16 نوفمبر، 2024 7:19 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. أماني سليمان: أدرك معنى الشغف والانشغال بتجربة كتابية مغايرة عن المألوف

مع كتابات.. أماني سليمان: أدرك معنى الشغف والانشغال بتجربة كتابية مغايرة عن المألوف

خاص: حاورتها – سماح عادل

د. “أماني سليمان” كاتبة أردنية، حاصلة على  دكتوراه اللغة العربية وآدابهاـ الجامعة الأردنيةـ 2005 بتقدير ممتاز ، وماجستير اللغة العربية وآدابهاـ الجامعة الأردنيةـ 2001، وبكالوريوس اللغة العربية وآدابهاـ الجامعة الأردنيةـ 1996، تعمل أستاذة مشاركة، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب والعلوم، جامعة البترا، منذ 2007 ـ حتى الآن. وهي عضو رابطة الكتّاب الأردنيين وعضو نقابة الصّحفيين الأردنيين.

صدر لها:

  • الأسلوبيّة والصوفيّة: دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج، عمّان، 2002.
  • الأمثال العربيّة القديمة: دراسة أسلوبيّة، سرديّة، حضاريّة، بيروت، 2009
  • “سمه المفتاح أن شئت”، مجموعة قصصية.
  • “جوار الماء”، مجموعة قصصية.
  • “شخوص الكاتبة”، مجموعة قصصية.

إلى الحوار:

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • لا أحب أن أختلق حكاية درامية لبداياتي، فهي بداية عادية متعلقة بدرس الإنشاء كما كانت تسميه المعلمات في الماضي، حيث أذكر انتباه المعلمة لتعبيري الكتابي الجيد، والذي كان ببساطة نتاج القراءة المستمرة لقصص الأطفال والقصص المتاحة في مكتبة البيت والمدرسة، وهي بدايات مشتركة غالبا بين كل من توجهوا للكتابة لاحقا.

خارج درس الإنشاء كان فراغي مشغولا بكتابة اليوميات على دفاتر ضخمة، ما زال بعضها لدي الآن، وأضحك ملء فمي حين أقرأ فيها فأرى ذاكرة مكتوبة عن الطفولة والصبا الأول، منشغلة بالتفاصيل والتواريخ والانفعالات والأشياء التي استغرب كيف استرعت انتباهي حينها.

مبكرا أخذت أراسل الصحف اليومية والأسبوعية لنشر بعض الكتابات، غير أنه لم يكن هناك حتى المرحلة الثانوية تفكير بأنني سأتوجه للكتابة منشغفة بفكرة أن أكون كاتبة، فقد كنت مشغولة أكثر بفكرة التفريغ الانفعالي لهواجسي بأي شكل يتاح شعرا وسردا، لكنني لاحقا حسمت أمري وتوجهت اختيارا إلى السرد بوصفه سبيلا أرحب لي لمقاربة صوتي الخاص.

عملتُ في الصحافة الثقافية، وأكملت دراستي العليا، ولعل ذلك أدى إلى تأخري كثيرا جدا في إصدار مجموعتي القصصية الأولى، ذلك أن دراستي للنقد حال دون مرور كتاباتي من تحت سيفه الحاد، فكنت قاسية على نصي، مدركة أنني سأفقد سطوتي عليه ما أن يغدو منشورا على هيئة كتاب بيد القراء، فتأنّيتُ، وكانت المسألة تحتاج إلى كثير من الجرأة كي أوازن بين الإبداع والنقد.

أدرك الآن معنى الشغف والانشغال الدائم بالبحث عن تجربة كتابية مغايرة ومنزاحة عن المعتاد والمألوف، وحين أفكر بذلك فإنني أفكر فيما هو موجود ومكرّس نمطا، وفي إمكانية التنويع على هذا النمط وإعادة تخليقه وصولا إلى كسره والتفلّت من حدوده على مستوي الشكل والمضمون.

