5 نوفمبر، 2024 3:42 م
Search
Close this search box.

عدونا الدكتاتورية وليس للدكتاتور

عدونا الدكتاتورية وليس للدكتاتور

بعض الأصدقاء ممن يهمني رأيهم وصداقتهم يحتاج لتوضيح مني حول موقفي مما حصل بالأنبار ومن حساسيتي من أي ممارسة تمجد النظام المقبور ودعوات أطلقها لمحاسبة أعوانه. وحتى أكون واضحا امام الكل يجب ان اكتب التوضيح للعام لاني اظن ان على الجميع أن يطلع ويعرف رأيي فيما جرى ويجري في العراق.
ما اكتبه قد لا يعجب انما اتمنى من الكل ان يتقبلني كما أنا عليه كما اقبلهم كما هم عليه.
بلدنا مر بفترة عصيبة في ظل نظام دكتاتوري ذاق فيها الشعب والوطن كل انواع المذلة والإهانة والضياع وكان لا يسمع صوت يعترض على ما هو عليه الوطن وإذا اعترض معترض يساق إلى أقبية السجون أو إلى المقابر السرية. الخوف كان رهيبا وزرع مع الخوف التملق والتجسس والخيانة وانهارت أخلاق المجتمع أكثر مع موجة الحروب وما رافقها من جرائم. تبدى هذا الانهيار في فترة التسعينات بعد أن خفت القبضة الأمنية كثيرا قياسا للثمانينات. الرشوة التي كانت ضربا من المستحيلات في السبعينات والثمانينات أصبحت فجأة شائعة في كل مكان حتى في الدوائر الأمنية نفسها. انتشرت الجريمة وكل من عاش تلك الفترة يذكر سرقة السيارات وإطاراتها والقتل صار سهلا وانكشف الغطاء عن الاخلاق المتدهورة التي بلغها المجتمع. هذا سببه كان نظام حكم وحشي لا يفكر إلا بفرد وعصابة.
عندما انهار النظام في 2003 ازداد الوضوح في رؤية هذا الانهيار الأخلاقي وكان من المؤمل لدى أغلب الناس ممن اكتوى من النظام الدكتاتوري ان يكون النظام الجديد نظاما يصحح الأخطاء السابقة ويعاقب المسيئين لكن ليس بالانتقام بل بحلول طبقة سياسية جديدة تحل محلهم تبني وتكون حاملة لذات القيم الأخلاقية التي حارب لأجلها المناضلون والمجاهدون وعارضها الأحرار.
لكن ما حصل هو العكس تماما فقد رفعت شعارات انتقامية للتمويه وبالمقابل عادت نفس الأساليب الدكتاتورية وممارساتها بأسماء وعناوين اخرى ومن نافذة اخرى اسمها الانتخابات والديمقراطية. وبدلا من القضاء على الظلم من الفرد وعصابته صار عندنا أفراد وعصابات وبدلا من القضاء على الرشوة صار عندنا تعامل علني بالرشوة وبدلا من حاكم فاسد يسخر كل ثروات العراق لنزواته وغرائزه هو والمقربين منه صرنا نرى نفس الممارسة لكن من زعامات متعددة. كل الذي تغير كان واحد فصاروا وحدانا. وهامش الحرية الذي حصل ليس لأن هؤلاء الوحدان الطغاة الظلمة يمنحون الناس حرية بل لأنه فراغ اضطراري يقع بين تناقضاتهم والشعب يستثمر الفرصة ليتحرك من خلاله وتعبر عن رأيها مستفيدة من نزاعاتهم والا فان الحقيقة أنهم كلهم لا يهتمون لمطلب او اي صوت معارض يصدر من الناس وعندما تكبر الجموع وتتعالى الاصوات الخارجة عن ارادتهم يتوحدون ضدها. ولو قدر ان اتفقوا ان يكونوا حزبا واحدا ورجلا واحدا فسوف يحدث نفس الذي حدث في النظام السابق بالضبط واسوأ.
الحروب هي الحروب نفسها والضحايا هم الضحايا نفسهم و المجتمع المنقسم على نفسه هو ذاك المجتمع وما كان سرا مخفيا وتحت العباءة في زمن الدكتاتورية صار علنا جهارا.
