يظهر إن للولايات المتحدة الأميركية وصفة هزلية للعلة العراقية يحاول الساسة (الاميركان) من خلالها إبداء (النصح) والإرشاد لساسة العراق لشراء هذه الوصفة المجربة، ومدلول هذا البلسم هو انه يوصف للمريض بالأرق لينام.
ما يؤرق العراقيين إنهم باتوا مستباحين في أرضهم حتى من قبل الناس الذين يقولون إنهم يريدون تخليصهم من الاستباحة، إنها وصفة النوايا الحسنة التي تقضي بقتل المريض إشفاقا أي تأمين السلام للعراقيين عن طريق إبادتهم.
سبق وان وضع وزير خارجية أميركا الأسبق (هنري كيسنجر) نظــرية سميــت في حــينه (القتل الاشفاقي) في كمبوديا حيث تمت الإغارة عليها لتدميرها فكانت النتيجة أن فرّغت البلاد من أهلها تماماً ، وعندما أعيد السكان إلى سابق عهدهم أعيدوا بالانتقاء فتم اختيار السكان واحداً واحداً ، وكأن العراق سيصبح تجربة أخرى أي إن العراق لم يعد هو الأساس على اعتبار إن القسمة قد حصلت واخذ كل حصصه وما هو مطلوب الآن تقرير مصير العراقيين من يبقى هنا ومن يبقى هناك ومن يرحل من هنالك! أنه لأمر خطير لا نهاية له إلا من خلال تفريخ المزيد من الحروب والانقسامات الداخلية!.
فالذين ساهموا في خلق الأزمات العراقية خلقوا لأنفسهم ثغرات أمنية يأتون اليوم لسدها بالقوة، وربما بعد فوات الأوان! ولنرجع إلى (كمبوديا) للدلالة فقد ضربها الأميركيون من اجل أمنهم في فيتنام، ثم ضربها الصينيون من اجل أمنهم تجاه السوفيت والفيتناميون، ثم ضربها الفيتناميون من اجل أمنهم تجاه الصين وهكذا!
في الدول المجاورة للعراق الآن كل له أمنه الذي يضرب من اجله، فالكل يوجه خارج حدوده من اجل اتقاء حدوده أو إبعاد الشر عن شعبه والطرف الوحيد الذي هو بحاجة إلى الأمن هو العراق، لا امن له لأنه غير قادر على الضرب.
ان هذا التمثيل المروع بالجسم العراقي يفوق ولا شك ما جرى في كمبوديا وقد وصفت المأساة (الكمبودية) في حينه بأنها أبشع مأساة شهدها العالم.
بعد الانتخابات التي جرت في العراق (في آذار 2010) كان الجميع يأمل في أن تُحل كل المشاكل بعد أن شاركت معظم التيارات والقوى بعد القناعة التي تولدت لديهم…! ولكن يظهر إن الظروف كانت غير مهيأة لهذه الكتلة أو تلك0 ما أن تحل مشكلة حتى تُخلق مشكلة أخرى، ولن تحل هذه المشاكل حتى لو حاول كل دهاقـنة الدبلوماسية في العالم على حلها، طالما إن الأساس الذي تتصرف من خلاله الأطراف المعنية في موقف (مهزوز) فالمشكلة إن جميع الإطراف اعتبرت إن المشكلة أصبحت داخلية (لعبة كراسي) لذلك فأن المسألة يجب أن تعود إلى بدايتها، أي إلى استعادة الأمن العراقي، فالأمن العراقي هو الذي يؤمن الأمن للجميع وفي هذا تقع مسؤولية كبيرة على الكتل السياسية وعلى جميع العراقيين ، فإذا كان العراقيون منقسمين إلى خيارات عديدة حول الجاذبية الوطنية، فالارتباك واضح ومن اجل استعادة الجاذبية الوطنية يقتضي أن يكون كل قائد سياسي عراقي، قائداً للعراق لا مديراً لازمته ، لكن هذا يتطلب موقفاً حازماً وحاسماً لا تردد فيه ولا هوادة، قد يكون اجتهاد القائد السياسي في البدايات الأولى للأزمة سليماً من حيث الحرص على منع التصادم المروع الذي ينتهي بالتقسيم ، فالواجب الوطني المفترض الآن أن يفعل هذا الاجتهاد من اجل وقف نزيف الدم، وبالتالي من اجل وحدة العراق وشعبه 0 .إذا كان نصف العراقيين يتطلّعون إلى جهة، ونصفهم الآخر إلى جهة ثانية فأن قابلية الانشطار هي احتمال مغرٍ بقدر ما هي شرخ في صف الوحدة الوطنية !
ومن خلال هذا الظرف والظروف السائدة الأخرى، فالوحدة الوطنية هي البديل للانشطار وهي الحالة الموضوعية التي لا تتحقق إلا بتحقيق ظروفها وأول خطوة على طريق هذه الوحدة المطلوبة ، هو أن تقتنع كل الأطراف إن ذلك في مصلحتهم جميعاً.
على الرغم من المآسي التي شهدها العراق من أعمال عنف في أنحاء متفرقة ، ومن وصول الأزمة إلى حافة الخطر، فأن الظرف ملائم لتخليص كل الفر قاء من هذه الأزمة التي يشكل استحكامها نزفاً دائماً لا شفاء منه، لان شرط الخلاص هو أن لا يكون الحل مبتسراً فيشكل ورطة جديدة، بحيث تنتفي إمكانية أي حل في المستقبل.