لا يختلف اثنان على ان الفساد أصبح وحشا يأكل كل شيء في العراق ..لذلك تهدر مليارات الدولارات ويضيع الوقت دون ان يتركا على الارض اثارا ايجابية محسوسة ، أن على صعيد التنمية او الخدمات . وقد تجذرالفساد ليتحول الى فساد مؤسساتي … هذا مايقوله الصحفي الايرلندي ( باتريك كوكبيرن ) الذي يغطي احداث منطقة الشرق منذ عام 1979( أي أنه خبير بشؤون المنطقة ) والذي زار العراق في ك2 الماضي وكتب 3 مقالات نشرتها صحيفة ( الاندبندنت ) اللندنية الواسعة الانتشار . المقال الاول كان بعنوان ( كيف نسي العالم العراق)، والثاني “جهاز كشف المتفجرات المغشوش لا يكشف الا الادوية ” ، والثالث ” كيف تحولت بغداد الى مدينة للفساد ” وفي هذا المقال الاخير يسرد مشاهداته وتقييمه لحالة الفساد المستعصية في البلد . وعلى الرغم ان مايكتبه امور معروفة لنا ، لكن تبقى وجهة نظر صحفي أجنبي يكتب لقراء اجانب أمر مهم لنا وكي لا نتهّم بالتهم اياها اذا كتبنا نحن العراقيون عن هذا الموضوع .
يقول (كوكبيرن) أن الفساد يعقّد الحياة اليومية للعراقيين ، اذ أنه ينخر جسم الدولة العراقية بكل مؤسساتها ” فلا يمكنك الخروج من سجن ان لم تدفع مبلغ ، فالقاضي لا يخلي سبيلك ان لم تدفع له ، وستبقى داخل السجن حتى وأن اطلق سراحك لأن الضابط المسؤول عن السجن الذي اشترى موقعه بعشرات الاف الدولارات يريد استعادة مادفع مع الفائدة بالطبع … والسجين بات عليه دفع 100$ مقابل السماح له بالاستحمام لمرة واحدة ” . ويمضي الصحفي في تقريره ” ان حالات الفساد التي رآها لا يمكن تصديقها … فأسعار العقارات في بغداد مرتفعة بصورة لا عقلانية ومع ذلك وكما يخبره سمسار عقارات ، المشترون موجودون وهم من الحيتان الجدد والكورد الذين يدفعون مما سرقوه..حتى أصبح المسؤولين بالدولة ومن لهم صلة بهم مالكون لافضل واغلى العقارات في العاصمة ” .
ويتذكر الصحفي كيف أن أحد الموظفين العراقيين أخبره قبل عشرة سنوات وقبل الحرب” أن العراقيين لا ثقة لديهم بعراقيي الخارج الذين يدعّون أنهم سيعودون لبناء البلد بعد اسقاط النظام ، وأن هؤلاء سيكونون أكثر فسادا من القائمين الحاليين “.. ويمضي قائلا ” لقد صدقت نبوءة ذلك الموظف ” ، ويمضي في وصف حالات الفساد التي شاهدها واستحالة محاربتها لتغلغلها العميق في مؤسسات الدولة مثل سرقة النفط والرشاوي والرواتب والامتيازات الهائلة التي يتنعم بها المسؤولون ،حتى أن وزير سابق أخبره وبحكم عمله كوزير ” أن الحكومة العراقية عبارة عن فساد مؤسساتي ” . والفساد لا يقتصر على الحكومة المركزية ، فالفساد هائل في كردستان ايضا ” الا أن الادارة الجيدة نوعا ما للموارد جعل كردستان نموذجا للتنمية في البلاد “.
بقى أن نضيف ان الفساد المؤسساتي هو السبب الرئيس لكل المشاكل والاشكاليات التي تهيمن على الحياة العامة في العراق ، فتأثير الفساد ليس ماديا فقط ( على اهمية هذا الجانب للعراق ) ، فالفساد هو الذي يكرس سوء الادارة والمحاصصة والطائفية والجريمة المنظمة والسرقة العامة وحتى الخلافات بين الكتل السياسية . والحملات الانتخابية الحالية والمقبلة هي نماذج حية من هذا الفساد . فتكوين القوائم واختيار المرشحين وتمويل الحملات والتصويت وجمع وفرز الاصوات واعلان النتائج يخضع لصفقات مالية ومصلحية وطائفية وحزبية لا علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد بكفاءة المرشح او بالمصلحة العامة … وبالتالي سيأتي فاسدون جدد ليحلوا محل الفاسدين الحاليين ، وأول ماسيسعى اليه المرشح الجديد المنتخب ليس العمل المنتج بل سداد فواتير انتخابه ورد دين من حمله للفوز من خلال استغلال منصبه الجديد للمصلحة الذاتية… وهكذا اصبحت انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات النيابية مصدرا مقننا للفساد الرسمي .
وعليه فان الفائز الاكبر ويكاد يكون الوحيد من الانتخابات الحالية ومن الانتخابات النيابية المقبلة هو الفساد ، وهو الذي سيشكل الحكومة … فكيف يريد البعض من الحكومة مكافحة الفساد اذا كانت هي ذاتها نتاج له ؟ وكل انتخابات …..والفساد بألف خير .