16 نوفمبر، 2024 8:37 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. حسين رحيم:  الكاتب يعمل على الجرح الإنساني بروح قلقة ومتحدية

مع كتابات.. حسين رحيم:  الكاتب يعمل على الجرح الإنساني بروح قلقة ومتحدية

خاص: حاورته- سماح عادل

“حسين رحيم”، كاتب عراقي، من مواليد 1953، وهو عضو اتحاد أدباء وكتاب العراق، وعضو اتحاد الدراميين، و عضو اتحاد كتاب الانترنت العراقيين، وعضو نقابة الفنانين العراقيين، وعضو الاتحاد العالمي للثقافة والأدب..

من أعماله:

1-  الِقران العاشر- رواية (الهيئة المصرية العامة للكتاب)  2007.

2- أبناء السيدة حياة – رواية، سوريا 2013.

3-  لعنة الحكواتي (مجموعة قصص) العراق، موصل.

4- الأخوة ياسين (مجموعة مسرحيات) العراق، موصل.

5ـ دمع العسل (ديوان شعر) لندن، بريطانيا.

6ـ حزن الخورنق (رواية) لندن، بريطانيا ( تحت الطبع).

إلى الحوار:

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • منذ بواكير نشأتي كنت صبيا مدهوشا بكل ما حولي من كائنات وكنت سعيدا لوجودي هكذا، وحين دخلت المدرسة أثارت انتباهي المكتبة بما فيها من كتب فلازمتها طويلا، وكنت أقطع من مصروفي اليومي لأستعير كتاب حتى أنهيت قراءة أغلب ما هو موجود فيها، وكنت أقضي فسحة بين الدرسين فيها حتى عينني مدير المدرسة أمينا لمكتبة المدرسة، أقوم بإعارة الكتب للتلاميذ نظير مبالغ رمزية، وكنت في الرابع ابتدائي وبعد مخاض طويل مع أكثر من فن كالرسم والتمثيل على المسرح وجدت نفسي أمارس صنع الحياة بتجليات الحرف العربي، فكانت القصة هي أول ممارستي (صبي ألأحلام) التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة مركز شباب الموصل ثم توالى مشروع الكتابة السردية عندي بعدها بروايتي ألأولى (القران العاشر).

(كتابات)  في روايتك (الِقران العاشر) التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام2007  لم اخترت أجواء السحر والانتقال في الزمن والأحداث الخارجة عن المألوف.. وهل يمكن تصنيفها ضمن الواقعية السحرية؟

  • ربما..لا أدري لكن للقارئ رأيه الذي احترمه، رغم إن مشغل السرد عندي خارج التجنيس النقدي، لأن النص السردي الذي يثير أكثر من تساؤل، ينم حتما عن تعددية الفهم لتعدد القراءات له، هو نص إشكالي، وهو أمر مهم عندي، فالرواية كتبتها بعد سنوات وقراءات في الأساطير والميثولوجيات، ومنها السحر الذي أخذ حيزا هو الآخر، كذلك تحطيم سواتر الزمن وانتقال البطل مابين الحاضر والماضي والمستقبل بحثا عن تعويذة جده (حاطوم) الأكبر للتخلص من لعنة مطارديه، وهذا الصراع مابين دونية أخيه ومثالية جده وضعته أمام أسئلة وجوده المتعين في الحاضر، لذلك كان مأسورا بهاجس البحث المدفوع بالريبة والخوف من نفسه وعلى نفسه.. من هو..؟؟ ولماذا هو دائما هكذا..؟؟. أحاطت به التعاويذ ودفعته إلى عمق الأسطورة وانساق لها..

(كتابات) في روايتك (أبناء السيدة حياة) استشرفت أحداث مستقبلية.. هل دور الروائي الإيغال في الأحداث والتحرك بحرية وعمق فيها والتنبوء بالمستقبل؟

  • أنا فاشل في الحديث عن رواياتي، لكن ربما الموصل نعم لأنها مدينة ظاهرها مغلق لكن باطنها مفتوح على العالم لذلك يعيش فيها أجناس وطوائف وملل عديدة، يجمعهم لغتها المائزة عن بقية المدن العراقية، إنها توغل عميقا في تاريخ الحضارات التي تعاقبت عليها من سومرية وآشورية وأكدية، الثور المجنح، تمثال آشور، بانيبال، مسلة حمورابي، وسور نينوى، الذي ما يزال شاخصا.