(كتابات) مجموعة (شخوص الكاتبة)، تعكس تصور المرأة للحياة والموت والحب والألم والأمل والعدم.. كيف ذلك؟

  • في مجموعة (شخوص الكاتبة) أتوقف عند ثيمات إنسانية متعددة، تمس الأنثى على وجه الخصوص، أو تعبر عنها الأنثى من منظورها الخاص، فهي تتماس مع ثنائية الحياة والموت، وسؤال الوجود والفقد بما هو سؤال مركزي حيوي لا يكف عن تلمس إجابة مطلقة دون جدوى، كما تتماس مع لحظات الحب بمعناه الواسع للأمكنة أحيانا وللأزمنة أحيانا أخرى وبالضرورة للإنسان بوصفه حبيبا أو صديقا أو قريبا أو غير ذلك، وتتوزع المجموعة بين الواقع بوصفه منبعا ثرّيا للقص وبين الحلم الذي ينتصر في كثير من الأحيان في القصص كونه سبيلا للتوازن والفرح.

وفي المجموعة مواطن عدة تقف عند الألم الذي يتأتّى لعِلل كثيرة منها الظلم على سبيل المثال، وفيها الكثير من التفاصيل التي ترصد الحياة اليومية في الشارع والسيارة ومكان العمل والأماكن العامة والبيت والمدرسة.

(كتابات) في مجموعة (جوار الماء) تصوير لأحاسيس اكتشاف العالم المرتبطة بالطفولة، هل الطفولة خزين خصب للكتابة؟

  • في جزء من مجموعة (جوار الماء)، مشاهد من عالم الطفولة، ليست بالضرورة طفولة أماني سليمان، وإنما استثمار لعالم طفولي مرشّح أن يعيشه أي إنسان في ظروف محددة.

زمن الطفولة زمن خصب للكتابة والإبداع، ولكن الأهم أن يكون في قلب المبدع طفل حيوي يقف ضد الزمن ومجرياته، ثابت في الوقت ولا يموت، كي لا يستكين المبدع إلى الذبول والكهولة التي تحول دون أن يستمر في الخلق وفي التنويع على هذا الخلق والتجديد فيه.

في استثمار بعض قصص مجموعة (جوار الماء) للطفل بوصفه شخصية مركزية، تمكنت من ولوج أحاسيس غضة، خضراء، نضرة، رغم أحاديتها التي هي نتاج قلة تجربة الطفل وبكارتها، إلا أنها تنفتح على أماكن وأفكار ورؤى وأحلام مدهشة يفقدها الإنسان كلما عبر عليه العمر أو تضاعفت تجربته ووعيه، وبالتالي تمنح القصص نوعا من الجمالية الفنية الخاصة.

(كتابات) في مجموعة (جوار الماء) اللغة سلسة ومنسابة، هل تختارين الكلمات بعناية، وهل تعيدين الكتابة أكثر من مرة؟

  • تعجبني اللغة التي تحمل وجهي السهولة والامتناع، فبها يمكنني أن أتحرك في الدلالة وضوحا وترميزا، وتفتح لي إمكانيات أكبر على الاشتغال على الفكرة وتعميقها وتخليصها من السطحية. قصص (جوار الماء) رغم بساطتها الظاهرة إلا أنها محمّلة بطبقات متعددة، فهي حمالة أوجه ودلالات، ومستويات تأويلية متنوعة.

نعم، أختار الكلمات بعناية، لكن الاختيار والتبديل والتغيير مرحلة تالية، بعد أن أكتب الحالة القصصية، أو الفكرة القصصية، أو المشهد، أو بعد تركيب الصور والمشاهد المتباعدة، أعيد الوقوف عليها بما يشبه حال المشتغلين بالحوليات، فأقرأها مرة بعد مرة، وفي حالات وظروف متعددة ومتباينة حتى أثبُت على ما أريده من قصتي على مستويي الشكل والمضمون.

(كتابات) في مجموعة (جوار الماء) ما سر شغفك بمفردات الطبيعة من نبات وحيوان و…؟

  • يكاد يتبدّى الاهتمام بمفردات الطبيعة في القصص التي تقف عند صور من عالم الطفولة فقط، حيث الحدائق والعصافير والأفاعي، والنحل، والدببة،.. ربما لأن الطفولة الطبيعية في تصوري تتصل بتماس الطفل مع مفردات الحياة حوله دون حبس وقيد، حيث له الحق باللعب والقفز والركض بالهواء الطلق وتسلق الجبال والاكتشاف ومعاينة العالم المحيط بحواسّه المختلفة…، والطبيعة ترسم الوجدان، وتؤسسه بالعاطفة اللازمة لحياة دافئة غير مجردة وقاسية.

