لم يكن مفاجئا للكثيرين ماسوف اقوله او اشير له في هذه الخاطرة ، وانا اتأمل واستعرض ماتعرض له شعب العراق ودولته الوطنية العتيدة ومؤسساتها الرصينة وقيادتها ومناضليها من استهداف وظلم وتآمر واجحاف وصد وجفاء وصل الى حد العدوان والتدمير والحصار ثم الاحتلال والغزو الذي احرق الاخضر باليابس !!
كثيرين الذين هم اشتركوا وساهموا ومولوا وحرضوا وسهلوا العدوان والحصار والغزو الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها ، عربا وغير عرب ، ( واقصد النظام الرسمي العربي وبعض من أيدهم من العرب أحزابا وشخصيات ) ومن القريبين والبعيدين ، وكانت حجة من ساهم واشترك ومول وحرض وسهل العدوان من الدول العربية بدون استثناء والدول المجاورة ومنها ايران ، هي غير تلك الحجج التي ساقها المحتلون الأمريكان والبريطانيين وحلفاءهم ، حيث كانت مشاركة هؤلاء تنطلق من تنفيذ أمر مفروض عليهم ومطلوب منهم تنفيذه بدقة !! وتنطلق أيضاً من حجة ان النظام الوطني القومي في العراق هو مصدر تهديد لجيرانه
( العرب وإيران وطبعا إسرائيل ) مستندين بذلك على ماحدث وما وقع من صراعات وحروب ، الحرب مع أيران من ناحية ، وموضوع ضم الكويت للعراق من ناحية أخرى .. طبعا والاهم من ذلك هو التصدي العراقي الثابت للعدوان والاحتلال الصهيوني لفلسطين وأراض عربية أخرى وتصميم العراق على خوض معركة التحرير مع الكيان الصهيوني ان آجلا او عاجلا .
لا اريد الخوض في تفاصيل تلك الحروب ولكن باختصار ، فان الحرب العراقية الإيرانية والتي بدأت بعدوان إيراني سافر ضد العراق موثق ومعروف ، واصرار ايراني غريب على استمرارها طيلة هذه المدة ، ورفض ايران لكل القرارات الدولية والوساطات لايقافها ، والتي وافق عليها العراق جميعا ، وتوضحت الاهداف بعد فضيحة ايران – كونترا عام ١٩٨٦ التي بموجبها كانت ايران الخميني تستورد السلاح من اسرائيل لضرب العراق ، وبلغت قيمة تلك المشتريات حسب مذكرات ديفيد كيمحي وكيل الموساد في شمال العراق ووكيل وزارة الخارجية الاسرائيلية لاحقا ، واحد المشرفين على تنسيق هذه العملية ، هو ستة مليار دولار اي مايعادل عشرة اضعاف هذا المبلغ الان ، طبقا لقيمة الدولار الحالية !! اذن انها حرب خاضتها ايران بالنيابة عن امريكا والغرب واسرائيل .
وموضوع الكويت هو الاخر ، له مقدماته المعروفة وما قام به حكام الكويت من دور اوصل الامور الى ماوصلت اليه ، في خطة مكشوفة منذ لحظة مجيء. ( شوارزكوف ) للكويت ووضع تفاصيل الهجوم على العراق منذ بداية عام ١٩٨٩ اي قبل نشوء التوترات والازمة باكثر من سنة ونصف ، واترك للقاريء تفاصيل ماجرى لاحقا من تجاوزات واستفزارات وعدوان سياسي واقتصادي لخنق العراق واسقاطه !!
ولكن رغم ان ماجرى ضد العراق من حرب ايرانية وما نتج عنها من خسائر مادية وبشرية كبيرة !! ، ورغم مانتج عن موضوعة الكويت منذ تآمره على العراق ، ومن بعدها ضمه بالقوة !! ومن بعد ذلك ضرب وتدمير العراق بعدوان اشتركت فيه اكثر من ثلاثين دولة ( بحجة تحرير الكويت ) ؟؟ من تداعيات خطيرة اوصلت العراق والمنطقة العربية الى منزلقات لازالت هي الاسوء في تاريخ الامم والشعوب .
اقول رغم ذلك كله ، فان العراق وقف شامخا وهو يتحدى العدوان ويصد المعتدين ، ويبني بناءا اسطوريا لبلد دمرته الة عدوانية رهيبة وفي وقت قياسي ، متجاوزا ومتحديا الحصار الاقتصادي والسياسي المترافق مع العدوان العسكري المستمر طيلة ١٣ سنة من الصبر والمطاولة والثبات ، وهو يصنع ويبني ويعمر ماخربه الأشرار ، وبأيدي عراقية شريفة ونظيفة .
