لم اتحمس يوما لمشاهدة مسلسل ( وادي الذئاب ) التركي ولم تجتذبني رجولة مراد علم دار او اخلاص رفيقيه ميماتي وعبد الحي لأن نسبة سفك الدماء فيه دون حسيب او رقيب تجعل المسلسل خارجا عن الواقع وصورة مشوهة للمجتمع التركي الذي لايحترم القانون وهو ماكان يحدث ايضا في افلام المافيا القديمة فاظنها مبالغة سينمائية ، ذلك اننا اعتدنا ان يصبح المواطن مجرما اذا ماقتل احدا وتطارده السلطات ويحاكم كما اعتدنا ايضا ان يكون القتل حقا تمارسه الحكومات حصرا اذا ما(زعلت ) على الشعب او ارادت معاقبته وعادة مايكون القتل اما بزج الرجال في حروب لاداع لها ويحسب المقتول فيها (شهيدا ) –على سبيل الترضية وامتصاص النقمة – اوبدفن عدد كبير منهم في مقابر جماعية كعقوبة رادعة لمن يحاول التطاول على الحكومة او اعدام البعض الذي يجرؤ على مخالفة خط السير الذي ترسمه الحكومة للشعب ويجب الا يحيد عنه وهنا يدفع اهل المعدوم ثمن الرصاصات التي قتل بها وتكتم الامهات او الزوجات نشيجهن امام جثمان الابن او الزوج لأنه (خائن ) في نظر الحكومة ولايستحق دمعة واحدة !
حين جاء زمن التغيير ، تصورنا ان يتحول القتل الى فعل يمارسه الخارجون على القانون فقط فيحاسبون اشد الحساب لأنهم يشكلون حجر عثرة في طريق بناء دولة ديمقراطية لكنه تحول الى مهنة يمارسها كل من يعاني من البطالة او يؤمن بافكارمتطرفة او خارجية هدامة ، وهكذا تساقط آلاف العراقيين تحت اقدام الطائفية المقيتة واحداث العنف الدموي والتفجيرات التي تفرزها الازمات السياسية المتواصلة ..ورغم ذلك ، وبعد ان تم لنا مااردنا وغاب المحتل جسدا لاروحا وتم تسليم السلطة لنا واستمتعنا بتلويث اصابعنا بالحبر الازرق وبخوضنا تجربة انتخابات حقيقية حتى لو كانت نتائجها محسومة مقدما وخاضعة لمحاصصات ومجاملات لاتخلو من استخدام ( العين الحمراء ) في الوصول الى السلطة ، صار لابد ان يعود القاتل مجرما يحاسبه القانون فيامن المواطن بالتالي من ان يقتله مواطن مثله كما يتجنب القتل على يد السلطة اذا ماسار – جنب الحيط – كما يقول اشقاؤنا المصريون ، لأن القتل دائما وكما عودتنا حكوماتنا هو حق مشروع للسلطة فقط ..
اعتقد اذن ان مسلسل وادي الذئاب التركي بدا من نسج الخيال لأن تركيا في ظاهرها بلد مستقر امنيا وخاضع لسلطة القضاء وبالتالي لايمكننا ان نصدق ماتفعله العصابات فيها من استهتار بالقانون ، اما لدينا فماتزال مسلسلات القتل الواقعية تحدث يوميا دون رادع قانوني والاغرب الا تخجل السلطة وهي تسمي تلك المسلسلات باسماء (مسلسل قتل الكفاءات ) و( مسلسل قتل القضاة ) و(مسلسل قتل الاطباء )ومسلسلات عديدة آخرها مسلسل قتل المرشحين للانتخابات في قوائم بعينها ..والاغرب من ذلك ان يتم القتل في وضح النهار وامام اعين رجال السلطة من حرس وشرطة فلا يتدخلون في الحوادث الا بعد حدوثها كرجال البوليس في الافلام السينمائية ثم يتبخر القتلة مع مركباتهم دون ان يوقفهم (سونار ) اومفرزة …
يقودنا هذا المسلسل الجديد الذي تنتجه جهة مدعومة ماديا الى التساؤل عن دور الحكومة في هذه المسلسلات، فهي اما ان تكون عاجزة تماما عن ردع المجرمين وطمأنة المواطن من شر اخيه المواطن او ان عائدية هؤلاء القتلة هي للسلطة اصلا وانها تقتل المواطن العراقي ليس (زعلا ) منه او (عقوبة ) له بل (تصفية ) لكل من يعترض طريقها حتى لو سار-تحت الحيط وليس جنبه – لأن القتل مازال كما يبدو حقا مشروعا –للسلطة فقط -!!