18 ديسمبر، 2024 11:45 م

المبالغة بمدح الزعيم وذمه ..صفة عراقية بإمتياز!

المبالغة بمدح الزعيم وذمه ..صفة عراقية بإمتياز!

لن تجد وسطا بمدح الزعماء وذمهم في العراق إطلاقا ، فالزعيم يساريا كان أم يمينيا ، ملكيا أم جمهوريا ، سنيا أم شيعيا ، عربيا أم كرديا أم تركمانيا ، مسلما أم مسيحيا ، بنظر عموم أتباعه من الجماهير المحبة – عوام القطيع – هو ولي صالح يمشي على الماء ويطير في الهواء ، عبقري يفوق آينشتاين ذكاء ، أديسون إختراعا ، الكسندر فلمنك إكتشافا ، نابليون دهاء ، عنترة بن شداد شجاعة ، المتنبي فصاحة ، الحسن البصري زهدا ، لقمان حكمة ،افلاطون فلسفة ، علاوة على إن الزعيم بنظرهم وبحسب شجرة اﻷنساب المفبركة التي إخترعها له أحد – اللوكية – تظهره حسني النسب من جهة جده ﻷمه ، وحسيني الانتساب من جهة جده ﻷبيه ، يصوم النهار ويقوم الليل ويختم نصف المصحف بركعة واحدة ، والده – شَراب العرك المخضرم بحسب السيفي الحقيقي المعروف ﻷبناء محلته – أصبح يحج عاما ويجاهد عاما بحسب السيفي الجديد المختلق ، لو نصب أمينا عاما للامم المتحدة فسيحل مشاكل البشرية بأسرها ، ممنوع إنتقاده مطلقا وانت صاح ، وأنت سكران ، بل وحتى في المنام، واﻻ فسيبحث ذووك إن فعلت ذلك عن رأسك في القطب الشمالي ، وعن جثتك في القطب الجنوبي، وعن أحشائك في غابات اﻷمازون بتهمة الخيانة العظمى مع أنك وطني شريف ومن الطراز اﻷول، لم تخن بلدك ولم تفكر في ذلك يوما ، كما فعل هو مرارا وتكرارا طيلة حياته !!

الزعيم بنظر المحبين أو المرتعدين فرقا منه هو المخلوق النعامي الذي لايعلم ماذا يصنع نجله في صالات قمار اوربا ، وﻻ كباريهات ابو نؤاس ، وﻻ نوادي لندن وباريس وامستردام الليلية ، اﻻ انه يعلم جيدا بأن المواطن – شلتاغ – قد شتمه في أقصى الهور داخل المشحوف أثناء صيد السمك منفردا مع مقطع كامل للحادثة – صوت وصورة – بما يكفي لإدانته وتصفيته بتهمة سب الذات العلية !!
الزعيم بنظر المنافقين والراقصين بحضرته كاﻷنعام بل أضل سبيلا ، هو ذلك المخلوق الذي ﻻيعرف حجم وﻻطبيعة السرقات المليارية التي يمارسها اتباعه بإسمه ليل نهار بمعية أسماك القرش وحيتان الاوركا في جميع المؤسسات جهارا نهارا ، عيانا بيانا ، الا إنه يعلم يقينا – حجم الصمونة – التي سرقها المواطن – غفوري – من أحد المخابز التابعة له ليسد بها رمقه كونه عاطلا عن العمل منذ 10 أعوام وليس بمقدوره الحصول على وظيفة ﻷنها مباعة ومحجوزة سلفا ﻷتباع الزعيم ومريديه وبما يكفي لإدخال – غفوري – داخل الفرن وحرقه حيا عقابا له على تجاوزه على – صمون وأفران وشخص – الزعيم !!

الزعيم بنظر الخراف الضالة هو ذلك المخلوق الذي إن لبس الجديد ، وصافح كل شيطان مريد ، وتحالف مع كل جبار عنيد ، وأجلس قومه من شدة الفقر والجوع على الحصير وعلى الحديد ، متفضل عليهم ويجب أن يقال له – بالعافية – فيما لو لبس أحد مظلوميه ثياب بالة ولم يسبح بحمده ، ولم يهتف بحياته لقيل له – من أين لك هذا ؟

الزعيم هو ذلك المخلوق الذي لايفتأ يمدح مؤسسات بلاده الصحية ويثني عليها وعلى كوادرها خيرا في جميع المحافل الدولية والمحلية ، اﻻ إنه لو أصيب أو أحد أفراد اسرته بوعكة صحية عابرة – فعدل – الى الطائرة الجاثمة على أرض المطار للسفر والعلاج بمستشفيات الدولة التي يحمل جنسيتها الثانية وبالعملة الصعبة خشية على صحته وحياته !

الزعيم هو ذلكم المخلوق الذي يطيل الحديث عن المدارس والجامعات والكليات المحلية ويستعرض ايجابياتها ويغمض عينيه عن سلبياتها ويدعو للدراسة فيها لرصانتها وكفاءة كوادرها العلمية اﻻ ان أولاده وبناته كلهم يدرسون في الجامعات اﻷميركية والبريطانية للحصول على شهادة عليا معترف بها دوليا غير متوفرة في الجامعات التي ينظم ببريقها شعرا ونثرا !!

الزعيم هو ذلك المخلوق الذي يطالب بتوفير مساكن للكادحين ويناشد المعنيين للقضاء على أزمة السكن الخانقة ، فيما الجماهير لاتفرق بين – المطالب واﻷوامر – اذ أن الزعيم يفترض به أن يأمر فيطاع ، لا أن يناشد ولا أن يطالب ، ﻷن المطالبة والمناشدة إنما هي من إختصاص الجماهير المغلوبة على أمرها لا الزعماء ، ويتناسى الزعيم ومريدوه بأنه يمتلك 40 قصرا وبرجا وفيلة وشقة وفندقا في بغداد ودبي وعمان ودمشق ولندن وبيروت واسطنبول ، لم يكن يمتلك أيا منها قبل المنصب !

الزعيم هو ذلك المخلوق الذي ينتقص من الاقطاع ويهجوه على الدوام ويذهل عن 20 مزرعة ، و30 بستانا وكذا حقل دواجن ومفقس ، علاوة على حظائر تربية الخيول واﻷبقار واﻷغنام والمجازر الخاصة بها والتي حازها كلها منذ العام اﻷول له في المنصب وعقب تحويل كوخه القديم الذي كان يسكنه مع عائلته قبل اعوام قليلة من المنصب الى متحف وطني بـ 5الاف دينار للتذكرة الواحدة دعما للبرنامج الوطني لمكافحة الفقر واﻷمية وعلاج اﻷمراض السرطانية !

الزعيم هو الذي يتنقل بمواكب مظللة من سيارات الدفع الرباعي الحديثة التي تغص بالمسلحين ولو لبضعة امتار داخل المدينة ، فيما يحكم بالملاحقة على كل مواطن يركب دراجة هوائية أو يجر عربة حمارية ليعلق على جذوع النخيل وليكون عبرة لكل من تسول له نفسه سياقة الدراجات وجر العربات ومزاحمة مواكب الزعيم الطويلة والعريضة في شوارع المدن المكتظة بـ..الشحاذين والمتسولين والمشردين !!

أما بنظر الجمهور الكاره للزعيم فهو ” أجرم من هتلر ، أشرس من ستالين ، أقبح من هولاكو ، أشد دموية من دراكيولا ،أحط من كيم جونغ أون ، أخطر من الزامبي ، أخس من موسوليني ، أفجر من مارلين مونرو ، أبشع من أحدب نوتردام ، أمه غانية ، والده سمسار بارات و ملاه ليلية ، جده ﻷمه عميل الاستعمار الانجليزي ، جده ﻷبيه عميل الاستعمار الفرنسي ، عائلته يهودية إدعت الاسلام، اذا كان اسمه يوسف فسيطل علينا أحد المؤرخين من عشاق نظرية المؤامرة ليزعم ان إسمه الحقيقي هو – جوزيف – وإن كان إسمه داود فسيزعم ذات المؤرخ بأن إسمه الحقيقي هو – ديفيد – وقد زار اسرائيل ترليون مرة سرا وهو جاسوس للموساد والسي آي ايه وووو…الخ .
شخصيا لا أتعامل مطلقا لا مع مدح المحبين المبالغ به ولا مع قدح الكارهين فكلاهما – كذب بواح – ﻻيصمد أمام الحقيقة ولو لساعة واحدة وإن تضمن بعض الحقائق ، اﻻ أنها وبمجملها لا ترقى الى مستوى البحث التأريخي والمنهجي نهائيا .
والمطلوب فيما اذا أحببت زعيما أن ﻻتبالغ بمدحه وإن كرهته أن ﻻ تستغرق بهجائه ، كي لاتضطر الى الإعتذار عن – نفاقك – مستقبلا ولو ﻷحفادك ، لجيرانك ، ﻷصحابك ، والدنيا دولاب هواء، يوم لك ويوم عليك ، وفي كل اﻷحوال فإن الزعيم إنسان عادي ، لن يشتريك بدينارين سواء أكنت من محبيه أم من مبغضيه وهمه اﻷول واﻷخير هو الكرسي والمنصب فحسب و أنت عنده مجرد مطية للوصول اليهما ﻻ أكثر فلا تبع دينك بدنيا غيرك، مدحا أو قدحا، وما يصدق على الزعماء ينسحب على الوزراء والنواب ورؤساء الكتل وأمناء اﻷحزاب والوجهاء والمدراء وغيرهم وبإختصار ، إياك ان يصدق فيك القول الشعبي ” حب وإحكي ..إكره وإحكي ” وقولهم بالفصحى :
عينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة…وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا
اودعناكم اغاتي