كنا جلوسا في بيت أحد اﻷصدقاء المشهود لهم بالكرم وحسن الضيافة بإنتظار – الدولمة – التي تجيد زوجته طبخها بطريقة تفوق الوصف كانت قد ورثتها عن جدتها ليس بمقدور وﻻ أبرع Top Chef في الشرق اﻷوسط أن يأتي بمثلها ، وهي عادة درجنا عليها منذ سنين مضت كلما أصابنا الإحباط بفعل اﻷحداث المتسارعة في العراق لرفع المعنويات الهابطة بالطعام اللذيذ غير آبهين بمعدلات السكري والضغط الصاعدة من جراء تناول الوجبات الدسمة في مثل هذه الحالة ، وأثناء فترة الإنتظار وفيما كانت روائح الطعام الزكية تجتاح – خشومنا – من كل حدب وصوب، تناقلت نشرات الأخبار أمامنا أنباء تفيد بأرجحية إعتماد أنشودة ( سلام عليك على رافديك) لكاظم الساهر ، نشيدا وطنيا جديدا للعراق ولكن بشروطه هو ومنها الحصول على موافقة مجلس النواب وأن تؤدى بمعية كورال من طلاب المدارس ، هنا تعكرت اﻷمزجة ، ،تخبثت الخواطر ، أكفهرت اﻷجواء ، إمتقعت الوجوه ، وأدلى كل ضيف بدلوه ودار حديث شائق برغم شجونه ، وأخذت المعلومات الماتعة تنساب واحدة تلو اﻷخرى من هذا الضيف وذاك لتداعب أسماعنا قبيل قدوم – صينية الدولمة – التي ينقطع بحضورها وحضرتها الكلام !
مؤكد أن إنزعاجنا لم يكن مرده الى أنشودة الساهر الرائعة وهي أشهر من نار على علم ، وإنما من جراء التغيير السادس للنشيد الوطني وما يصاحبه في العادة من تغيير العلم ، والشعار ، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921والى يومنا هذا ،ولعل تنوع ثقافات وتخصصات رفاق مائدة – الدولمة – المستديرة بين مؤرخ وشاعر ومصحح لغوي ومترجم وموسوعي وإعلامي، كان لو دور كبير في إثراء الجلسة بدفق من المعلومات ماكنت ﻷحصل عليها دفعة واحدة هكذا مجانا بغير مستفزات ومؤثرات خارجية أحدثت عصفا ذهنيا عندهم على نحو تغيير النشيد الوطني في أحرج حقبة تأريخية يمر بها ..وطني !
ومما دار خلال الجلسة ،أن النشيد الوطني الصيني ( مسيرة المتطوعين ) والذي أعتمد عام 1945 لم يتغير الى اﻵن برغم كل ما ألم بالصين من تغيرات وعلى الصعد كافة في بلاد التنين الصيني التي تضم خلف سورها العظيم 1.386 مليار نسمة ، النشيد الوطني الفرنسي (لامارسييز ، أو البؤساء ) أعتمد عام 1795 وظل برغم كل ما مرت به فرنسا من هزائم وإنتصارات وثورات وصولا الى – السترات الصفر – من دون تغيير يذكر سوى بعض التغيرات الطفيفة التي طرأت عليه مطلع سبعينات القرن الماضي ، بدوره النشيد الوطني الهندي (جانا غانا مانا) الذي صاغه شاعر الهند الكبير طاغور ، عام 1911 ليتم اعتماده عام 1950 لم يتغير الى يومنا في بلاد المليار و 300مليون نسمة ، ولم يختلف الحال كثيرا مع النشيد الوطني الاميركي ( الراية الموشحة بالنجوم) للشاعر فرانسيس سكوت ، الذي أعتمد عام 1931، وكذلك النشيد الوطني البريطاني (فليحفظ الله الملكة) والذي يعد من أقدم الاناشيد الوطنية في العالم .
ولاشك أن ما أثار إستغرابنا أكثر هو ذلكم الجدل المحتدم في مواقع – التقاتل – الإجتماعي بشأن هل ” سرق ” الساهر لحنه من ، الموسيقار العراقي لويس زنبقة ، و هارموني ” السلام الجمهوري ” الذي اعتمده العراق بين 1958- 1963 ، أم إنه مجرد توارد خواطر ﻻ أكثر كما زعم ذلك بعض الباراسايكولوجيين العِظاميين وبعض العظّامة ؟ !