معارضة الدكتاتور بالنسبة لي وللكثير ممن عارضه لم تكن ابدا لانه من القرية الفلانية أو الطائفة العلانية او الحزب الكذائي بل فقط لأنه دكتاتور يسلب الحرية ويقتل الانسان.وكل من يفعل ذلك فإني على تقاطع تام معه ولو كان أخي وابن ابي وامي. لأن كل هذه العناوين الدينية والقومية والحزبية لا ترفع أحدا كما أنها لا تقلل من قيمة آخر. إنما عندما يعاد إنتاج الدكتاتور من جديد وتبرير جرائمه بأن من جاء بعده فعلوا اسوأ منه فهذا غباء في التعامل بنظري بل جريمة لا يسكت عنها. هذه الجريمة تبيض لوجه الافعال الاجرامية وتبرير لكل الفاشية الي ارتكبت بحق الوطن والشعب وعندما يسكت عنها فهذا يعني أنك تقبل بالممارسة لكن بوجه طائفي او مناطقي او حزبي خاص بك ولا تشعر بمضاضة منها.
الشعوب الحية عندما تمر بتجربة مريرة تبقى تذكرها لعشرات بل مئات السنين ليس من باب التاريخ ولا الحقد ولا العنف السادي، بل حتى لا يعاد ارتكابها ثانية ولا تعود للحياة من جديد تعالوا انظروا الى اوربا كيف تعامل النازية بعد سبعين عاما بكل قسوة وقوة هل اوربا تعاني طائفية وحقد داخلي أم لأنها اكتوت من النازية ولا تسمح بعودتها من جديد والوقاية مهما كانت صعبة فهي خير من علاج قد لا ينفع بعد استفحال مرض قاتل خبيث.
لذا أقول بوضوح جدا هل تعرفون السبب فيما يجري حاليا من فساد واستهتار بالقانون وبرأي الناس وظهور جماعات مسلحة لا يقوى عراقي على انتقاد زعامتها لأنه يخشى التصفية الجسدية كما كنا نخاف من انتقاد القائد من قبل . كل هذا الاجرام يحصل بسبب واحد هو أننا بدلا من الاتعاظ مما حصل في أيام الدكتاتور المقبور سمحنا لأعوانه وهم عشرات الآلاف بالعودة مجددا للحياة بلا حساب ولا أدنى عقاب مما شجع أمثالهم على ارتكاب نفس افعالهم لان عقاب على الجريمة. كل الذي حصل مجموعة صغيرة جدا من رأس النظام عوقبت اما الاخرون فكلهم وجدوا أن الأمور لا ضير فيها وعادوا يعيشون مطمئنين. هذا لم يسمح لهم بالحكم ثاية وحسب بل جرأ كل ضعاف النفوس على ان يكونوا بعثيين وإن لم ينتموا كما قالها صدام من قبل. لأن ضعاف النفوس وهم كثيرون جدا عرفوا اللعبة وهي أن تكون انتهازيا للحزب وقائده المغوار وتتكلم علنا باسم المذهب والطائفة والشعارات وانت تفعل كل ما يخالف المحتوى الحقيقي وتسرق وتقتل وتعتدي لن يحاسبك احدا. وإذا سقط النظام اخلع الزيتوني وأطلق ذقنك مع محبس وسبحة وسينتهي الامر واذا سقط النظام من جديد انظر ماذا يلبسون واتبعهم ولن يصيبك ضرر.
المدافعون عن الحرية والوطن سيبقون مضطهدين ويقتلون ويسجنون مرة جديدة لأنهم لا يعرفون كيف يغيروا من اشكالهم فهم لهم شكل واحد. والشعب يبقى تحت الظلم وتحت حراب الأجنبي.
لم نكن ايام الدكتاتور مستقلين الا بالشكل وإلا كانت تحرك الوضع اجندات اجنبية مرة تدفعنا لحرب هنا والى قتال هناك وعندما استنفد النظام فائدته عوقب العراق كله على غباء حكامه وخضوعهم لتلك الأجندات.
والعقاب صار ما يحصل الآن فبدلا من ان يكون العراق من قبل حربة يذبح أبناءه بأموال خليجية و اجندة امريكية. صار الآن يذبح أبناءه فيما بينهم وكل الدول تتدخل فيه. لا ينكر أحد التدخل الإيراني والخليجي والامريكي (وغيره مما يخفى على العامة ويعرفه أهل الشأن) في العراق وكل من له اطلاع يعرف ان العراق بلا قرار وكل الصراعات السياسية ليست صراعات عراقية ابدا سوى أن اوجه المتصارعين فيها عراقية ولكنها صراع خفي بل علني بين محاور اقليمية ودولية والعراقيون لا ناقة لهم فيها ولا جمل .كل متابع فطن يعلم جيدا ان الحرب الطائفية لم تكن سوى حربا بين محور أمريكي خليجي مقابل محور إيراني وكلنا يعرف ان سقوط الموصل وداعش وبحور الدماء التي نزفت كانت وجها لصراع امريكي -اسرائيلي خليجي مقابل محور ايراني. وان الارهابيين كانوا يهربون من السجناء بصفقات حكومية وأن المدن كانت تسقط بصفقات من نفس الطبقة السياسية
