28 سبتمبر، 2024 11:20 م
Search
Close this search box.

حول عنوان مسرحية غوغول. (المفتش العام ) أم ( المفتش)؟

حول عنوان مسرحية غوغول. (المفتش العام ) أم ( المفتش)؟

نشر نيقولاي فاسيليفيتش غوغول ( 1809-1852) مسرحيته المعروفة تلك عام 1836, عندما كان عمره 27 سنة ليس الا,واصبحت واحدة من أشهر مسرحيات الادب الروسي والعالمي منذ ذلك التاريخ. عنوان المسرحية باللغة الروسية يتكون من كلمة   واحدة فقط وهي ( ريفيزور) ومعناها ( المفتش), وقد جاءت بالترجمة الفرنسية ايضا بكلمة واحدة فقط وهي نفس الكلمة و ضمن ضوابط اللغة الفرنسية بالطبع , وكذلك الحال بالضبط بالنسبة للترجمة الالمانية, اما بالانكليزية فقد ترجموها باضافة مفردة للكلمة تلك وبصيغتين و كما يأتي-
The Inspector-General /  The Government Inspector
و يبدو ان التسمية هذه جاءت الى لغتنا العربية عبر اللغة الانكليزية وليس من الاصل الروسي  واصبحت ( المفتش العام), وهذا بالطبع شئ غير دقيق بالمرٌة. لقد قلت مرة لطلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ذلك عندما كنت ادرسهم الادب الروسي, واخبرتهم بضرورة تصحيح تلك التسمية, فقالوا لي لماذا لا اقول هذا للمترجمين العرب, و الطلبة بالطبع على حق, فاجبتهم باني لا استطيع ان اقول لهم انهم ترجموا هذه المسرحية الروسية عن الترجمة الانكليزية وان المترجمين الانكليز قد تصرفوا على هواهم وانه لا ضرورة  ان نسير خلفهم مهما عملوا …ألخ, واقر اليوم, ان ترجمة المسرحية الروسية الى العربية  عبر لغة ( ابو ناجي) أقوى  من النص الروسي نفسه مع الاسف لدرجة, ان المترجم الكبير والرائع غائب طعمة فرمان قد خضع لذلك, اذ أصدرت دار نشر ( رادوغا) السوفيتية عام 1987 كتابا بترجمة غائب طعمة فرمان عنوانه ( المفتش العام ) , بل ان المترجم اضاف كلمة ( العام) حتى في النص نفسه ثلاث مرات في السطور الاولى للفصل الاول/ المشهد الاول رغم عدم وجود تلك الكلمة بتاتا في النص الروسي عند غوغول .
ان الاختلاف في الترجمة مسألة طبيعية جدا, ويمكن – مثلا – التوقف عند الجملة التي قالها قيصر روسيا عندما شاهد مسرحية غوغول في العرض الاول لها بمسرح بطرسبورغ, فقد ترجمها الدكتور ابراهيم استنبولي , المتخصص السوري المعروف في الادب الروسي هكذا – ( الجميع ملومون وانا اولهم) , اما الاستاذ ابراهيم العريس ( الصحفي المشهورفي جريدة الحياة اللندنية) فقد ترجمها هكذا – ( لقد نال كل واحد نصيبه في هذه المسرحية..بل يمكنني القول ان نصيبي انا كان اكثر من نصيب آلاخرين),وكلاهما كانا على حق , اذ انهما استطاعا ان يعبرا عن مضمون كلمة القيصر الروسي ,الذي اراد ان يقول ان غوغول قد انتقد الجميع وان انتقاده قد شمل القيصر نفسه اولا. واذا ما دخلنا أعمق, فاننا سنجد اختلافات اخرى كثيرة في ثنايا النص نفسه, ويمكن القول ان هذا الامر يكاد ان يكون طبيعيا واعتياديا ما دامت الترجمة العربية تخضع للمزاج الشخصي للمترجم ليس الا, ولا تجري ضمن ضوابط علمية دقيقة, ولكني – مع ذلك – لا استطيع لحد الان ان اجيب عن سؤال محدد وهو – لماذا ترجم المترجم الانكليزي هذه المسرحية باضافة صفة ( العام) او (الرسمي او الحكومي) لكلمة ( المفتش ) ؟, ولماذا اخذها المترجم العربي عنه وترجمها ( المفتش العام) ؟,ولا اعرف بالطبع الاجابة عن سؤال آخر وهو – متى ظهرت الترجمة العربية لهذه المسرحية لاول مرة ؟ ومن الذي قام بترجمتها؟ وعن اي لغة؟ (رغم انني استطيع التأكيد ان القارئ العربي يعرف هذه المسرحية منذ اواسط خمسينيات القرن العشرين),  وبالطبع سار المترجمون العرب على منواله, كما حدث مع الكثير من التسميات الادبية الاخرى, ولنتذكر تسمية خليل مطران لمسرحية شكسبير ( اوتيلو) التي اصبحت ( عطيل ), والحمد لله, ان المترجمين العرب لم يأخذوا مأخذ الجد اجتهاد الدكتور صفاء خلوصي , الذي ترجم اسم شكسبير ب ( شيخ زبير ), بل اني قرأت قبل فترة تعليقا لاحد العراقيين يقول ان بوشكين هو عراقي من عائلة المدفعي , وذلك لان كلمة ( بوشكا ) بالروسية تعني ( مدفع) وبالتالي فان بوشكين عراقي  ويجب ان نسميه ( الكساندر المدفعي ), واذكر ان المرحوم القاص العراقي المعروف غازي العبادي, صديقي وزميلي في جامعة موسكو ترجم مرة – مازحا – اسم تولستوي هكذا ( أسد نيقولا السمين), وبرر ذلك قائلا – ان اسم (ليف) يعني ( ليث او أسد او سبع اوضرغام…ألخ المترادفات العربية), اما لقبه فهو يرتبط بجذر كلمة ( تولستي) ومعناها بالروسية ( البدين او السمين), وقد علق احدهم عندها قائلا انه من عائلة (سمينه) اصحاب المطعم البغدادي الشهير في شارع المتنبي, واذكر مرة ان الاستاذ المرحوم عبد الجبار البصري ( وكان عندها رئيس تحرير مجلة الاقلام العراقية ) قد جاء يستفسر مني قائلا , ان الدكتورة حياة شرارة ارسلت للمجلة مقالة عن تولستوي واسمته ( ليف) ولفظها بكسر اللام والياء, فهل هو نفسه ليو تولستوي؟فقلت له انه ليف( بفتح الياء ) وان الانكليز يترجمونه ليون وان الفرنسيين يترجمونه ليو ( على الاغلب انطلاقا من عنجهيتهم القومية المتعالية ليس الا ) وان العرب يجب ان يصححوا لهم وان يترجموه كما يلفظه الروس بلغتهم الروسية اي ليف, وان الدكتورة حياة شرارة محقة عندما كتبته هكذا. ولا يمكنني ان استمر بذكر هذه الامثلة المضحكة – المبكية معا, ولكنني اريد ان اشير الى ان الترجمة عندنا كانت وما زالت تسير دون ضوابط علمية محددة ودقيقة, وانه لا توجد هيئات علمية متخصصة تتقن اللغات الاجنبية وتضع ضوابط للترجمة باعتبارها نشاط ثقافي كبير تحتاجه الامم في عصرنا المتشابك هذا, واختتم ملاحظاتي السريعة هذه عن تسمية مسرحية غوغول مستخدما تعبير استاذنا المرحوم مصطفى جواد – قل (المفتش) ولا تقل ( المفتش العام).

أحدث المقالات