والاهم من ذلك كله بتقديري ، فأن العراق وقف متسامحا مع جميع من اعتدى عليه ، ومن منطلق القوة بعد ان اعاد البناء ، وليس في لحظات الضيق !! وهل يعتقداحدا بأن تكون صفة التسامح وتجاوز اخطاء الماضي والعفو عند المقدرة الا صفة الاقوياء النبلاء الاباة ؟؟ وهل غير العراق وشعبه وقيادته الوطنية يمكن ان يحمل تلك الصفات ؟؟ نعم انها صفات اهل الحضارة والتاريخ والرسالة والموقف !! وهكذا هو العراق .
لكن هذا التسامح والرغبة العملية في طي صفحة الماضي وبمبادرات معروفة قام بها العراق لتصفية وإنهاء الخلافات وفتح صفحة جديدة من حسن العلاقة ، مع ايران او إخوته العرب ( أخوة يوسف ) ؟؟ ، قوبل من قبل معظم العرب !!! وكذلك ايران بمزيد من الامعان في الجفاء والغدر ، وفي الحاق الأذى والتدمير ، وطعنه والتامر عليه ، حتى وصل الامر لاحتلاله وغزوه وتدميره وسرقته وإفساده بعد قتل الملايين من شعبه وتشريده !!!!
وانطلقت مقاومة شعب العراق شامخة كشموخ النخيل ، منذ بداية الاحتلال ، والحقت الهزيمة التاريخية بالمحتلين عسكريا وسياسيا واقتصاديا واخلاقيا وكانت انجازا اسطوريا ليس للعراق فحسب وانما للامة ودول المنطقة والانسانية جمعاء .
وفتحت هذه المقاومة الباسلة والتي هي وريث تلك الدولة الوطنية العراقية ، ذراعيها وهي شامخة منتصرة بإذن الله لكل الاخوة العرب والجيران من دول المنطقة ومنهم ايران ، متسامية ، متسامحة ، عاضة على الجرح ، متجاوزة الماضي ومآسيه ودسائسه التي مهدت وسهلت للعدوان والحصار والاحتلال والتدمير من اجل الوقوف معها في جهادها ونضالها !!
قليل جدا من العرب من استجاب وتفاعل !!
وبعضهم من سكت ولم يستجب وكأن الأمر لا يعنيه ؟؟ وبقي محاصرا لها كما هو دوره في حصار العراق من قبل ، تنفيذا او خوفا او قبولا ، بنتائج الاحتلال ورغباته ومشروعه !!!!
والبعض الآخر من العرب استمر في غيه ومكابرته بل في سقوطه المريع في حضن أعداء الامة ، منفذا ذليلا لمشاريعهم الخبيثة لتدميرها ومصادرة قرارها وضياع هويتها ؟؟ ولازال البعض منهم يقف ذليلا متبخترا بالباطل أرعنا رعديدا متصابيا وهو يتبجح أمام الكاميرات بانه هو ودولته قد ساهم في ( تحرير العراق ) !!! ويقصد تحريره من نظامه الوطني الذي حماه وحمى عرشه بعد ان انقلب الابن على ابيه ، وتآمر الاخ على اخيه !!! كما حمى فخامات وعروش وعروش ودفع عنهم شر مستطير في تلك الملحمة من التصدي للعدوان الايراني .