هذا الجدال العقيم فتح أمامنا تساؤلات عديدة تمخضت بدورها عن تساؤلات جديدة ، أولاها لماذا يصار الى تغيير النشيد الوطني ، العلم العراقي ، شعار الدولة ، بل حتى تأريخ يوم الشهيد مع كل نظام حكم عتيد ، ومع كل عهد سياسي جديد، إضافة الى الشروع بإزالة النصب والشواهد والجداريات من الساحات والميادين العامة بمعاول كل نظام صائل ، مستهدفة رموز أي نظام زائل ولتستبدل بغيرها وهكذا دواليك منذ 90 عاما والحبل على الجرار ؟
لماذا إعتمد العراق على كولونيل انكليزي لوضع السلام الملكي ظل يعزف بين 1924- 1958 ولم يعهد به الى ملحن عراقي أو عربي على اﻷقل لتلحينه ؟ لماذا عهد السلام الوطني بعد – سحل العائلة المالكة مع الوصي ونوري باشا السعيد في شوارع بغداد – للويس زنبقة والذي يرى بعض النقاد الموسيقيين أن أنشودة – سلام عليك- للساهر تكاد تكون نسخة طبق اﻷصل عنه على حد وصفهم ، ومن ثم وبعد سقوط الزعيم عبد الكريم قاسم وإعدامه بمبنى الإذاعة ورمي جثته في نهر دجلة والتي لم يعثر عليها حتى الان بحسب ما يشاع ، أستبدل العلم والسلام الجمهوري والشعار ليصبح ” والله زمن ياسلاحي “كلمات المصري صلاح جاهين ، ألحان المصري كمال الطويل ، بين 1963- 1981، ليتم تغيير السلام الجمهوري مجددا الى ” وطن مد على اﻷفق جناحا ” كلمات شفيق الكمالي ، الحان اللبناني وليد غلمية بين 1981- 2004، وليبدل خلالها العلم أيضا بإضافة – الله اكبر – لتتوسط نجماته الثلاث ، ومن ثم – خير، خالة شكو ، شنهو الخبر دحجيلي ؟!- تم إستبدال السلام الجمهوري والعلم مجددا أثناء محاكمة صدام وقبل إعدامه شنقا حتى الموت وهذه المرة بـ ” موطني ..موطني” .
سألني أحد الجائعين بمعية أحد المتلهفين للدولمة ، ترى لمن هذا النشيد ..عيووووني ،مؤكد إنه لملحن عراقي ولشاعر من بلاد الرافدين ، اذ من المستحيل أن يعهد بتلحين ونظم كلمات معظم أناشيدنا الوطنية لغير العراقيين مع وجود فائض في الملحنين والشعراء المحليين المبدعين ، ليس على مستوى العراق فحسب وإنما على مستوى الوطن العربي كله ؟!
قلت : مو عيب اغاتي ، إنه من كلمات الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان , والحان اللبناني محمد فليفل!!
ومازال الحديث يدور حول إعتماد نشيد وطني جديد هو – سلام عليك – للساهر وكل جديد من هذا النوع سيرافقه ويتزامن معه بالتأكيد تغيير العلم وربما الشعار الجمهوري ايضا ،والجدل مازال محتدما بشأن – هل سرق الساهر اللحن من زنبقة، أم لا ؟ ولا أستبعد ظهور بعض المؤرخين ليجزموا لنا بأن – زنبقة – الذي مات عام 1979وقبل ان يعرف الجمهور من يكون الساهر ، هو الذي سرق اللحن منه وليس العكس ، شخصيا ﻻ استبعد ذلك كما لا استبعد أن بين زنبقة والساهر ..ضاع نشيدك وفلوسك ياصابر!!