ولا تغرنكم المواقع إن كان بالحكم أو ما يزعمه انه بالمعارضة لأن كل الطبقة السياسية النافذة الآن هي تعمل لجهات خارجية ومنها تأخذ تمويلها واحدة من الشرق وأخرى من الغرب. ولا يوجد أي حزب أو كتلة سياسية تعمل باستقلال .
لو تحركنا كشعب حي وعاقبنا أعوان الدكتاتورية ولم نبرر لهم جرائمهم وأفعالهم بحسب انتمائتنا لما ظهر إلينا كل هؤلاء ولو عاقبنا من نفذ اجندة خارجية في حروب عبثية طيلة الثمانينات انتهت الى لا شيء لما دخلنا حروبا طائفية ومع داعش ولكن لاننا وللاسف وأقولها بحرقة نبرر الجريمة لصاحبنا بحسب انتمائنا فسوف نبقى نذبح ونقتل ونسبى ويتدخل ويتلاعب بنا كل محيطنا الخارجي.
إذا كان نظاما مثل نظام الدكتاتور المقبور مع كل الجرائم التي حصلت في زمنه وبعد سقوطه لم نسمع بمحاكمة أي عنصر من عناصر الامن والامن الخاص والمخابرات والاستخبارات وفدائي صدام مع ان الجرائم يعرفها كل عراقي الا محاكمة صدام على سخافة ما جرى فيها والنهاية الفاشلة التي انتهت إليها، فهل تتوقعون ان احدا سوف يقدر على محاسبة ميليشيا مدججة بالسلاح في دولة الفوضى واللا قانون؟
وحتى اكون غير مبالغ في طلبي اقول لا اريد منكم ان تحاسبوا كل عناصر الأجهزة القمعية المسؤولين عن المقابر الجماعية والسجون الرهيبة ومديريات الأمن الفظيعة بل أقول إن صداما اعتقل وعذب وأعدم رفاقه من حزب البعث وقتلهم شر قتلة. أخرجوا لنا أسماء الذين قتلوا وعذبوا هؤلاء بدءا من عبد الخالق السامرائي وعدنان حسين ومحمد محجوب وعبد الكريم الشيخلي ومرتضى الحديثي ومنيف الرزاز وشفيق الكمالي و راجي التكريتي وبيت هزاع التكريتي قدموهم للمحاكمة ولتعاقبهم وفق القانون وسوف أصدق بعدها أن هذا النظام الحالي نظام يؤسس لدولة قانون وبعدها لن أخاف من عودة احمق او مجنون يرفع صورة دكتاتور. إني لا أرى في رفع الصورة الا دورة جديدة من الظلم والدم لن تتوقف وكل مرة تأتي تحت شعار وكل مرة باسم حزب وبدين ما ومذهب آخر ولكن يجمعها شيء واحد وهو بطشها وظلمها وعدائها للإنسان.
إنهم لا يرفعون صورة دكتاتور ولكن يهتفون لحياة الديكتاتورية وأكثر من يستفيد منها هو الفاسد السارق القاتل الفاشل الذي يحكم الان لانها احسن طريقة لتكريس ممارساته بحجج طائفية. وعلى المثقفين ان ينتقدوا الممارسة لانها سم زؤام وخطر داهم وتمجيد لسلطة فاسدة خلفت سلطة أفسد وليس لان اسم صدام يخيفنا فصدام لم يخفنا وتحديناه عندما كان في أوج عظمته وسلطته وعندما كان غيرنا يخشى أن يسمع باسمه ولا يصفق، كنا نهتف ضده ونحن في دهاليز المعتقلات السرية التي لا تراها حتى الشمس و امام اسماع وانظار الجلادين ولم نخش الموت الذي كان ينتظرنا. موت لم نخشاه في ربيع اعمارنا لا نخشاه ونحن في خريفها لا منه ولا ممن خلفه. منهجنا واحد لن يتغير.

أحدث المقالات

أحدث المقالات