وكذلك شكل البناء والأزقة الضيقة المبنية بالجص والحجر بأكف معروقة ويرفع الخوف، أسوارها عالية، فكل ما وراء الأبواب مخيف ومن هناك دخلت إلى الرواية.. من ذلك المكان المحايث للزمن (عوجة الماتطلع) إنه محاط بحركة الأزمان الثلاثة، مقامات جديدة للخوف والتي تبدأ الحكاية من هناك من أنثى المدن (موصليا موصل)، يدخل صباح باحثا عن اسمه وجنسه وعن أمه (عين) بعد زمن اغترابه عنها مؤكدا ذكورته الحاضرة بعد إجراء عملية تحول جنسه، لكن صباح، الأنثى سابقا، الذكر حاضرا لن يهدأ حتى يجد أمه، وحين يحصل ذلك يجد أسطورتها التي صنعها غيابه عنها والتي تتنبأ له ولسكان (عوجة الماتطلع) بالخراب القادم وللمعلومات، أنهيت كتابة الرواية عام 2002 أي قبل الاحتلال الأمريكي بعام .

(كتابات) ما السر وراء التنوع في الإبداع مابين شعر وقصة ومسرح ورواية.. وأي هذه الفنون أقرب إليك؟

  • ليس هناك من سر, إنه قلق الوجود الذي عشته ومازالت تلك الأسئلة القديمة تحاصرني، لذلك كان التجريب دافعي الحقيقي لإثبات شخصيتي القلقة إزاء عالم متقلب يسير فيه الخير والشر جنبا إلى جنب، حيث اللاثبات واللااستقرار هو من يحرك الإنسان، فتنقلت بين أكثر من جنس أدبي فهناك المسرح والقصة والشعر والرواية فالإبداع لا ينمو إلا في رحم القلق والتوجس وتبقى الرواية مستقر روحي حيث أجدها هناك دائما.

(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في العراق.. وهل يمكن الحديث عن نهضة ثقافية؟

  • على أرض الواقع هناك شكل من حراك ثقافي في العاصمة بغداد من خلال شارع المتنبي، وهي نتاج جهود شخصية لأفراد، وكذلك في مدينة الموصل هنالك أكثر من ملتقى أدبي واجتماعي يقيم أصبوحاته وأماسيه أسبوعيا، ويشرف عليها شخصيات أدبية إضافة إلى اتحاد أدباء نينوى، إضافة إلى رصيف الكتب، وهي تجربة جميلة حقا رغم أنها مازالت خجولة لسبب واحد يشمل جميع النشاطات، أنها بلا أي دعم مؤسساتي ينهض بها ويوسعها في غياب المؤسسات الحكومية التي تعنى بالثقافة والمثقفين، لكن يبقى الأمر مبشرا بنهضة ثقافية قادمة على جهود شخصية.

(كتابات)  برأيك هل هناك حالة تدهور في المسرح العراقي وما هي الأسباب؟

  • ليس هناك من تدهور بوجود كليات ومعاهد للفنون الجميلة التي تقدم أعمالها داخل أروقتها، لكن المسرح مغيب في العراق وكذلك الدراما التلفزيونية والسينما، وهو أمر مؤلم لبلد يحمل تاريخا عريقا في المسرح وتجارب كبيرة في السينما، وهذا لن ينهض دون دعم حكومي وهو معدوم حاليا.

(كتابات)  في أدبك بشكل عام تبحث عن العدالة وعن معاني أخلاقية سامية.. برأيك هل بالضرورة يجب أن يكون الأدب معبرا بشكل أو بآخر عن المجتمع ويتوجه إليه؟

  • الأديب ليس مصلحا اجتماعيا وليس حارسا أمينا للفضيلة والقيم النبيلة، لأنه كائن رائي يصنع الجمال من قبح العالم.. الذي يراه بشكل أبعد من المنظور الاجتماعي الإصلاحي، لذلك هو يعمل على الجرح الإنساني أينما يكون بروح قلقة ومتحدية دائما.

(كتابات) هل قربت وسائل التواصل الاجتماعي الكاتب من قرائه من خلال تسهيل وصول نصوصه إليهم؟

  • نعم.. وسائل التواصل الاجتماعي كان لها الدور الأكبر في التقارب بين الكاتب وقرائه، وهو أمر جيد للكاتب نفسه الذي يرى قراءه من خلال ردود الفعل المباشرة على منشوراته، وأنا لدي أصدقاء يتابعون منشوراتي باستمرار واقرأ تعليقاتهم وأيضا أتابعهم وأتحاور معهم أحيانا.

