في قرِأتي للمجموعة الشعرية الجديدة (بروفايل للريح …رسم جانبي للمطر ) للشاعر العراقي جواد الحطاب ، وجدت في البدء أنها تشجع المتلقي على الإستدارة نحو الجانب التاريخي لما ورد فيها من إشارات كثيرة عن تاريخ العراق أي أنها تضع مخيلة القارئ بين رغبتين رغبة تحفيز الوقائع بأسلوب عصري ورغبة البحث عن جمالية تلك الوقائع للوصول إلى المحصلة التي أرادها الحطاب وهي الوعي بالمنحى الجمالي الذي يتسيد ذلك الشد المتواصل بين المعطيات والتي هي كم من الأسئلة التي يوجهها الشاعروجلها تصب في مديات المجهول عما يعانية الإنسان ضمن حلقة من الحلقات الجديدة في الفترة الزمنية التي نعيشها الآن والتي ستصبح تاريخا فيما بعد وكذا الجدير بالإشارة أن إستحضار نصب الحرية من قبل الشاعر لايعني بالضرورة أن النصوص تخضع لعلاقة مطلقة وذلك العمل الفني وإنما المرور عبره لتوزيع نصوصه في المجموعة على مساحات من الإشتغال تحت الحاجة لما تعني الحرية وما يراد منها لتكون وجها مضادا للخراب كما أن الأشياء الموضحة ذات مغزى والأشياء التي لم توضح ذات بُعد رمزي ضمن عدد كبير من المضامين الإجتماعية والسياسية والدينية التي تحمل معنى التقريظ الساخر وكذا في التوافق الإنفعالي في بدايات الجملة الشعرية وفي نهاياتها، إن الإمتدادات البصرية لدى الحطاب لاتعبر عن الكلية الظاهراتية كونه يلجأ الى القطع المركز وهذا القطع المركز يعتمد على تجديد السياقات المتوالية للمشهد الشعري أي أن هناك إدغاما مفيدا بين الجمل المألوفة المعصرنة بجمل غير مألوفة وهذه الإنتقالية تجعل المشهد الشعري يفيض بالترقب وهو مايجبر المتلقي على السعي للوصول إلى التحول القاطع في كنية نص وأخر لذلك فأن هناك وجودا للزمني وللازمني ووجودا للمعقول واللامعقول ويكون جوهر كل ذلك خلف كلمة الحطاب التي أرادها بحيث أنه نجح في إحضار الوقائع ونجح في وصفها وأبدع حين جعلها شريكته في الشهادة وماأنفك يطارد الموت كي تنجو الحياة ،إن إندماجا ما بتعبير هوسرل قد حدث مابين الصمت واللغة ومابين العقل المُدرك والمخيلة المنفلتة والقصد السببي والنفي له وأجمل مابتلك الإشكالية أنها إشكالية غير تنظيمية رغم مرافقتها الدقيقة لحركة الأشياء في مجمل نصوص المجموعة الشعرية لذلك فأن النشاط اللغوي رغم رصانته في رصد الحاضر فأنه ينفتح على الماضي بنفس هذه الرصانة وذلك مايجعل الشعور بالزمن موحدا في أبعاده الثلاثة ويبقي الحاجة قائمة للتوسع الأكبر بما تشكل أغراضه الإضافية وهو يستعين أحيانا بالحكايا الشعبية وأحيانا بالإشارة الى الأسطورة وهي تحمل معناها الذي يتصل بالوقائع الآنية وذلك الربط يعطي للمتلقي قدرا من التوضيحات عن طريق الشعر لا عن طريق تفسير الشعر وعن تأثير تلك الميثولوجيا في حياة الشعوب ويلاحظ أيضا أن هناك ضرورات في تزاوج العالمين الخارجي والباطني فالخارجي مرئي ومسموع بصوت عال والعالم الباطني فَسلَجَهُ الحطاب في معمارية جديدة لذلك وفي هذه النصوص نجد الباطن أعلى صراخا من العالم الخارجي وأجلُ حضورا وهيبة ووقارا وتلك نقطة التحول الأخرى في مسار بنية الإنعطافات التي يخلقها الدمج التخيلي بين بواعث القوى النفسية وتداخلات المشهد البصري ومزية أخرى وأخرى يضيفها الحطاب في قدرة الإنطباع الصوتي وما يخلق هذا الإنطباع من لامتناهيات متنوعة تساعد في تناسل الأحداث ليقدم الشعر وظائف أخرى للغة الشعرية خارج حمولتها من المفردات حيث لم يضع الحطاب تبويبا إفتراضيا للحوادث المستقاة وترك الأثر الوجداني يخلق مايرى ملائما لطوقه الدرامي كي لايفلت من كفيه حزنٌ أو نوحٌ أو بكاءٌ وبذلك فقد أشبَعَ نصوصه بما يعيش في داخل اللغة وليس بما خارجها أو خلالها لوضع موجوداته جميعها أمام عينية ثم إجراء عملية الإنصهار عليها وبما أنه تمكن من هذا التوافق عندما تقبل المشهد الشعري كل ذلك فقد تعمقت الأفكار في المعطى وتوصل إلى النوعية النادرة في مخططه الجمالي،
– بروفايل للريح … رسم جانبي للمطر // المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر العراقي جواد الحطاب