في مطلع ثمانينيات القرن الماضي كانت بيروت محطمة مثل إمرأة مغتصبة مزقت ثيابها، وتهدل شعرها، وهي ملقاة على قارعة طريق النسيان، وكانت الحرب الأهلية على اشدها، وكانت البنايات تنهار على رؤوس ساكنيها، وكانت الحكايات كلها مفجعة، وكان الزعماء يقتلون ببشاعة، وكان الناس يهاجرون الى اصقاع الدنيا، وكان الجميع يتوقع الاسوأ. فالمليشيات تتوزع الأحياء، وتحولها الى معسكرات ومتاريس وسجون، وكانت الدبابات الإسرائيلية تتوغل في الجنوب، وكان العالم يتفرج.حينها غنى الشاب راغب علامة أغنيته الأثيرة:
ياحبيبتنا بيروت شو صاير بالدني
بيروت يابيروت دخلك لاتنحني
كان يناشد مدينته أن تنهض من الركام، وتعود الى الفرح، وكادت ان تعود، وظل راغب يغني حتى شاخ وتقدم به العمر، لكنه يكاد ينتهي على اليأس، بينما سياسي يطالب برأسه لأنه غنى أغنية جديدة عن ضياع لبنان، وليس فقط بيروت، حملت عنوان ( طار البلد)
أغنية طار البلد كتب كلماتها نزار فرنسيس الشاعر والصديق الأثير للفنان الراحل ملحم بركات، يقول فيها:
صار الوقت صار الوقت يا ناس
نصرخ على العالي
ما في وقت. طار البلد يا ناس
وين هي العدالة
عم تنطفي الأحلام
والوعي فينا نام
كلمالا لقدّام… عم تصعب الحالة
خلص الحكي
وعم بشتكي مافي حدا سامع
والمعركة
والمعركة عم تبدي صار الوطن واقع
خلص الحكي ومش بالبكي يرجع وطن ضائع
بيكفي حكي بيكفي حكي صار الوطن واقع
زاد القهر زاد القهر والجوع دقق على ابوابن
وين العدل وين العدل والدموع تنزل على ثيابن
هالارض وين ماكان عم يكبر الحرمان
حلم الاهل هربان هاجر مع ولادان
خلص الحكى وعم بشتكي مافي حدا سامع
والمعركة والمعركة عم تبدي صار الوطن واقع
خلص الحكي ومش بالبكي يرجع وطن ضائع
بيكفي حكي بيكفي حكي صار الوطن واقع
حكمت بك سياسي لبناني هدد راغب علامة ان يطير راسه جزاءا على هذه الأغنية، واثار جدلا لكنني أستطيع أن أجزم بأن بين اغنيتي( ياحبيبتنا بيروت) و(طار البلد) مسافة كافية ليعرف علامة ان لبنان رغم كل هذه السنين والفواجع والأغاني لم يعد، وربما طار بالفعل، وهي أغنية تشرح حال عواصم العرب الكئيبة. أراد مدينة ففقد وطنا.