كتبت في عمود سابق عن الظواهر الداعشية المنفلتة حرة طليقة في جنبات مجتمعنا وتحت عنوان ” داعش ليس بندقية فقط ” ..ولست بمبتدع هذا الرأي ، إنه بكل بساطة ، توصيف لما يجري في البلاد من تسلل الفكر الداعشي بثوب مغاير ، فيبدو “أخلاقيا” عند البعض و “مؤتمناً” على الدين الاسلامي ونصوصه ..
وفي الوقت الذي نسعى لرأب الصدع والشروخ بين مكونات الشعب العراقي لإعادة اللّحمة الوطنية بيننا جميعا تحت لافتة المواطنة ومحاربة الفكر الداعشي الإرهابي التكفيري ، يتنطح لنا رئيس الوقف السنّي الشيخ مهدي الصميدعي وبلا حياء وبالضد من فقرات دستورية ومن توجهات حكومية رسمية ليقول لنا :
” إن الاحتفال بأعياد ابناء الديانة المسيحية لا يحوز شرعاً” وذكرت صفحة دار الإفتاء العراقية على فيسبوك أن الصميدعي قال “لا يجوز الإحتفال برأس السنة ولا التهنئة لها ولا المشاركة فيها ” ،وأرجع الصميدعي أساس تحريم الإحتفال بعيد الميلاد إلى فتاوى لكبار رجال الدين ومنهم إبن قيم الجوزية الذي يعتبر تهنئة المسيحيين في أعيادهم مشاركة في الشرك بالله ” !
لاحظه نصاً تكفيراً بإمتياز لرجل دين يشرف على لواءين من المقاتلين السنّة ضمن الحشد الشعبي !!
(وافق مجلس الوزراء العراقي على اعتبار 25 من كانون الاول من كل عام عطلة رسمية في جميع انحاء البلاد بمناسبة ميلاد السيد المسيح)
بعد الصميدعي.. يتنطع لنا أيضاً رئيس الوقف الشيعي: الإحتفالات برأس السنة فاحشة والمحتفلين بها سفلة وأراذل
فقد شكك رئيس ديوان الوقف الشيعي، علاء الموسوي بتاريخ ميلاد النبي عيسى (ع)، فيما عدّ الإحتفال بعيد الميلاد ‘فاحشة’ والمحتفلين بها ‘سفلة وأراذل” !
وقال الموسوي خلال محاضرة دينية متلفزة، أن “هذه الإحتفالات تشهد أفعالاً ماجنة ومنكرة وبعيدة عن الأخلاق والدين”، مؤكداً أن “المشاركة فيها غير جائزة” وإن “المشاركين في هذه الإحتفالات هم سفلة وأراذل “!!
ما شكل القراءة الفكرية لمثل هذا النص في بلد خرج للتو من ثوب البندقية الداعشية ومازال يقدم دماء ابنائه البررة وهم يلاحقون خلايا داعش النائمة منها والمستيقظة !
وما شكل التفرقة والتفريق وزيادة شروخ المجتمع؟
واليكم رد البطريركية الكلدانية التي شجبت فتوى الصميدعي وإعتبرتها “مفاهيم خبيثة”
لن نقدم الكثير من الأدلة لمراجع دينية من المذاهب الإسلامية ، وإكتفينا بالوقفين السني والشيعي بإعتبارهما مؤسستين من ضمن مؤسسات الدولة العراقية
التي نص دستورها في مادته السابعة (يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو التكفير او التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمهد أو يروج أو يبرر له).
كما نصت المادة ٢٠٠ من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل على عقوبة (السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات على كل من جذب أو يروج ما يثير النعرات المذهبية او الطائفية أو حرض على النزاع بين الطوائف والأجناس أو آثار شعور الكراهية و البغضاء بين سكان العراق).
كما نصت المادة ٣٧٢ من القانون نفسه على عقوبة (الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بغرامة من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية ومن تعمد التشويش على الشعائر الدينية ومن اهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية)
فيما نصّت المادة (٤٣) من الدستور العراقي النافذ لعام ٢٠٠٥ بأن (اتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية) وأعتبر (جريمة التحريض الطائفي من الجنايات) ومنع (التحريض على إثارة الفتنة الطائفية)، كما أن قانون مكافحة الإرهاب رقم ١٣ لسنة ٢٠٠٥ قد عاقب على جريمة إثارة الفتنة الطائفية باعتبارها من الجرائم الإرهابية، كما جاء في تعليمات واضحة لمجلس الوزراء (عدم السماح بإستغلال الوزارات ودوائر الدولة في خلق الفتنة والتحريض الطائفي).
والسؤال الذي نطرحه على السيد عادل عبد المهدي :
من المسؤول عن تطبيق القانون في البلاد وأنتم رأس السلطة التنفيذية في البلاد ؟
والسؤال نفسه نعيده على السيد رئيس الجمهورية برهم صالح بإعتباره راعياً للدستور والحفاظ عليه وبإعتبار مؤسسته جزءً من السلطة التنفيذية ؟
ونقول للوقفين معاً : إن المحتفلين بأعياد رأس السنة وميلاد السيد المسيح أكثرهم من المسلمين ويحتفلون سوية مع إخوانهم المسيحيين وهم من نخب المجتمع العراقي وليس أراذلاً ولا مشركين كما تشتهون !!