(كتابات) قمت بتأليف دراسة عن شعر الحلاج، في رأيك هل ما زال للصوفية تأثير واضح في بعض الكتابات العربية أم خبا تأثيرها؟

  • الصوفية نبع متجدد يمكن من خلاله التعبير عن المناطق والمشاعر والأحاسيس الملتبسة التي لا تقتصر على مقام مطلق غير نسبي، فهي تعبر عن مناطق الحيرة وتقف عند التّخوم.

يمكن تلمس سمات للصوفية في الشعر الحديث الذي سعى جاهدا للتنويع في لغته وإثرائها بقدر من الغموض والترميز والإيحاء الدلالي من باب ضرورة التجديد والانزياح، فضمن هذا المسعى راح الشاعر الحديث يحاول القبض على مصادر جديدة تتناغم مع الحداثة المعاصر، فكانت الصوفية المنبع العميق لتحقيق ذلك، فالشعر الصوفي في التراث القديم لم يُستهلك وظل محتفظا بطاقته التعبيرية ذلك أنه لم يكن في المركز بل ظل في الهامش على نحو ما.

وفي الأدب الحديث تجلت الصوفية من مناح متعددة كالمعجم الصوفي، وأنماط التصوير المتنوعة، والتعبير عن الحيرة والألم والمشقة والمكابدة لأجل الوصول إلى الحلم أو المحلوم به أو الحبيب، وتراسل الحواس حيث يحرر الأديب طاقات الحواس جميعها ويمنحها فرصة تبادل الأدوار المنوطة بها في أصل وضعها، فضلا عن الغموض، فقد تجلت التجربة الصوفية في الأدب الحديث من هذه المناحي، ومن ناحية أخرى استثمر الأدب الحديث الشخصيات الصوفية ذات الشأن الخاص موظفا حكايا ألمها وتعذيبها بوصفها رمزا أو قناعا كتلك الأعمال التي وظفت الحلاج وابن عربي.

ولابد أن أشير إلى أن تجلي الصوفية في الأدب الحديث يعبر عن تجربة فنية لا فعلية كما نلحظ في الأدب الصوفي القديم الذي كان يعبر فيه الأديب عن قلقه وحيرته وأسئلته المنبعثة من تجربته الصوفية الحقيقية، فثمة فرق واضح بين الصوفية الحديثة في الأدب كمنتج فني لغوي وبين منابعها القديمة كتجارب فعلية صدر عنها الشعر الصوفي. ويبدو من السهولة بمكان الإشارة إلى أن كثيرا من تمثلات الصوفية في الأدب الحديث لا تتجاوز كونها موضة لا تخلو من الإدعاء، فصاحبها بعيد كل البعد عن الصوفية.

(كتابات) حدثينا عن جائزة رابطة الكتاب الأردنيين التي فزت بها مؤخرا؟

  • جائزة خليل قنديل للقصة القصيرة، هي جائزة موجهة لكتّاب القصة القصيرة في الأردن، وتمنح لفائز واحد، وتبدو أهميتها لارتباطها باسم أديب وقاصّ متميز هو الأديب الراحل خليل قنديل رحمه الله، فقد استطاع خلْق صوته الخاص واختلافه وأسلوبه، ما يجعل ارتباط الجائزة باسمه نوعا من التكريم والتقدير له وللفائز.

(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في الأردن؟

  • لا يمكن فصل حال الثقافة عن الحال التي تمر بها البلد التي يُطلب تقييم الثقافة فيها، في مناحيها المختلفة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فإذا صعدت هذه المناحي صعدت الثقافة تلقائيا بوصفها انعكاسا ونتاجا ومعادلا موضوعيا على نحو ما لمجرياتها من ناحية، وتعبيرا لغويا فنيا جماليا لها من ناحية أخرى، وإذا هبطت فإن المشهد الثقافي سيتردى أيضا، نحن نمر في ظروف صعبة على مستويات الحياة المختلفة، ولذا نجد المشهد الثقافي مرتبكا وفي حالة مراوحة، رغم أنني شخصيا لا أعدم الأمل، وأحب أن أنظر بعين إيجابية للحياة حولي كي أتمكن من الاستمرار، وأحب أن أرى النصف الممتلئ من الكوب إذا جاز التعبير، لذا لا نعدم في مشهدنا الثقافي إضاءات والتماعات متميزة في الأدب والفن، عملت وما تزال تكدّ لإعلاء صوتها وتمثيل المجتمع الذي تنتمي إليه، لكن الإشكالية أنها تبقى فردية لا ترقى إلى مستوى التعميم.

