19 ديسمبر، 2024 5:52 ص

متظاهرو باريس ، ومتظاهرونا

متظاهرو باريس ، ومتظاهرونا

سأل أحد الصجفيين متظاهرا غاضبا في (الشانزلزيه) ، ما الذي دفعك للتظاهر ؟ ، أجاب : (حياتي جحيم ، لا أستطيع إستبدال سيارتي (الرينو لوغان) والتي عمرها سنتان بأخرى ، راتبي 1800 يورو وهو لا يكفيني ، ليس بإمكاني السفر خارج فرنسا منذ العامين ) ! ، نعم ، أضع علامة التعجب لأني أقارن مطالب الفرنسيين ، بمطالب شبابنا التي أشعلت محافظات الوسط والجنوب ، بل ماذا كان سيفعل الفرنسيون ، لو تسلطت على رقابهم عصابات تسمي نفسها حكومة كالتي أبتلينا بها ؟ لا شك أنهم كانوا سيحرقون كل حواضر فرنسا ، فما فائدة قوس “النصر” ، وأزاءه مواطن يعاني “الهزيمة” ؟! ، فالظلم لا يُبقي ولا يذر ، ويحرق الأخضر قبل اليابس ، لكن هذه القاعدة لا يفهمها سياسيونا ، لأنهم ببساطة لا يفهمون شيئا وكأنهم مبرمجون على “الشفط” فقط !.

جكومة إمتصت الشعب حتى جعلته هشيما ، تبيع له أسوأ الخدمات على الإطلاق ، وأغلاها ، حكومة باعت البلد أرضا وأفرادا ، رهنت لحسابها تاريخه وماضيه وحاضره وثرواته ، بلد بلا بنية تحتية ، بلا زرعة ، بلا صناعة ، بلا تنمية بلا إصلاح ، ينخر في مؤسساته المترهلة إلى درجة التفسخ الفساد والمحسوبية ، طبقة سياسية وكأنها شركة متعددة الجنسيات ، لا هم لها سوى الإمتيازات والمكاسب ، نزاهة هي أبعد ما تكون عن النزاهة ، وقضاء وعدالة بيد قصيرة شلّاء عن عتاة المجرمين والسراق ، لتتحول إلى منجل يحصد رقاب الأبرياء ، مؤسسات عسكرية وأمنية بيد أبعد ما يكونون عن الإختصاص والمهنية .

مطالب متظاهرونا ليست مطالب من أجل حياة أفضل ، لأنهم حقا لا يعيشون “حياةً” بعد ، لقد سلبتها إياهم ما تسمى الحكومة التي أثبتت مرارا أن حياة وكرامة المواطن لا تعنيها ! ، لأنها تجمّع لصوص ، واللصوص يختلفون على السرقات ، لكننا من يدفع ثمن هذا الخلاف ، مطالب متظاهروناهي أن يبدؤوا حياة مهما كانت بسيطة ، لا يطمحون لحياة أفضل من شعوب الغابات التي لم تصل لها الحضارة ، متظاهرنا الذي أرهقه الهروب من شبح البطالة ، يطالب بحق العمل الذي أوصت به كافة الدساتير واللوائح ، وإذا كان رئيس برلماننا العتيد ، قد مرر قانون بدل الإيجار وقدره 3 ملايين دينار للبرلماني “الملياردير” ، في بلد فيه مليونا نازح بلا أرض وبلا سكن ! ، يفترشون الطين ويلتحفون الصقيع والمطر ، فإن المتظاهر العاطل لا يحلم ولو بربع ما يتقاضاه هذا البرلماني من بدل الإيجار هذا ، البرلماني الذي يحمل جنسية ثانية والذي ملأ مصارف الغرب بسرقاته ، وأشترى ما إشترى من العقارات دلخل البلد وخارجه .

متظاهرنا قتله غلاء الأسعار أسوة بدولة أوربية ، وهذه الأسوة الوحيدة التي تجمعنا بدولة أوربية ! ، لأن “دولتنا” لا شأن لها بأي شكل من أشكال الدعم ، لكن متوسط دخل المواطن الشهري لا يتجاوز 200 دولار ، وليس 1800 يورو (أكثر من 2000 دولار) ! ، ولا زال راتب الأجير اليومي مهما كانت شهادته ، لا يتجاوز 150 دولار منذ سنين ، متظاهرنا إن كان قادرا على شراء سيارة ، فإن سوق السيارات الكورية التي عمرها 10 سنوات لدينا ، يتجاوز سعرها 15 ألف دولار ! ، لكن في كافة أنحاء العالم ، بالإمكان شراء سيارة ممتازة عمرها سنة واحدة بسعر لا يتجاوز 1500 دولار ! ، وعندما يستعملها في رحلات بريئة ، سيجد عشرات الأجهزة الأمنية تتصيده بحجة تشابه الأسماء مع مطلوبين ، وعليه مواجهة الواقع الأمني الهش والمتداعي ، سيارة “تجتر” أسوأ أنواع الوقود في العالم ، وشوارع بائسة تجعل السيارة تهرم بوقت قياسي ، شبابنا إن أرادوا السفر ، وهو بالغالب بلا عودة ، فلا أحد يستقبلهم لأنهم يحملون أسوأ جواز سفر في العالم ! ، لا يتعدى طموح متظاهرنا ، أن يشرب مياه ولو صالحة لإستهلاك الحيوان في بلد الرافدين ! ، كل ذلك والبرلمان يلاحق شبابنا بمصيبة جديدة ، هي (التجنيد الإلزامي) ، ولكن لأجل ماذا ؟! .

طبقة سياسية لا تعرف للنهم حدودا ، أحالوا مساحات بغداد الخضراء إلى قطع سكنية لهم ، فعم الجفاف والأوبئة والتلوث ، وبلد تعشعش فيه الميليشيات التي ستعمل المستحيل ، لإدامة تسلط هذه الوحوش وهذه الأمراض الفتاكة ، ومنها خنق صوت الفقراء ومنعها من التظاهر أو على الأقل (تمييعها) ، وبالمناسبة ، هل سيشملها التجنيد الإلزامي ؟!

أحدث المقالات

أحدث المقالات