19 ديسمبر، 2024 1:15 ص

لم نعرف الطائفية أو العنصرية البتة

لم نعرف الطائفية أو العنصرية البتة

في زماننا لم نعرف الطائفية البتة.. صحيح إن لكل قاعدة استثناء.. لكن هذا الاستثناء”الطائفي” يعوي وحده..ولا من أحد يسمعه.. ومنبوذ من كل المجتمع..بل قد يكون منعزلاً حتى من عائلته..التي تخجل من سلوكه الطائفي.
وهنا أذكر محطات في حياتي بهذا الشأن:
ـ كان لوالدي منذ أوائل الأربعينيات من القرن الماضي موكباً لعزاء الحسين بإسم “موكب عزاء شباب باب الشيخ”..وبالرغم من انتقال سكننا في أواخر الأربعينيات إلى منطقة البتاويين ظلً والدي يرعى الموكب الحسيني هذا..فأخذ يتسع ويشتهر عاماً بعد عام..حيث إن قراءهُ القادمين من النجف كانوا من بين أفضل القراء المعروفين.
كنتُ (أنا) واحداً من بين فتية المنطقة المواظبين على الحضور يومياً في هذا الموكب.. وبمرور الزمن اكتشفتُ (أنا) حالة كانت اعتيادية في ذلك الزمان..وهي إن الحضور في موكبنا هذا هم خليط من الطائفتين..فسكان المنطقة هم خليط من الطائفتين..وكان عدد الحضور للموكب اليومي “اللطامة” يقدر بألف شخص يشق اللطم صدورهم لتنزف دماً حباً لسيد شهدائنا الحسين (ع)..أ كان نصف هؤلاء (اللطامه) أو أقل من أبناء المنطقة من السنة.
ـ توسعت صداقاتنا نحن شباب المنطقة لتضمً شباباً من منطقة البتاويين..وكانت معظم لقاءاتنا المسائية في منطقة باب الشيخ..حيث كنا نؤدي صلاتي المغرب والعشاء في الحضرة الكيلانية..أو بجامع ألخلاني..كما كنا نحضر الموالد وقراءات الذكر في أيام شهر رمضان المبارك..التي كان يحيها “طيب الذكر” الشيخ عبد الستار الطيار وفرقته في الحضرة الكيلانية.
ـ أتذكر عندما كنا نزورُ مرقد الإمام موسى الكاظم في الكاظمية..وعند عودتنا نعرج لزيارة مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان..في منطقة الأعظمية.
ـ العام 1970 كنتُ أنا (هادي حسن عليوي) رئيساً لمؤسسة الثقافة العمالية في نينوى.
ـ مدير مكتبي (فارس داود رحيم).. موظف ذكي جداً.. لا ينسى أبدأً.. نزيه ومخلص في عمله.
ـ دخلً عليً في أحد الأيام.. وظلً واقفاً ومرتبكاً.. ولم ينطق كلمة..نظرتُ إليه وابتسمتُ.. قلتُ له: فارس قل ماذا تريد مباشرةً؟.
ـ قال : أستاذ أختي تريد تتعين معلمة محو أمية في المؤسسة.. حتى تأتي معي وترجع معي.. طبعاً فراس يسكن في احد أقضية الموصل.
ـ بعد مقابلة قصيرة مع أخته.. ثبت إنها كاملة الصلاحية الصحية والعقلية.. تم تعينها وتنسيبها الى صف محو الأمية في معمل الكوكا كولا.
ـ فهذا المعمل في حي الشفاء.. ولا يبعد عن مؤسساتنا سوى ثلاث دقائق مشياً.. حتى تأتي وتذهب مع أخيها.. كما طلبً .. وباشرت (مي) العمل في اليوم الثاني..
ـ بعد مدة قابلتني (مي) وقالت: أستاذ غد وبعد غد عطلة عندي.. نظرتُ إليها.. وفكرت إنها ترغب بإجازة.. فلا توجد عطلة.. قلتُ لها قدمي طلب إجازة.. وننسب معلمة بدلاً عنكِ لهذين اليومين .. خرجت ولم تقل شيئاً.
ـ دقائق ودخلً عليً مدير الإدارة ينبئني بأن فارس وأخته مسيحيين.. وغداً عيدهم.
ـ ضحكتُ.. وضحكً مدير الإدارة.. وقال أستاذ أني هَمْ ما أعرف هسه عرفت من (مي).
ـ عراقيو اليوم.. افتهمتم ليش العراق كان متقدماً وشعبه مثقفاً.. وتعليمه بمستوى عالِ.
ـ لأنه بلد نظيف.. وموظفيه مخلصون.. ومسؤوليه بمستوى المسؤولية.. لا رشوة ..
ـ لا طائفية.. لا مزدوجي الجنسية.. لا عملاء لدول الجوار.. والعراق في حدقات عيونهم.
ـ عراقيون.. متى وصلتم لهذا المستوى.. وهذا السلوك الراقي.. وتركتم هذا شيعي.. وهذا سني.. وهذا ………. وهذا.
ـ وكنتم أحراراً في تفكيركم.. والعراق وطن الجميع.. ولا تقبلوا الرشوة.. ولا التزوير.. ولا تخلقوا لأنفسكم.. أصناماً.. هي لا تستحق حتى العيش.
ـ ستعيدوا الحياة لأنفسكم.. والتقدم لعراقكم.. والعالم يحسدوكم.. وينحني احتراماً لكم.