(كتابات) هل تختلف كتابات النساء عن كتابات الرجال؟

  • ببساطة حين نتحدث عن المختلف في تركيبه النفسي والبيولوجي وظروف النشأة ومنظور المجتمع إليه والزاوية التي يوضع بها، فسيكون ما ينتجه بالضرورة مختلفا، كتابة المرأة غالبا مختلفة (وليست مضادة)، لأنها مختلفة، ولأن الرجل مختلف أيضا، نجده يكتب كتابة مختلفة، ولعلّ الاختلاف فكرة محفّزة للتكامل والإثراء إذا ما وعينا بأن هوية الفرد منا قد لا تتطابق مع هوية من حوله ولو كانوا أقرب الناس إليه، وليس ثمة ما يثير العداوة والتشاحن والقلق والتوجس ولا أي اعتبارات للدونية إذا ما قلنا ثمة كتابة نسوية بمعناها النبيل لا بالتفجّرات الغريبة التي آلت إليها بعض النسويات أو بعض الحركات النسوية على مستويي التنظير والتطبيق.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتبة، وما هو جديدك؟

  • ليس ثمة صعوبات بالمعنى المادي، إنما هو القلق الذي يصاب به الكاتب حين ينشغل رأسه بالحالة الكتابية، ويدرك أن عليه أن يترك كل شيء ليسكب تلك الطاقة الجميلة على هيئة عمل إبداعي، لكنه لا يستطيع بسبب المهمات الأخرى التي تنتظره أو عليه أن يقوم بها للتو وعلى نحو جيد، كدور الأمومة، والباحثة، والأكاديمية.

ليس ثمة جديد بقدر ما أحس برغبة عارمة لإعادة قراءة كتب تمثل مفاصل محددة من تاريخنا القديم والحديث، وكتب في علم الاجتماع والفلسفة والفكر.

قصة حافة..

لأماني سليمان

“خلعتُ رأسي، بهدوء وضعته على المنضدة أمامي، ثم توجّهتُ إلى المخزن، حملتُ صندوق الأدوات، وأنا أرجو أن أجد فيه المفكّ الكبير الذي بدونه لن أتمكّن من فكفكة الرأس بالطريقة المناسبة، وفَتْح مغالقه التي استغلقتْ عَلَيّ، حيث باتت علاقتي به في الآونة الأخيرة مقلقلةً، محكومةً بالعناد ورغبةِ كلٍّ منا بالسيطرة على الآخر، وقد باءت محاولات كلينا لإيجاد سبيل معقول للتواصل بالفشل الكبير؛ كل منا يرى نفسه على صواب، ها أنا أتحدّث كما ترون بعقلانية وحياد، ولا أتّهم رأسي، ولكن أضعُني معه تحت المقِصلة، فلابد أنّ كِلينا مخطئ ومصيب في الآن ذاته وعلى نحو ما، وللحقّ؛ فإن قراري بخلعه وتشريحه لم يكن قراراً متسرِّعاً، بل احتجتُ سنوات لإعلانه أمام نفسي، ولابدّ أن أضعه محلّ التنفيذ الفعلي لا كما يحدث في قراراتي المتعلّقة بأغراض المخزن.

صندوق الأدوات ثقيل، وأنا بالكاد أتلمَّس طريقي نحو غرفة الجلوس حيث ينتظرني، قلبي يتقطّع على رأسي الذي تثبُت في محِجريه عينان جميلتان، طالما دلَّتاني على دربي، لستُ ناكرةً للمعروف، ولكن عَلَيَّ أن أكون واقعيةً بما يكفي لحزم أموري.

هناك، تفاجأتُ، لم يكن رأسي في مكانه!!! درتُ على غير هدى، سقط الصندوق على طرف أصابع قدمي، فرُحتُ أصرخ من الألم وأنطّ، وحينها لمحته على حافّة النافذة، يهمّ بالقفز من الطابق الستين! لم أستطع اللّحاق به، فما أن وصلتُ الحافّة فاردةً ذراعيَّ، حتى وجدتُني في الهواء الطَّلْق لا أَلْوِي على شيء، ولا ألمح سوى طيورٍ فتحتْ مناقيرها على آخرها؛ مندهشةً من جسدٍ يلاحق رأساً هارباً في الفضاء.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة