26 نوفمبر، 2024 12:40 م
Search
Close this search box.

لنا راي ايضا… المناطق التركمانية مابين قوات دجلة الحكومية والبيشمركة الكردية، قصة اسمها الخدعة

لنا راي ايضا… المناطق التركمانية مابين قوات دجلة الحكومية والبيشمركة الكردية، قصة اسمها الخدعة

فرصة ذهبية وتصرف متقن ومدروس هو التعريف الملخص لما قامت بها قيادة حكومة اقليم كردستان حين إحكمت سيطرتها على الشتات الباقي من المناطق التركمانية في أطراف كركوك وطوزخورماتو في ظرف يعد فرصة قد لا تحدث الا مرة واحدة. فالأكراد جاهزون ومتيقظون، لديهم سلسلة من الخطط والخطط البديلة، وفي كل مرة يثبتون أنهم واثقون من أنفسهم، ومن قدرتهم على فرض الشروط على الغرماء السياسيين (والله و الف عافية)، فالناس لم يأتوا الى هذه المرحلة عبر الأحزاب الكارتوينة التي لا تجيد غير الخطب الرنانة المنفصلة عن الواقع والإستنكارات التي تدعو من يقرئها الى السخرية، بل هم أعانوا شعبهم على تجاوز الوهن والخضوع النفسي للآخرين، ومن ثم قارعوا بسواعد شبابهم وشاباتهم الأنظمة العاتية ودفعوا أنهارا من الدماء، والحرية لمن يعرف قيمتها ويعشقها تستحق كل ذلك. ما أوردته هنا معروف للقاصي والداني وإعادة سرده مرة أخرى هو من باب المقارنة ليس إلا!
مثل كل مرة بدات ردود الافعال التركمانية المنتهية صلاحيتها شعبيا بالظهور على شكل اعلانات تارة وبيانات تارة اخرى، (طبعا لاتقدم ولاتؤخر شيئا على أرض الوقع) والدليل الواضح والجلي والمضحك في آن واحد هو تضارب وتناقض تلك البيانات بشكل غريب رغم أن الحدث واحد وواضح وغير قابل للتفسيرات. أحدهم يرحب بإنتشار البيشمركة والثاني في حالة إنتظار (الوحي أو أوامر السلطان) كي يصرح بموقفه، والثالث يستنكر إستنكارا مشروطا! بل ذهب بعضهم الى أن يتهم الحكومة بالتواطئ مع الأكراد (مضحك الى حد الخجل)، لا عجب في الأمر انهم السياسيون التركمان وردود افعالهم التي تعودنا عليها والتي  لايصلح ان نطلق لها تسمية غير (نايم ورجليه بالشمس).
اود ان اسال اولئك البعض من الذين يمثلون التركمان سياسيا او قياديا كما يحلو للبعض تسميتهم، اليس التركمان هم من نادوا من أجل قدوم القوات الحكومية الى كركوك وطوزخورماتو وباقي مناطق تركمن ايلي؟ وعندما جاءت تلك القوات الم يكن التركمان أول من سارع الى رفض تواجدها! أليس هذا مدعاة للسخرية، من خول تلك الأصوات النكرة أن تتكلم بإسم التركمان وترفض إنتشار تلك القوات في المناطق التركمانية، والتركمان يذبحون يوميا؟ مقابل ماذا ياترى كانت تلك التصرفات الفردية؟ اليست تلك الأصوات هي نفسها التي كانت تصرخ الى أعلى السماء قبل عدة سنوات تطالب الحكومة المركزية القيام بدورها وواجبها الدستوري لحماية المناطق التركمانية من سيطرة الاكراد، ماذا حدث اليوم؟ (عفوا نسيت أن السلطان يعيش حالة غرام مع كرستان في هذه الايام) وما علينا نحن التركمان إلا أن نغلق افواهنا ونضرب عليها الأقفال كي لا تعكر على جو المحبة الرومانسي!
