل مكملا للأخلاق بقول «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
أما لماذا قلت لنبدأ بالصدق رأس الأخلاق وأمها وأبيها، فذلك عندما نكتشف أن الدين الذي يدعى أنه صادر من الله ليس صادرا منه، بل هو اجتهاد بشري، سواء بحسن نية، أو بثمة نوايا ودوافع أخرى، ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن الدين قائم على مقولة غير صادقة، كي لا أستخدم تعبيرا يخدش مشاعر المتدينين؛ ولو إن النصوص الدينية طالما تخدش مشاعر غر المؤمنين به بشتى النعوت غير اللائقة والمهينة. وهذه المقولة غير الصادقة صدّق بها واتبعها ووالى وعادى من أجلها مليارات البشر، بل أريقت بحار من الدماء من أجلها، على مدى عشرات القرون، بل بلغت ألفيّةً ونصف، أو ألفيَّتَيْن، أو ثلاث ألفيّات سنوية، بحسب عمر كل من الأديان الثلاثة الرئيسة.