كنا نسمع ونقرأ في وسائل الاعلام الكردية المعارضة بين فترة واخرى طراطيش كلام حول الصراع الخفي على السلطة في اقليم كردستان بين نجل الزعيم”مسعودبارزاني”مستشار مجلس امن اقليم كردستان”مسروربارزاني”وبين ابن اخيه وزوج ابنته رئيس وزراء الاقليم لاكثر من 13 سنة على التوالي”نيجيرفان بارزاني”، ولكن واقع العمل المشترك الطويل بين الرجلين وعدم ظهور اي خلاف على السطح دحض كلام المعارضة ، ولكن في نفس الوقت لوحظ ان العلاقة الرسمية بينهما قد تسربت اليها البرودة ونادرا ما ظهر الاثنان في وسائل الاعلام طوال فترة عملهما في كابينة حكومية واحدة ، وحرص كل واحد منهما على عدم التدخل في شؤون الاخر بصورة غير طبيعية ، هذا التوتر”الخفي”في العلاقات ، اثار الشكوك في نفوس المراقبين ودفعهم الى الاعتقاد بان ثمة خلاف جوهري بين الرجلين وهما ليسا على وفاق تام ولكن ظل احتمالا ضعيفا لايرقى الى مرتبة اليقين ..
وبسبب حضور بارزاني الاب القوي وسيطرته على زمام امورالعائلة ومسك خيوط اللعبة بيده حال دون خروج الامر عن السيطرة وحدوث ازمة بين افراد العائلة ، وقد لا يظهر اي خلاف الى العلن مادام”مسعود بارزاني”على قيد الحياة ولكن ماذا لو رحل عن الحياة وهذا سنة الله في خلقه؟ حتما ستظهر مشاكل وازمات داخل العائلة وستنعكس على واقع الاقليم وعلى الصراع القائم مع عائلة طالباني ليأخذ شكلا راديكاليا اكثر حدة من ذي قبل، وخاصة ان العائلتين تخضعان لهيمنة السياسيين الشباب.
ربما ادرك بارزاني الاب بتجربته الطويلة وحنكته السياسية، المصيرالذي ينتظره الاقليم في ظل غياب النظام المؤسساتي والخلافات السياسية القائمة داخل وخارج حزبه بشكل عام ، فاراد ان يعيد تركيبة المعادلة السياسية ويؤسس لنظام جديد يكون فيه ابنه”مسرور”رئيسا للحكومة بدلا من ابن اخيه “نيجيرفان”الذي رشحه لمنصب رئاسة الاقليم الشاغرالذي كان يشغله في السابق واستقال منه على اثر انتكاسة مشروع الاستفتاء على الاستقلال الذي اعلنه عام 2017 ورفض المجتمع الدولي القاطع له..
وفي خطوة بهذا الاتجاه ومن اجل تأكيد القراروجديته ، قام مسعود بارزاني بزيارة خاطفة الى بغداد ماصطحبا معه ابنه”مسرور”في محاولة لاضافة الشرعية العراقية عليه واقناع الاحزاب والشخصيات السياسية العراقية بالتعامل معه كرئيس حكومة قادمة ..
ولكن هل يمكن لشخص يدير جهاز أمني مخابراتي”مغلق”لسنوات ان يتولى ادارة حكومة هي وظيفة سياسية بالدرجة الاولى؟ لم لا! ربما يظهر جدارته ومهارته في السياسة وادارة البلاد بنفس جدارته في نشر الاستقرار واستتباب الامن والامان في الاقليم وخاصة انه ورث السياسة كابرا عن كابر اضافة الى حصوله على شهادة الدراسات الدولية في ارقى الجامعات الامريكية بمرتبة الشرف.
خوف البعض من تقييد الحريات وتحويل الاقليم الى ثكنة امنية بمجيء “مسرور”الى السلطة سابق لاوانه ، فالوقت مازال مبكرا لاصدار الحكم عليه ، فالرجل لم يشر الى حدوث مثل هذا الاحتمال . مهما اشحنا انظارنا عما تحدث من تطورات ديمقراطية في النظم السياسية في العالم وتخلفنا عن الركب ، فان التغيير وتداول السلطة تعد من اهم اركان ودوافع هذه التطورات ، ولايمكن ان يتطور اي بلد في ظل نظام جامد وزعيم أوحد.
.. كان المفروض ان يتغير معظم الوجوه المألوفة التي كانت وراء تجميد حركة التنمية في الاقليم منذ فترة طويلة ، لا احد ينكر الانجازات التي قام بها “نيجيرفان” في كابينته الاولى في جلب الرأسمال الاجنبي واصدار قانون الاستثمار وتوسيع مشاريع تجارية واستثمارية كبيرة وتطور التجارة حتى وصل حجم التبادل التجاري مع تركيا في يوم من الايام الى اكثر من 10 مليارات دولار!
ولكن بعد هذه القفزة النوعية الكبيرة توقفت حركة التنمية بشكل كامل في الاقليم ولم يعد في جعبة الحكومة ما تقدمه للناس. حتى تحولت الى عبأ حقيقي عليهم .
عسى ان يكون التغيير الجديد فأل خير وبركة لشعوب كردستان ويؤسس لتداول السلطة ويوسع من نطاق الحريات ويحرك الجمود السياسي ويحارب الفساد بحق وحقيقي ويفعًل مؤسسة “النزاهة”التي تعاني من جمود دائم وموت حقيقي!