من يتصور ان انتشار البيشمركة في هذا الوقت هو نتيجة الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد وخاصة الأحداث التي تجري في المناطق العربية السنية المجاورة فهو خاطئ بل وواهم، فمثلما خطط سنة 1991 في أعقاب حرب الكويت بعزل المناطق الكردية عن الدولة العراقية وفرض منطقة آمنة شبه مستقلة، وبناء نواة الدولة الكردية بمباركة الباشوات (حينها لم يكن السلطان قد وصل الى الحكم بعد) جاء الوقت الذي يجب ان تنمو وتتوسع فيه تلك النواة حتى تصل التخوم والحدود التي رسمتها لها القوى الدولية والاقليمية. فالعملية ليست بهذه البساطة ايها السادة، فالقيادات الكردية ناقشت الوضع من جوانب متعددة مع اطراف كثيرة قبل الحصول على الضوء الاخضر من اصحاب الاجندات للقيام بهذه الخطوة، انها خارطة الشرق الاوسط الجديد، وفيها الصراع على مركز مستقبل الطاقة، فاين نحن التركمان من هذه الخارطة ياترى؟
ايران ادركت اللعبة واصبحت المعادلة الصعبة في رسم الخارطة محاولة كسب حصتها دون خسائر، هذه الدولة المشاكسة حسب النظرة الامريكة تعمل بهدوء ولكن بإصرار على المواجهة وتقديم التضحيات من أجل أن تصبح اكبر قوة إقليمية، بجهودها الذاتية وليس عن طريق إستخدام البروتينات الصناعية لنفخ العضلات! لها نظرة ثابتة تجاه المنطقة وقواها، فأصدقائها معروفين وأعدائها معروفين، وإن كانت ستقدم على التفاوض يوما إنما تفعل ذلك من أجل كسب مصالح حقيقية لها ولحلفائها، وهذا ينطبق على دورها في العراق، فهي عامل مؤثر جدا ولكن بصوت خافت داخل العراق، هل أدركنا نحن التركمان دور هذه الدولة المجاورة والمؤثرة وحاولنا أن نستفيد من هذا الدور، أم أننا بقينا ننظر اليها عبر منظار الطائفية وشعارات المقبور صدام والبعثيين الذين كانوا وسيبقون ألد أعداء التركمان، لفهم هذه الحقيقة يجب أن يكون المرء على مستوى عالي من الوعي وقارئ متفحص للتاريخ.
 تركيا الاردوغانية وبتحالفها القوي والاستراتيجي مع امريكا واسرائيل استطاعت ترويض الحكومة الكردية الى حد ما، والعكس قد يكون ايضا صحيحا! طبعا تركيا الشقيقة تؤمن بالمبدأ القائل (لاتوجد صداقة دائمة بل مصالح دائمة)، ولكنها مع الأسف لا تجيز هذا المبدأ لاشقائها الصغار! وان تفاصيل الاتفاقات الغامضة الاخيرة مع حزب العمال الكردستاني  خير دليل على ذلك، ياترى اين موقعنا نحن التركمان في كل ما يجري؟ وهل لنا من موطئ قدم في ملف الشرق الاوسط الجديد في نسخته التركية على الأقل؟
إحكام قوات البيشمركة سيطرتها على القليل المتبقي من المناطق التركمانية ماهي الا بداية النهاية لتلك المناطق، واننا على يقين بان اي احتكاك الان مع تلك القوات يعني اعلان حرب، وهذا ما يحتاج اليه مسعود البرزاني لتصدير مشكلاته الداخلية محاولا بذلك الحصول على صفة البطل القومي الأوحد خصوصا وأن ولايته الرئاسية تقترب من الانتهاء.
اولى مكافآت الانتشار الكردي في مناطقنا اغتيال مواطنين اثنين من التركمان في طوزخورماتو ، مع جرح آخرين في هجوم مسلح على تجمع من المواطنين التركمان  بعد ساعات من الانتشار وتحديدا يوم 27نيسان 2013 في منطقة تعد امنه كونها ضمن المناطق ذات الاكثرية الكردية، ستكون طبعا مثل غيرها من حالات الاغتيال حادث عابر دون ان يكون للتركمان أي رد فعل حقيقي، وهذا كله بسبب السياسة الفاشلة والغير المتوازنة التي انتهجها وينتهجها التركمان والتي أدت الى هدر الكثير من الحقوق التركمانية ومسلسل القتل والخطف والتهجير مستمر بحقهم دون توقف.
نتسائل ويتسائل معنا الكثير من الذين يهمهم مستقبل التركمان، اين اصبح مصير تشكيل صحوات خاصة للتركمان، لماذا لم ننجح في تشكيل تلك الصحوات رغم موافقة الحكومة ووعدها بالدعم للتركمان؟ من المؤكد أن هؤلاء البعض لديهم اسباب ودوافع لإفشال هذا الطرح، ونحن نطالبهم بإلحاح اعلامنا بتلك الاسباب، لأننا بحق بدانا نشك في قدرة الكثير ممن يعملون في الساحة السياسية التركمانية في ادارة العملية السياسية ان لم يكونوا يجهلون ذلك تماما.
امنية واحدة نتمناها من جميع السياسيين، أن يبتعدوا عن المشاكل الشخصية والحزبية والمصلحية ويضعوها الى جانب في هذه المرحلة على الأقل ويجلسوا معا في مؤتمر يضم جميع المهتمين بالشان التركماني من رؤساء احزاب وسياسيين ووزراء ونواب ومفكرين وكتاب لمناقشة  الية تاسيس مرجع تركماني يستمد قوته من وحدة الكلمة ليكون الصوت التركماني في العراق عاليا ومسموعا، لتكون هناك جهة واضحة ومسؤولة تستطيع أن تجيب على الاسئلة التي تراود المواطن التركماني اولا، وتكون وسيلة لاستعادة ثقة الشارع التركماني بنفسه وبقادته ثانيا، أما إذا مابقيت الامور على ماهي عليه اليوم، فمن المؤكد بان البرلمان العراقي القادم سيكون خاليا من النواب التركمان.
ان كان البعض من السياسين التركمان اصبحوا اداة تستخدمها بعض الجهات لتمرير اهدافها وسياساتها من حيث يدرون أو لا يدرون، عليهم ان يفهموا بان مايجري ماهو الا خدعة يتطلب التعامل معها وجود ادراك عالي وإحساس بالمسؤولية وتحليل دقيق للوقائع لوضع الحلول المناسبة، وهذا يقع على عاتق كل قيادي كفوء يعرف مالذي تعنيه السياسة، ليس عيبا ان يقر السياسي بفشله ويترك الساحة لغيره ليحافظ على ما تبقى من ماء وجهه، ففي كل دول العالم عندما يفقد السياسي ثقة انصاره، فانه ينسحب من العملية السياسية وفاءا لارادة شعبه، الا في العراق فكلما يفشل السياسي في قيادته يزداد  تشبثا في البقاء في السلطة.
أريد أن أنهي مقالتي هذه براي لأحد المحللين الأتراك وهو الإقتصادي مصطفى سونمز الذي قال في مقابلة له مع قناة السي ان ان التركية المستقلة قبل عدة ايام ما يلي:
” هذه المرحلة (يعني مرحلة التفاوض مع حزب العمال الكردستاني) لم تبدء من ذاتها، حزب العدالة والتنمية الحاكم يريد أن يضع يديه على منابع النفط في شمال العراق، ومرحلة السلام التي إنطلقت مع حزب العمال الكردستاني ما هي إلا جزء من هذه العملية”.
معلوم أن تركيا تحولت في السنوات الأخيرة (بشكل مفاجئ) الى قوة إقتصادية، هذا الإقتصاد المتنامي بحاجة الى طاقة، ومصادر الطاقة في ايدي غرماء لا يمكن لتركيا الركون اليهم بشكل كلي إيران، روسيا والعراق، هنا توافقت مصلحة تركيا مع كرستان العراق، الاكراد يريدون قوة إقليمية يستندون عليها للخروج من عزلتهم الجغرافية، وهذه بالذات إرادة الولايات المتحدة التي عهدت بمهمة الحفاظ على الإقليم الكردي الفتي الى حليفتها تركيا، والمتابع لمجريات الاحداث في المنطقة يستطيع أن يكشف بسهولة بأن التقارب بين تركيا وإقليم كردستان لم يبدأ إلا بعد إنسحاب القوات الأمريكية من العراق. أما تركيا فهي تريد المزيد من الطاقة، طبعا الحصول على الطاقة من إقليم صغير مثل كردستان محاط بجغرافية مناوئة لوجوده هو أامن بكثير من الحصول على الطاقة من دول مشاكسة تفرض مع النفط والغاز شروطها في اللعبة الاقليمية. فهل نعي نحن التركمان هذه الخدعة وهذا المخطط الخطير، وهل سيكون سياسيونا بمستوى الوعي الذي يمكنهم من قيادة الشعب في هذه الازمة المركبة ليصلوا به الى بر الأمان؟ أسئلة كثيرة بحاجة الى إجابات مقنعة.

أحدث المقالات