(كتابات) عبر تجربتك الطويلة في الكتابة.. ما هي المصاعب التي واجهتك.. وما هو جديدك في الرواية وبقية الفنون؟

  • لم أجد أي صعوبة أو عائق في الكتابة، فأنا أكتب متى ما أريد.. وهذه هي المشكلة الحقيقة أما غيرها فهي مصاعب اجتماعية واقتصادية لا علاقة لها بالكتابة عندي. وجديدي أنهيت مؤخرا رواية بدأت بها قبل أربع سنوات وسأنشرها إن شاء الله ..وهناك أعمال مسرحية يطلب مني كتابتها أحيانا وتعرض في العراق أو بعض الدول العربية .

حقيبتي الصفراء التي…….

قصة لحسين رحيم

تمهيد:

إلى صديقيّ الرائعين.. نيقولاي وخورخي.. أيامنا معا.. كنا سوية.. صداقتنا التي مدت أذرع الحب لعمق سبعين عاما.. ويزيد.

معك نيقولاي.. تذكرت ذلك، قرية (ديكانكا) وبيوتها المرصوفة بالقرميد الأحمر وعسلها الملون بماء الشمس وعصير الذهب ودنان الخمور بلونها الأصفر وصديقك (القندلفت) وفمه الكمثري، صنبور الحكايا.. سترة إبليس الحمراء التي باعها لمراب يهودي، وسحرة بانوف زرقاء معقوفة وقنزحات خضر في مقدمة رؤوسهم.. أخبرني لم كان عجائز القرية يلقبونك بمربي النحل ذي الشعر الأحمر، رغم أن شعرك لم يكن أحمر ولم تكن مربيا للنحل.. هل كنت أجلس قبالتك أراقبك وأنت تنسج أولى خيوط معطف ذاك الحالم الطيار.. أكان اكاييفتش حين حلق عاليا فوق الجسر الخشبي وخلفه يهفهف معطف مثقل بآلاف القلوب المعطوبة التي ختلت في افيائه ..

معك يا خورخي..

أيها المقلد العظيم، في مكتبتك في بوينس ايرس، كنا نعلب سوية آلاف الكتب في أدمغة الرفوف، وعندما جاءك الآخر وأنت في كامبريدج جالسا على أحد المقاعد التي تطل على نهر تشارلز في شباط من عام 1969 وتلاوت ذراعاكما معا على ما سيكون هو.. لكنني تدخلت كالعادة وفضضت الاشتباك، لأنني عرفت بأنك ستخونني أجمل خيانة في العالم مفارقا إياي لتصبح خورخي لويس بورخس كما فعلها قبلك صديقي الآخر وخانني ليصبح نيقولاي كوكول لذلك سأخونكما بدوري.. سأفعل.. وافعل..

لا ادري من أين ابدأ وكيف، لكن ما أذكره يا صديقي أنني كنت جالسا في مقهى بشارع الدواسة اقرأ مذكراتي كتاجر أفلست ذاكرته فأخذ يفتش في دفتره القديم وعندما وصلت إلى اليوم الذي يقول فيه:

الجمعة 30 اذار 1973.. قرأت الآتي.. بعد مسير طويل. توجهت نحو موقف اباص.. ولأني كنت متعبا فلم أقف كشأن الشبان في مواقف الباصات.. على مبعدة مني جلست امرأة بوجه ممصوص ونهايات مدببة عند الأنف والحنك والشفة. كانت تحاول إضفاء مسحة من الوقار والكياسة على مرآها وذلك من خلال افتعال تقطيبة خفيفة هي أقرب إلى العبوس ما بين عينيها.. إلى يسارها شاب يرتدي زيا انتشر هذه الأيام.. ينجبس من عينيه شيء من الخوف والتهيب حين ينظر إلى المرآة.. في الطرف الآخر يقابلهما شاب ضجر وحزين وأيضا كان خائفا و.. ولا أدري كيف.. أما ما آثار انتباهي فإن الثلاثة لم تبد لأحدهم علاقة ما بالآخر لكنهم كانوا يتبادلون بضع كلمات ثم يعودون إلى صمتهم ونظراتهم القلقة.. الجامدة. لا أدري.. وأيضا.. كان هناك صغير يلعب وسطهم، فجأة أمسك هذا الصغير بحجر وأسقطه بقوة على مجرى آسن قرب الرصيف أمامنا فطار نثار من المياه القذرة على وجه المرأة.. شتمت الصغير بتقزز.. ضحك الشاب الخائف وبصق الشاب الضجر الحزين بعدها قالت المرأة:

سيأتي الشتاء.. نهضوا على أثرها جميعا مغادرين والصغير يركض خلفهم دون أن يعنيهم ذلك.. بعدها جاءت امرأة وفتاة مع صغير قبيح الوجه يرتدي (دشداشة) بيضاء ناصعة ينجرح وجلبة كانتا تنادياته (دختور).. (دختور) وهو ينط وسطهما كفرخ شمبانزي فجأة أطل رجل بشع الوجه والهيأة، وأخذ يتبادل النظرات مع المرأة مبتسما ببشاعة فتجيبه بابتسامة أبشع.. احتفى الصغير فجأة.. وكنت أول من شاهده ممددا في الجدول الآسن دون حراك أو نأمة منه والبياض الناصع لدشداشته قد أخذ هيأة الماء فتغير حالها.. نهضت الفتاة وحملت الصبي نزعت (الدشداشة) عنه ورمتها بعيدا بعد أن مسحت جسده المتغضن ..

صاح الرجل ذو الوجه البشع: تاكسي.. جاءت سيارة، تكلم مع سائقها بخفوت ثم فتح الباب الخلفي وركبوا جميعا تاركين الصبي العاري، ثم عاد الرجل ذو الوجه البشع وحمل الصبي بفرح وهو يصيح..

دختور.. دختور.. وغادروا !!

وأنا اقرأ.. فجأة كأني في مكان آمن.. صعد من قصر ذاكرتي وطفح من رأسي مغطيا جسدي بكليته.. كأي عودة حقيقية لشيء حميم سلت مني بغفلة لكني عرفت أن مرد ذلك هو رؤيتي لجندي يسير في الطرف الآخر من الشارع، قد علق على كتفه الأيمن حقيبة من المشمع الأصفر، تهتز بتناغم مع حركة عجيزته أثناء سيره المتعجل، وكان الحب والحنين يسبقهما انشداه وانشداد بالحقيبة وعيناي لا تحيدان عنهما، وكنت أهم بمعاودة القراءة لولا أن زاح الحنين برقصة فكشف لي ذلك و.. ياه . لقد عرفتها إنها حقيبتي التي أسقطها البغل من على ظهره ونحن نصعد مقتربين من قمة (جبل بيرس) كان حجمها يتضاءل وهي تنحدر في ذلك الغور العميق متخمة بكنز من الأشياء التي كانت ستوفر لي متعة لشهر أو اقل: كيس من (الكليجة) والمعكرونة دحسته أمي في قعر الحقيبة، رواية الأخوة كرامازوف، زوج من الجواريب الصوفية لشتاء الجبل، أدوات حلاقة مع خاولي.. الآن وبعد سبعة وعشرين عاما ما زال ألم مغارز تلك المرارة التي خلفها فقدان كنزي.. من أرض ذاكرتي القرعاء والتي جردتها مواشي التكرار والرتابة روضها..

نهضت مسرعا باتجاهه ناديته، استدار.. كان شابا من أوائل العشرينات . تبينت ملامحه، يا الهي أيعقل هذا، إنه وجهي، أعرفه جيدا.. أما هو فقد بوغت أيضا لكن وكأنه فهم شيئا ابتسم وتقدم، صافحني وقبلني قائلا:

أخي.. أخي.. دهشت لذلك.. قلت له..

ماذا أقول؟ ..و.. جاءني صوت مترع ببراءة وعذوبة لماض كبير في قلبي..

أخي.. أخي محمد غريب، ما بك، هل نسيت.. لقد عرفت انه يقصد شقيقي الكبير .. أجبته بتردد .

اعذرني يا بني.. فذاكرتي قد مست حصانا عجوزا في سباق التذكر..

من أنت؟ وجاءني صوته من ذاكرة القصر الطيب.

أنا.. أنا.. أخوك حسين..

حسين؟.. أي حسين

حسين رحيم.. وأنا في طريقي للالتحاق بوحدتي العسكرية.. يالرنين ذلك الصوت (يالجنوني) .. سريعا أمسكت بيده متجها إلى المقهى وإنا أردد مع نفسي.. إذن هل سأكون شبيها بأخي محمد غريب حين أكبر..

جلسنا، طلبت شايا وأعطيته سيكار، جاءني صوته مرتبكا ومعتذرا كالعادة..

تذكرت أنني لم أكن أعرف التدخين وقتها..