احمد الحاج
كنا جلوسا في بيت أحد اﻷصدقاء المشهود لهم بالكرم وحسن الضيافة بإنتظار – الدولمة – التي تجيد زوجته طبخها بطريقة تفوق الوصف كانت قد ورثتها عن جدتها ليس بمقدور وﻻ أبرع Top Chef في الشرق اﻷوسط أن يأتي بمثلها ، وهي عادة درجنا عليها منذ سنين مضت كلما أصابنا الإحباط بفعل اﻷحداث المتسارعة في العراق لرفع المعنويات الهابطة بالطعام اللذيذ غير آبهين بمعدلات السكري والضغط الصاعدة من جراء تناول الوجبات الدسمة في مثل هذه الحالة ، وأثناء فترة الإنتظار وفيما كانت روائح الطعام الزكية تجتاح – خشومنا – من كل حدب وصوب، تناقلت نشرات الأخبار أمامنا أنباء تفيد بأرجحية إعتماد أنشودة ( سلام عليك على رافديك) لكاظم الساهر ، نشيدا وطنيا جديدا للعراق ولكن بشروطه هو ومنها الحصول على موافقة مجلس النواب وأن تؤدى بمعية كورال من طلاب المدارس ، هنا تعكرت اﻷمزجة ، ،تخبثت الخواطر ، أكفهرت اﻷجواء ، إمتقعت الوجوه ، وأدلى كل ضيف بدلوه ودار حديث شائق برغم شجونه ، وأخذت المعلومات الماتعة تنساب واحدة تلو اﻷخرى من هذا الضيف وذاك لتداعب أسماعنا قبيل قدوم – صينية الدولمة – التي ينقطع بحضورها وحضرتها الكلام !
مؤكد أن إنزعاجنا لم يكن مرده الى أنشودة الساهر الرائعة وهي أشهر من نار على علم ، وإنما من جراء التغيير السادس للنشيد الوطني وما يصاحبه في العادة من تغيير العلم ، والشعار ، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921والى يومنا هذا ،ولعل تنوع ثقافات وتخصصات رفاق مائدة – الدولمة – المستديرة بين مؤرخ وشاعر ومصحح لغوي ومترجم وموسوعي وإعلامي، كان لو دور كبير في إثراء الجلسة بدفق من المعلومات ماكنت ﻷحصل عليها دفعة واحدة هكذا مجانا بغير مستفزات ومؤثرات خارجية أحدثت عصفا ذهنيا عندهم على نحو تغيير النشيد الوطني في أحرج حقبة تأريخية يمر بها ..وطني !
ومما دار خلال الجلسة ،أن النشيد الوطني الصيني ( مسيرة المتطوعين ) والذي أعتمد عام 1945 لم يتغير الى اﻵن برغم كل ما ألم بالصين من تغيرات وعلى الصعد كافة في بلاد التنين الصيني التي تضم خلف سورها العظيم 1.386 مليار نسمة ، النشيد الوطني الفرنسي (لامارسييز ، أو البؤساء ) أعتمد عام 1795 وظل برغم كل ما مرت به فرنسا من هزائم وإنتصارات وثورات وصولا الى – السترات الصفر – من دون تغيير يذكر سوى بعض التغيرات الطفيفة التي طرأت عليه مطلع سبعينات القرن الماضي ، بدوره النشيد الوطني الهندي (جانا غانا مانا) الذي صاغه شاعر الهند الكبير طاغور ، عام 1911 ليتم اعتماده عام 1950 لم يتغير الى يومنا في بلاد المليار و 300مليون نسمة ، ولم يختلف الحال كثيرا مع النشيد الوطني الاميركي ( الراية الموشحة بالنجوم) للشاعر فرانسيس سكوت ، الذي أعتمد عام 1931، وكذلك النشيد الوطني البريطاني (فليحفظ الله الملكة) والذي يعد من أقدم الاناشيد الوطنية في العالم .
ولاشك أن ما أثار إستغرابنا أكثر هو ذلكم الجدل المحتدم في مواقع – التقاتل – الإجتماعي بشأن هل ” سرق ” الساهر لحنه من ، الموسيقار العراقي لويس زنبقة ، و هارموني ” السلام الجمهوري ” الذي اعتمده العراق بين 1958- 1963 ، أم إنه مجرد توارد خواطر ﻻ أكثر كما زعم ذلك بعض الباراسايكولوجيين العِظاميين وبعض العظّامة ؟ !
هذا الجدال العقيم فتح أمامنا تساؤلات عديدة تمخضت بدورها عن تساؤلات جديدة ، أولاها لماذا يصار الى تغيير النشيد الوطني ، العلم العراقي ، شعار الدولة ، بل حتى تأريخ يوم الشهيد مع كل نظام حكم عتيد ، ومع كل عهد سياسي جديد، إضافة الى الشروع بإزالة النصب والشواهد والجداريات من الساحات والميادين العامة بمعاول كل نظام صائل ، مستهدفة رموز أي نظام زائل ولتستبدل بغيرها وهكذا دواليك منذ 90 عاما والحبل على الجرار ؟
لماذا إعتمد العراق على كولونيل انكليزي لوضع السلام الملكي ظل يعزف بين 1924- 1958 ولم يعهد به الى ملحن عراقي أو عربي على اﻷقل لتلحينه ؟ لماذا عهد السلام الوطني بعد – سحل العائلة المالكة مع الوصي ونوري باشا السعيد في شوارع بغداد – للويس زنبقة والذي يرى بعض النقاد الموسيقيين أن أنشودة – سلام عليك- للساهر تكاد تكون نسخة طبق اﻷصل عنه على حد وصفهم ، ومن ثم وبعد سقوط الزعيم عبد الكريم قاسم وإعدامه بمبنى الإذاعة ورمي جثته في نهر دجلة والتي لم يعثر عليها حتى الان بحسب ما يشاع ، أستبدل العلم والسلام الجمهوري والشعار ليصبح ” والله زمن ياسلاحي “كلمات المصري صلاح جاهين ، ألحان المصري كمال الطويل ، بين 1963- 1981، ليتم تغيير السلام الجمهوري مجددا الى ” وطن مد على اﻷفق جناحا ” كلمات شفيق الكمالي ، الحان اللبناني وليد غلمية بين 1981- 2004، وليبدل خلالها العلم أيضا بإضافة – الله اكبر – لتتوسط نجماته الثلاث ، ومن ثم – خير، خالة شكو ، شنهو الخبر دحجيلي ؟!- تم إستبدال السلام الجمهوري والعلم مجددا أثناء محاكمة صدام وقبل إعدامه شنقا حتى الموت وهذه المرة بـ ” موطني ..موطني” .
سألني أحد الجائعين بمعية أحد المتلهفين للدولمة ، ترى لمن هذا النشيد ..عيووووني ،مؤكد إنه لملحن عراقي ولشاعر من بلاد الرافدين ، اذ من المستحيل أن يعهد بتلحين ونظم كلمات معظم أناشيدنا الوطنية لغير العراقيين مع وجود فائض في الملحنين والشعراء المحليين المبدعين ، ليس على مستوى العراق فحسب وإنما على مستوى الوطن العربي كله ؟!
قلت : مو عيب اغاتي ، إنه من كلمات الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان , والحان اللبناني محمد فليفل!!
ومازال الحديث يدور حول إعتماد نشيد وطني جديد هو – سلام عليك – للساهر وكل جديد من هذا النوع سيرافقه ويتزامن معه بالتأكيد تغيير العلم وربما الشعار الجمهوري ايضا ،والجدل مازال محتدما بشأن – هل سرق الساهر اللحن من زنبقة، أم لا ؟ ولا أستبعد ظهور بعض المؤرخين ليجزموا لنا بأن – زنبقة – الذي مات عام 1979وقبل ان يعرف الجمهور من يكون الساهر ، هو الذي سرق اللحن منه وليس العكس ، شخصيا ﻻ استبعد ذلك كما لا استبعد أن يبيض الديك هاهنا في بلاد مابين النهرين يوما ما !!
في هذه اﻷثناء صاح بنا المقعد -المتقاعد علوان – وعمره 70 عاما ” دعوا السلام الملكي والجمهوري وشأنهما ، العلم الملكي والجمهوري ، الشعار الملكي والجمهوري ، إنها تغيرات لن تنتهي في العراق وهلموا اليّ بحبوب الضغط والسكري ومذيب الدهون من أقرب صيدلية بالدين لحين ميسرة على أن يكون التسديد نهاية الشهر وعند تسلم الراتب التقاعدي لكوني مفلسا حاليا وأنا الوطني بن الوطني الذي ما خنت وﻻقصرت وﻻ زايدت وﻻسرقت يوما وطني، سواء داخل أو خارج موطني ..وقبل أن نجيب طلبه واذا بـ طرااااخ تصم اﻵذان ، واذا بأم – سلوان – تصرخ بأعلى صوتها من المطبخ “يبووووو جدر الدولمة وكع بالكاع !!”
هنا لم نتمالك أعصابنا وأصبنا بمقتل فإستعرنا جملة فيلم ” الابطال “الشهيرة التي جاءت على لسان فريد شوقي وهتفنا بصوت – أوبرالي – واحد ” ضاعت فلوسك ياصابر ” .!اودعناكم اغاتيواحد ” ضاعت فلوسك ياصابر ” .!اودعناكم اغاتي