أما إيران الرسمية الجارة موضوع حديثنا الان ، فبدلا من ان تكون كما تدعي وتعلن ، من انها ايران الدولة المسلمة المؤمنة الثورية العادلة المنصفة ، المحترمة لحقوق الجيران وفي المقدمة منهم العراق ، والداعمة لمقاومته كما تدعي ؟؟؟ والصادقة في مواجهة الشيطان الاكبر كما تقول ؟؟؟ والمتمسكة بصدق الموقف والرؤية في مواجهة واسقاط المشروع الامريكي الصهيوني كما تعلن ؟؟؟ والمساهمة الايجابية في استقرار المنطقة واستتباب امنها كما تزعم ؟؟؟
اقول بدلا من ذلك كله .. نراها تبتعد كثيرا عن تلك الدعوات والمفاهيم والقيم والمواقف ، وتتصرف بانها دولة معتدية جائرة ظالمة ، منتهكة لحقوق العراق !! متدخلة بسلبية مطلقة في شؤونه الداخلية !! ممعنة في قتل وتصفية قواه الوطنية والقومية والاسلامية !! متحالفة مع عملاء وجواسيس الاحتلال الامريكي الصهيوني في العراق !! معترفة بمشروع الشيطان الاكبر وتعمل جاهدة على انجاحه في العراق من خلال قيادتها وادارتها للعملية السياسية الاحتلالية الباطلة والفاشلة والفاسدة والطائفية والارهابية والتي هي نواة مشروع ( الشيطان الاكبر ) كما يسمونه هم ، بشكل مباشر من خلال تدخلها السافر في العراق أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، او بشكل غير مباشر من خلال أحزاب طائفية وعصابات وميليشيات تم تأسيسها وتدريبها وتمويلها من قبل ايران ، وهي ذاتها العميلة والمنفذة والمتحالفة مع الأمريكان وكانوا عرابيه في احتلال وتدمير العراق .
أنها حقاً مفارقة عجيبة غريبة تلك التي تقف عليها ايران من قضية العراق ، وادعاءاتها غير الصادقة في مواجهة أمريكا والصهيونية ؟؟
وإلا كيف لعاقل ان يفسر لنا هذا التناقض في الموقف والسلوك والرؤية ؟؟ من انك تريد ان تقاتل اميركا وتقتلع إسرائيل من الوجود ، وفي ذات الوقت تقاتل وتبذل المستحيل على حساب معاناة شعبك وتقدم وطنك ، من اجل تثبيت وانجاح مشروع أميركا وإسرائيل في العراق ، والذي هو مصدر الشر الحقيقي لكل أقطار الامة التي تعاني منه الان ؟؟
ان ايران الذي نتمنى ونريد ونطمح نحن العراقيين ، هي ايران الجارة المسلمة التي تحترم شعب العراق باجمعه ، بل وتعمل على الوقوف مع هذا الشعب بصدق من اجل انتزاع حقوقه العليا التي رفعت لواءها المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية ، والتي قاتلت من اجلها المحتلين وهزمتهم ، وقدمت التضحيات الكبيرة من اجل انتزاعها … وان ترفع ايران يدها عن العراق ليقرر مصيره ومستقبله بيد ابناءه المخلصين ، دون اصطفاف مع فئة او جهة معينة ، معتقدة اعتقادا خاطئا جدا بانها ستحقق مصالحها وتنفذ مشروعها بهذا الاصطفاف ، والذي يعقد المشهد السياسي في العراق والمنطقة بدلا من المساهمة في حل مشاكله ، كما ويفقد ايران فرصة تحقيق مصالح مشتركة ومتوازنة مع جيرانها فيما لو تحالفت او بنت علاقاتها مع قوى المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية التي تمثل كافة محافظات العراق وقومياته واديانه وطوائفه وانتماءاته السياسية الوطنية المجاهدة . لان تحالفاتها الحالية مع جهات مشبوهة ومرفوضة ومعزولة متخلفة وطائفية وفاسدة ، إنما يضع القيادة الإيرانية في دائرة الشك والريبة وعدم الثقة من قبل حتى من يؤيدها لأسباب تكتيكية من العرب رسميين وشعبيين ، وهذا سوف يعرضها للخسران والهزيمة ان عاجلا أم آجلا .
بالتأكيد ان هناك العديد من الحكماء والعقلاء والمعتدلين والمتحضرين في ايران ، وقبل هذا وذاك هناك الشعوب الايرانية التي تربطها مع شعب العراق والشعب العربي اواصر من الجيرة والتاريخ المشترك والدين والعادات والتقاليد ، والهموم والتحديات الواحدة ، والامال المشتركة في نيل الحرية والاستقرار والعيش الكريم والعدالة والتقدم … يهمها ان يتحقق ماذهبنا اليه .أنها دعوة صادقة لكل هؤلاء ، كما أنها دعوة لإيران الرسمية للحوار مع المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية لوضع أسس العلاقة المستقبلية بين البلدين والشعبين الجارين ، وفق مايحقق حفظ حقوق العراق وانتزاعها وتنفيذها ، فهل من مجيب ؟؟
لتجنيب الشعب الإيراني والعراقي صراعا قد يمتد الى مالا يحمد عقباه ؟؟
لان شعب العراق ومقاومته الوطنية وقواه وعشائره وبيوتاته وكل مكوناته وبجميع محافظاته ، مصمم على انتزاع حقوقه كاملة غير منقوصة كما وردت في برنامج التحرير والاستقلال ، مهما طال الزمن وغلت التضحيات .
بالتميز الجهة المنسقة لخلية التجسس التي أعلنت عنها الداخلية السعودية في الأيام الأخيرة الماضية. فإيران باتت العنصر «الثابت» في كل ما هو مقلق مؤخرا، فالبحرين تئن جراء التدخلات والتهديدات الإيرانية، وكذلك الأمر بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي احتلت إيران جزرها بشكل سافر، والكويت تعاني الأمرين جراء التدخلات السياسية المباشرة وغير المباشرة من إيران في صميم شؤونها الداخلية، وسبق لها أن أعلنت عن اعتقال الشبكة تلو الأخرى من شبكات التجسس والخلايا المسلحة المحسوبة على الاستخبارات الإيرانية.
وطبعا المشهد العراقي مليء ببصمات وشواهد التوغل الإيراني الذي سكن في «النخاع الشوكي» للمنظومة السياسية في العراق اليوم، وها هو يهدد اليوم أيضا اليمن بشكل فج وسافر، الأمر الذي أدى إلى أن يعلن اليمن على لسان قادته بأن إيران باتت تشكل خطرا أساسيا على وحدة البلاد وأمنها، ولا يمكن إغفال التدخل الإيراني السافر في دعم نظام مجرم وطاغية في سوريا بشكل لا يمكن أن يقبله عاقل ولا مجنون. إنها جميعا مشاهد إجرامية وخطيرة.
هناك جيل بأكمله من العرب اليوم يشتاق لإيران «القديمة» إيران التي كان العرب يشتاقون لزيارتها والانبهار بتمدنها وحضاراتها، جيل شاهد إبداعات حرفيي «أصفهان» وهم يبدعون في إنتاج أجمل الخزفيات والثريات، وحائكي السجاد الإعجازيين في «قم» و«تبريز» و«كلشان» الذين أبهروا العالم بإنتاج أعظم قطع السجاد الذي عرفته البشرية، ناهيك عن المطبخ الإيراني الذي يسيل له اللعاب ويغري الحالمين به ما بين صحن للأرز البسمتي الإيراني والكباب السلطاني و«الجولو» و«البغلي بولو» وهي جميعا أطباق شبه أسطورية لا قبل لها في الثقافات الأخرى، وحدث ولا حرج عن الزعفران الإيراني الذي يجمل الأطباق والشاي والقهوة ولا يمكن نسيان صحون وأصناف الحلوى المشكلة ما بين المن والسلوى وغيرهما.
إيران الفنون والأدب لها هي الأخرى النصيب المهم في الوجدان للذواقة من العرب، فهم كونوا حالة من العشق مع مطربة إيران الكبرى غوغوش التي لا يزال عدد لا بأس منهم يلاحق حفلاتها في كل مكان رغم تخطيها السبعين عاما، ومشهد حفلتها الأخيرة في قاعة ألبرت في لندن هو أكبر دليل على صدق ذلك بلا شك. وأدب عمر الخيام وجلال الدين الرومي وقصائدهما وكذلك إنتاج الأفلام المبهر لمخرجين عظام مثل سميرة مخملباف وعباس كياروستامي، إنها مجرد أمثلة على ما كانت عليه إيران في الوجدان العربي، دولة مبهرة وناجحة وتحولت إلى دولة حاقدة وغاضبة ومثيرة للمشاكل والشغب والفتن والقلاقل حولت شعبها «الفخور» إلى مهجر وموضع شك دائم.
كل ذلك تم ليكون الشعب هو الفدية أو الضريبة لأجل حكم مستبد بشعار «تصدير الثورة». المقارنة بوضع المنطقة قبل ثورة الخميني عام 1979 وما بعد ذلك كفيلة بالإجابة على النتائج التي جاءت تباعا جراء هذا التغيير المريب في المنطقة. لم تكن هذه الثورة إلا وبالا على إيران نفسها وشؤما على المنطقة. نشتاق جميعا لإيران القديمة حينما كانت مصدر إلهام وإعجاب، وتألق كل ذلك بات من صفحات وأرشيف التاريخ لأن حاضرها اليوم لا مكان فيه لأي من هذا.