يبدو ان قصتنا مع “مهازل” كوميديا السياسة لن تنتهي، وستبقى مسرحية السلطة تلاحقنا لتذكرنا دائما بان بعض القوانين وضعت لخدمة الطبقة السياسية وليس “عُبَّاد الله”، الذين لا يجدون من ينصفهم في ابسط حقوقهم وخاصة حين ما يتعلق الامر بالسلطة القضائية التي من المفترض ان تشكل ضمانا “لإنصاف المظلومين” وتعاقب المقصرين مهما كانت مراتبهم ومكانتهم السياسية او الاقتصادية، وليس التحول لأداة تعرقل اعادة الحقوق وتسمح للمجرمين بممارسة هواياتهم تحت خيمة “حصانة العلاقات السياسية”.
فقصة وزير التجارة الاسبق عبد الفلاح السوداني واحدة من تلك الأخطاء التي رسمت صورة لا يمكن تجاهلها او الابتعاد عنها، لانها تضعنا امام تجربة حقيقية عن معنى “المجاملة” على حساب الحقوق فكيف لوزير سرق نحو ملياري دولار من “قوت المواطنين” ان يشمل بقانون العفو بعد ان كان اعتقاله “اول خطوة” على طريق محاربة الفاسدين وناهبي المال العام، لكن الفرحة لم تستمر طويلا، وحزن رفاق الدرب لم يكن “سرمدا” كما شوهد على أعينهم وهم ينظرون للسوداني وهو يساق من بيروت الى بغداد قبل اكثر من عام، حينها خرج علينا الامين العام لحزب الدعوة عبد الكريم العنزي وهو يتحدث “بحرقة” قائلا “عبد الفلاح السوداني ظُلم، وهو ليس فاسداً، حتى وان كانت هناك ملاحظات على طريقة إدارة الوزارة في عهده، لكنه من أنزه الناس”، ليبلغنا بان “السوداني يعيش حالة فقر شديدة في لندن وليس لديه اي دخل سوى سيارة قديمة يعمل عليها ابنه سائق تكسي”.
جميع تلك الكلمات مرت في مخيلتي بعد الكشف عن شمول “راهب حزب الدعوة” بالعفو العام وكان لهذا القرار رسالة “لاتبشر بخير” عن بداية حكومة عادل عبد المهدي والذي فتح باب الانتقاد على أوسعه، ليكون تحالف الفتح في مقدمة القوى السياسية التي اعلنت موقفها لتخبرنا بان “قانون العفو العام تم تشريعه لغرض المجرمين، الذين تلطخت ايادهم بدماء العراقيين، وحماية السراق الذين نهبوا المال العام، وليكشف لنا عن “سر” يعلمه جميع العراقيين وهو ان “قانون العفو عبارة عن (اتفاق) الطبقة السياسية من اجل حماية انفسهم وحماية ازلامهم السراق والقتلة”، لكن هذا الاعتراف الذي أعلنه تحالف الفتح لن يجعل قياداته التي كانت نوابا في البرلمان خلال التصويت على القانون بعيدة عن انتقاد المواطنين، في حال مغادرة السوداني سجنه وعودته الى بلده الذي يحمل جنسيته.
ياسادة… ان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وقع بخطا كبير حين ما اضاع “فرصة” حصل عليها من المواطنين والمرجعية الدينية التي منحته “تفويضا للأصلاح ومحاربة الفاسدين” لكنه لم يستثمرها، وحولها الى شعارات مازال “عُبَّاد الله” يستذكرونها في كل مناسبة تتحدث عن الحرب ضد الفاسدين والضرب بيد من حديد، واليوم السيد عبد المهدي امام اختبار حقيقي “لاستغلال” الفرصة ذاتها والاعتبار من اخطاء “سلفه”، فالمرجع الديني السيد علي السيستاني وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، أعلنا بشكل صريح دعمهما لعبد المهدي بتشكيل حكومة تتجاوز جميع ضغوط القوى السياسية والتدخلات الخارجية، وهي ورقة “رابحة” بإمكان رئيس الوزراء استخدامها لكسب دعم المواطنين وللخروج من “الحرج” الذي حصل خلال جلسة منح الثقة لحكومته والتي عكست “ضعفا” في فرض ارادته، وهو مايتطلب موقفا “حازما” لإيقاف “المتصيدين” واصحاب المصالح السياسية عن استغلال القوانين لصالحهم.
الخلاصة… ان عبد المهدي مطالب بموقف واضح من قضية العفو عن السوداني وجميع الهاربين من “سراق المال العام” وعدم الرضوخ للضغوط السياسية في ملف “الفاسدين” الذين يتمتعون بأموالنا في منتجعات لندن وباريس وليالي اسطنبول في حين يعيش الملايين من العراقيين في العشوائيات ومنازل تفتقر لابسط مقومات الحياة… اخيرا… السؤال الذي لا بد منه… هل سينجح عبد المهدي باستثمار “فرصة” دعم المرجعية لتحقيق ماعجز عنه العبادي ام سنترحم على الحكومات السابقة؟..