المتوخى من الانتخاب في الديمقراطيات السليمة ، هو تغيير في الأشخاص او تغيير في الوجوه على أمل تغيير السياسات ، وهذا ما يحصل في بريطانيا مثلا وهي مثلنا تأخذ بالنظام البرلماني ، بالتناوب بين حزب العمال وحزب المحافظين ، يعني تغيير جذري في التوجه والمعالجة للأمور المختلف عليها وطنيا ، او حتى تغيير رئيس الوزراء للحزب الحاكم نفسه يشير إلى تبدل في النهج او المسيرة، وهذا ما نشهده اليوم بالنسبة لرئيسة الوزراء تريزا ماي ، حيث اختلفت معها فئة كبيرة من حزب المحافظين بشأن عملية الخروج من الاتحاد الأوربي ، فقد صوت حزب المحافظين بمسألة طرح الثقة بقيادة ماي ، وهي احترامنا لتاريخها اخذت عهدا امام الحزب بعدم الترشيح ثانية لقيادته، ، وحصلت على تصويت بالأغلبية لصالحها ، لكن الانقسام أخذ يدفع باتجاه طرح الثقة البرلمانية بها ، وربما برلمانيا سوف لن تحصل على الأغلبية لمعارضة حزب العمال لطريقة ماي في مسالة الخروج من الاتحاد الأوربي ، كذلك تجد معارضة من القومي الايرلندي وغيرها من الأحزاب الاخرى ، فتغيير السياسات هي نتاج تغيير الأشخاص سواءا كان ذلك على صعيد البرلمان او ا لكابينة الحكومية، غير أن ما يجري في العراق هو عكس ما يرتجى من الديمقراطية ، فتغيير الأشخاص فيه لا ينتج تغيير السياسات ، لأن الدورات البرلمانية العراقية هي نسخ متتالية لذات الوجوه ، او حتى لو كان هناك من تبدل في بعض الوجوه ، إنما هو تبدل تكتيكي مقصود للإبقاء والهيمنة الحزبية التقليدية على البرلمان ، ولو استعرض أي منا الدورات البرلمانية منذ الجمعية الوطنية ، لوجد المستعرض ذات الوجوه وذات السياسات وذات التوجهات ، ولا تختلف كتلة عن أخرى الجميع (الشيعي ،السني، الكردي ، التركماني ، المسيحي، الايزيدي، ) كلهم يحملون ذات الصفات الوراثية السياسية القائمة على تفضيل الذات وتغليب الانا الطائفي والقومي والاثني ، ولا تغليب للوطني، وهكذا يداول الله السنين بين العراقيين وهم في مكانهم لا يراوحنه منذ الانقلاب الامريكي على شعب العراق لا على نظامه البائد ، ولقد ساهمت جهالة الكثير من الناس في تكوين برلمانات تحمل صفات وراثية برلمانية غير منتجة للقوانين المطلوبة اجتماعيا او اقتصاديا ، بل ظلت جميع الدورات ، عبارة عن دورات مناكفة ومعاكسة ومنابزة ، أثمرت عن قوانين هزيلة تماما ، ذات مواضيع لا تتناسب وحجم مشاكل البلد ، كثيرة الهفوات ، مما تطلب تعديلات متلاحقة ، او جاء بعضها مخالفا للدستور، ومن مشتركات الدورات البرلمانية ، أن البرلماني يعد نفسه تنفيذيا، فهو ولغرض شخصي يطلب من الوزارات تعين هذا الشخص او ذاك ، واخرها فضائح النواب الجدد في التعيين في وزارة الدفاع ، او البرلماني في كل الدورات رجل اعمال يسعى للتدخل في النقاط الحدودية والكمارك او يسعى لاستيراد مواد مخالفة للمواصفات المحلية او العالمية ، وغيرها من المشتركات المخزية .
ان البرلمان في الديمقراطيات الغربية ، هو الحاكم الحقيقي للبلدان فهو المشرع وهو المراقب وهو الموجه لأمور السلم والحرب ، وما السلطة التنفيذية إلا نتاج نهجه وميوله وسياساته ، فكلما كان النهج وطنيا واقعيا ، كانت ا لكابينة الوزارية منتجة ومنفذ للقوانين ، غير ان ماهو معمول به في العراق اليوم أن السياسات واحدة والأمراض متشابهة والفساد صفة مستمرة لا يراد مغادرتها رغم تبدل الوجوه ، لأن العيب لا في أعضاء البرلمان ، بل العيب في الكتل التي تدفعه إليه ، وما دامت هذه الكتل غير قابلة للتغيير فإن البرلمان هو الآخر لا يخضع للتغيير ، مهما تعاقبت الدورات ، العبرة لا بالدورات بل العبرة بالسياسات. وسيظل البرلمان واحدا مهما تعاقبت كل هذه الدورات…