من يمنعني من شتم هذا الآفاق خورخي الذي حول لعنة الزمان إلى عصفور من نار وطيره باتجاهي ..

ابتدرني هو بالأسئلة عن أمي وأشقائي وشقيقاتي أن كان حدث شيئا لهم .. ماذا أقول.. يا له من رعب ولكي أتخلص منه ومن اللعبة كلها اختصرت الكثير من اللوبان ومناورات الكلام ورميت جملتي كسهم أو شق في أضلعه..

اسمع لا حاجة لما تقول.. أنا لست أخاك.. أجابني بخجلي ودهشتي نفسيهما اللذين غيرتها الأيام ..

إذن من أنت؟ وضعت كفي على كتفيه.

أنا هو أنت يا مغفل.. نظرت في وجهه فاصطبغ بتلك الحيرة التي لا حيرة مثلها في العالم حيرتي التي غيرها التاريخ الشخصي.. صكوك إدانة الماضي الذي طلى براءتها وعفويتها بطبقة سميكة من جلد براق للآخرين وجعله اسود بعيني.. لا أدري كان على أحدنا أن يأكل الطعم ويستمر مع الفخ حتى النهاية.. على أحدنا أن يكون داخل اللعبة كي يكون الآخر خارجها وهكذا تتحقق موازنة الحالم والأفقي.. ولأنه كان متراجعا وخائفا.. من التصديق فكان علي أن آخذ المبادرة نظرت في عينيه وقلت:

اسمع يا.. سأثبت لك ما تقول.. بيتكم في المنصور وغرفتك في سطح الدار ولونها أحمر من الداخل وأصدقاؤك: ع و ص و ز و ز و ش و س و.. و.. وحقيبتك هذه فيها كليجة ومعكرونة ورواية الأخوة كرامازوف و.. ستسقط من أعلى الجبل.. سنفقدها وتحمل معك مرارة الفقدان طويلا جدا.. و.. كنثيث مطر في كانون الموصل.. ياه لكم هو جريح/ مريح هذا الحكي وبمرارة خجلي قلت له:

ستسقط منك حقائب كثيرة.. حقائب غبية/ متخمة بالعزيز والنفيس من قلبك وتغادرك إلى الأبد..

وبكيت.. وضعت رأسي على كتفه كما لم أبك من قبل.. مد يده ومسد على وجهي الأربعيني.. أحسست كان سكينة مطلسمة كشطت عنه سبعا وعشرين طبقة من أعوام غطت على أي نأمة من عبث البراءة وريعان السذاجة.. وطفولتي المستعارة قصدا فأصبح ثقيلا.. ثقيلا.. في ابتسامته وغضبه وحزنه.. وقال لي:

أريد أن أحسب عدد شعرات البيض في رأسك.

بل احسب ما تبقى من الشعر الأسود.. أنا أعرف ما تريد.. لا حاجة بك لذلك.. لأني أريد ارتداءك كي ابدأ من جديد وأنقذ ما يمكن إنقاذه.. تجهمي وتقطيبي وذلك لحزن الذي يمرغ الساذج..

يا الهي.. هل سأكون شاعرا حين أكبر .

كلا.. لكنك ستشتغل معصرة للقلوب والدموع.. و.. إلى هنا قررت التوقف.. لكنه بإصرار الحالم الذي صدق هذياناته المنطقية أمسك بذيل معطفي وانهمر من فمه كم هائل من ثليجات أسئلة غطتني على الفور وعلمتني نشوة التذكر والتنكر..

لكني صمت كالعادة.. ماذا سأقول ونحن اثنان رمانا وواحد مكانا ولكن لا بأس لتمض في طريقك وليمتلئ بكل ما هو ضدك ولتعش كما أنت لا كما هم لأنك ستصلني حتما . وسأكتبك يوما فهكذا شاء من شاء وهكذا سأكون..

اذهب يا ولدي.. اذهب لقد كنت أمزح معك.. فأنا لا أعرف أدرت ظهري وعفته سائرا وهامسا: ولن أعرفك.. ولكي أتأكد بأن سيد اللعبة ما زال مقنعا أو مجهولا وبأن علينا أن نأكل الطعم دائما كي تحوينا الفخاخ والمكائد.. أكملت قراءة يومياتي وكان الخط المضطرب يقول قبل 27 عاما..

وأنا ذاهب للالتحاق بوحدتي العسكرية بعد انتهاء إجازتي التقيت رجلا قد غطى معظم رأسه الشيب.. حين تحدث أرعبني وأخرسني ثم عافني.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة