لعل الكثير من المواطنين لم يكونوا ليحلموا في يوم من الأيام انهم يستطيعون بصوتهم فقط ان يعمدوا إلى تغيير أي واقع فاسد وغير صحيح في مقاليد الحكم والمناصب الإدارية والسياسية، لانهم قد جربوا العيش خلال أكثر من ثلاثة عقود في ظل سلطة ديكتاتورية مقيتة لم تسمح لأحد ان يرفع صوته حتى داخل منزله بالانتقاد والتعرض للحكومة وقتذاك، بل كان الويل والثبور حصة كل من يتجرأ ويحاول حتى لو كان بمجرد الإشارة بأصبعه أو ملامح وجهه ــ كأضعف الإيمان ــ بدل التعليق والاعتراض على قرارات وإجراءات وتصرفات الرأس الصدامي الخالي من أية أفكار منطقية أو قرارات عقلانية، وهذا الحال هو أمر واقعي عانت وتعاني بعضه أو حالا أقرب إليه جميع شعوب المعمورة التي تبتلي بأنظمة شمولية جائرة كما ابتلينا نحن، ونجونا منها بعد عناء طويل وكبت مرير.
اليوم اصبح بإمكان المواطن العراقي البسيط ان يعبر عن رأيه بحرية وشفافية وراحة بال دون ان يتعرض الى مشاكل أمنية ومضايقات حكومية تنال من كرامته لمجرد الإدلاء برأيه وأفكاره، اليوم بفضل التغيير السياسي والديمقراطي اصبح العراق يعيش مناخا ديمقراطيا دسما، وتحول الى ساحة واسعة ورحبة لكل من يهدف الى المساهمة في بناء البلاد وانتشالها من حالات البؤس والتخلف الاقتصادي والعمراني والخدمي نتيجة تعرضها الى إهمال شديد بسبب الحروب والمغامرات الطائشة التي اقترفها النظام البائد في المنطقة، فضلا عن ثقافة التخلف التي كانت سائدة آنذاك لدى أغلب مسؤولي الدوائر الحكومية والخدمية، وحتى اليوم فإننا نجد ان عشرات مسؤولي المحافظات والحكومات المحلية ما زالوا منساقين ــ من حيث يعلمون أو لا يعلمون ــ الى اشكاليات ثقافة التخلف نفسها وكأنهم توارثوها عن سلطات النظام البائد، مما أنعكس بشكل واضح على مدى الخدمات المقدمة لأهالي كل محافظة من المحافظات العراقية، في حين نجد ان بعض هذه المحافظات نتيجة لضعف المستوى الخدمي فيها وكأنها تعيش في مرحلة من مراحل العصور المتأخرة، اذ اصبح من النادر رؤية مشاريع حقيقية منجزة خلال الفترة الماضية رغم وجود مجالس محافظات منتخبة حديثة.
ان مجرد مشاركة المواطنين في الانتخابات المقبلة والادلاء بأصواتهم قد لا يغير لهم من الواقع المزري لمحافظاتهم الشيء الكثير ما لم يكن مصحوبا بحسن الاختيار ودقة التوجه صوب المرشح النزيه والكفوء والمخلص في عمله، لانهم سيكونون هم البناة الحقيقيين للمجتمع والمحافظة عبر اختيار المرشح القادر على البناء والاعمار بالشكل الامثل، والذين سيكونون هم من سيجني ثمار اختياراتهم وقراراتهم بعيدا عن أي ضغط سياسي أو عسكري، كما كان يحدث خلال الفترة الصدامية البائدة التي كانت عمليات اختيار المحافظين ومجالس المحافظات محصورة بالقائد الهمام الذي يكتفي فقط بإشارة صغيرة من أصابعه الى حاشيته ليرفعوا هذا المسؤول في المحافظة ويأتوا بآخر يناسب أفكار القائد الحاكم ويلاءم توصياته وطرائق إجرامه وهمجيته بغض النظر عن انجازاته التي يمكن ان يقدمها للمحافظة أو رغبة أبناء المحافظة في هذه الشخصية النزيهة أو تلك مما كان يمكن ان تجود به تلك الفترة القاسية.
ولكي لا تتكرر هذه المعاناة الشعبية والجماهيرية من جديد ينبغي على جميع المسؤولين عن آليات العملية الانتخابية ان يقوموا بدراسة كافة مستلزمات إنجاح التجربة وتفعيلها وتنشيطها خدمة للصالح العام، وحفاظا على حقوق الشعب وثرواته من الضياع والهدر، وأهمها واولها اعطاء الفرصة الكاملة للمواطن لاختيار من يعتقده جديرا بحمل لواء خدمة المجتمع والمواطن، وبالطبع فإن حملات التثقيف والتوجيه والارشاد تلعب دورا كبيرا في ترسيخ ثقافة التغيير نحو الاحسن لدى المواطن على اعتبار ان الانتخابات هي أفضل فرصة لتغيير الادارات الفاشلة والحكومات المحلية غير الكفوءة، لتتحقق الغاية الاسمى من العملية الانتخابية بشكل عام.